20 عاما على اجتياح الضفة.. كيف أنهت إسرائيل مظاهر السيادة وحلم الدولة الفلسطينية؟

تدريجيا أعادت إسرائيل السيطرة على كامل الأراضي التي كانت خاضعة للسيطرة الفلسطينية، واستمرت في سيطرتها حتى اليوم، مع انغلاق بالأفق السياسي. وأسفر الاجتياح عن تدمير هائل في البنية التحتية بالضفة الغربية وقطاع غزة بعد استخدام الاحتلال طائرات "إف-16" في قصف أهداف فلسطينية بينها مقرات السلطة الفلسطينية.

إسرائيل شنت هجوما واسعا على الضفة الغربية بدأ في 29 مارس/آذار 2002 (الفرنسية)

بعد توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993، ظن الفلسطينيون أنهم وضعوا أقدامهم على طريق الدولة المستقلة، فالاتفاق نص على مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات، لكنها انتهت ولم تقم الدولة، إنما استهدفت كل رمز للسيادة الفلسطينية باجتياح واسع للضفة بدأ في 29 مارس/آذار 2002.

ووقع اتفاق أوسلو، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، في حينه منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" ومثلها الرئيس الحالي محمود عباس، في حين مثل إسرائيل وزير خارجيتها آنذاك شيمون بيريز.

إنهاء المرحلة انتقالية

ونص الاتفاق على البدء بعد 3 سنوات في مفاوضات الوضع النهائي: القدس، المستوطنات، اللاجئين، الترتيبات الأمنية، الحدود. وأسفر عن 3 تصنيفات لأراضي الضفة الغربية: "أ" وتمثل مراكز المدن، عدا القدس، وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة. أما المنطقة "ب" فتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، ومنطقة "ج" تخضع لسيطرة إسرائيل الكاملة مع صلاحيات مدنية محدودة للسلطة الفلسطينية، وهذه تشكل نحو 61% من أراضي الضفة.

ونصت الاتفاقية على انسحاب إسرائيل تدريجياً من المدن الفلسطينية، على أن ينتهي الانسحاب في أبريل/نيسان 1994، وتبدأ المرحلة الانتقالية وتستمر 5  سنوات، بعدها يكون إعلان الدولة.

لكن السقف الزماني انتهى، وفشلت بعدها مفاوضات جرت في كامب ديفيد عام 2000، في إحداث اختراق سياسي، فكانت ما عرفت بـ "انتفاضة الأقصى" التي أطلق شرارتها في حينه زعيم حزب الليكود المعارض أرييل شارون، باقتحامه للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر/أيلول 2000.

العام التالي، فاز شارون بالانتخابات وأصبح رئيسا للحكومة، وقاد اجتياحا عسكريا واسعا للأراضي الفلسطينية، بدأ باقتحام واسع لمدينة رام الله بالدبابات وتحت غطاء جوي كثيف في 39 مارس/آذار 2002.

دبابة إسرائيلية تتمركز خارج مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله بالضفة الغربية
دبابة إسرائيلية تتمركز خارج مقر عرفات في رام الله (رويترز)

دبابات بمقر الرئاسة

وصلت الدبابات الإسرائيلية مقر الرئاسة الفلسطينية، حيث كان يقيم الرئيس الراحل ياسر عرفات، ودمرت محيط إقامته وحاصرته حتى تدهورت صحته وجرى نقله إلى مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2004، ومكث هناك حتى وفاته في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 "مسموما" وفق مسؤولين فلسطينيين.

وتدريجيا أعادت إسرائيل السيطرة على كامل الأراضي التي كانت خاضعة للسيطرة الفلسطينية، واستمرت في سيطرتها حتى اليوم، مع انغلاق الأفق السياسي.
وأسفر الاجتياح الإسرائيلي عن حوالي 900 شهيد فلسطيني خلال عام 2000، وحده، في حين تفيد معطيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني باستشهاد قرابة 2500 فلسطيني الأعوام بين 2000 و2005، وقرابة 3800 منذ مطلع 2000 وحتى أواسط مارس/آذار 2022.

كما أسفر الاجتياح عن تدمير هائل في البنية التحتية بالضفة وقطاع غزة بعد استخدام إسرائيل طائرات "إف-16" في قصف أهداف فلسطينية بينها مقرات للسلطة الفلسطينية، قبيل تنفيذ عملية الاجتياح وخلاله.

كما شرعت إسرائيل في إقامة جدار، على امتداد الأراضي المحتلة عام 1967، يسميه الفلسطينيون جدار الفصل العنصري، في حين يسميه الاحتلال جدارا أمنيا.

وفي يوليو/تموز 2004 أعلنت محكمة العدل الدولية في لاهاي عدم قانونية الجدار، وطالبت بهدمه على الفور وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم جراء إقامته.

فرض الأمر الواقع

لم يكن الاجتياح الإسرائيلي إلا جزءا من سياسة إسرائيل لفرض الأمر الواقع على الأرض، وفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، في حديث للجزيرة نت.

وأضاف أبو يوسف أن هذا الواقع تمثل في "إعادة السيطرة العسكرية على المدن الفلسطينية من جهة، والتوسع الاستيطاني من جهة أخرى".

وتابع أنه بعد 20 عاما من استباحة كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن ما جرى محاولة إجهاض ووقف الانتفاضة الثانية "التي حققت حضورا ونجاحات على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وما جرى من خلال محاولات إخماد تلك الانتفاضة". وأضاف "تصعيد الاحتلال لجرائمه مؤخرا، والتلويح بعملية سور واق جديدة في غزة، تحتم علينا استعادة الوحدة الوطنية".

ويشير القيادي الفلسطيني لتصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي أواسط الشهر الجاري، هدد فيها بتكرار اجتياح 2002 بالقطاع عام 2022.
ويضيف أن الاحتلال يراهن على بقاء واستمرار الانقسام حتى الوصول إلى الانفصال "وهذا يشكل أكبر إستراتيجية للاحتلال".

هيمنة استعمارية

من جهته، يبين المحلل السياسي والأكاديمي الفلسطيني عمر جعارة أن الدول في الشرق الأوسط لم تقم بإمكانيات ذاتية "إنما بالهيمنة الاستعمارية القوية".

وقال في حديثه للجزيرة نت إن الولايات المتحدة ورثت التركة الاستعمارية القديمة لبريطانيا وفرنسا "وتحكمت في كل شيء بالشرق الأوسط وخاصة عوامل التنمية سواء زراعية أو اقتصادية أو بشرية".

من هنا يضيف جعارة "المستوى السياسي مصنوع 100%، لذلك حدثت الهجمات الإسرائيلية عام 2000" ويقتبس المحلل الفلسطيني عن شارون مقولة سابقة "إن سيطرة إسرائيل على 4 ملايين فلسطيني عمل سيئ، لذلك لا مانع من إنشاء دولة فلسطينية".

ويقول جعارة: لكن عندما شاهد شارون الخسائر بالجانب الإسرائيلي غيّر وجهة نظره -كما نقل الإعلام الإسرائيلي في حينه- وأخذ الضوء الأخضر لتنفيذ الاجتياح وما سماه عملية السور الواقي التي كلفت إسرائيل ملايين الشياكل لمنع أي عملية ضد الوجود الإسرائيلي.

في ظل هذا الواقع، يضيف الأكاديمي الفلسطيني "لا مكان للدولة الفلسطينية، ولم تسع الولايات المتحدة لإنشاء دولة فلسطينية، كما سعت لإنشاء دولة جنوب السودان مثلا".

واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
أبو يوسف: الاجتياح الإسرائيلي تمثل في إعادة السيطرة العسكرية على المدن الفلسطينية (الجزيرة)

مفهوم السيطرة والتحكم

أما مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات، فيرى أن الاجتياح الإسرائيلي جاء لتحقيق هدفين مركزيين: الأول إعادة مفهوم السيطرة والتحكم الإسرائيلي بجغرافية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية من الناحيتين الأمنية والسياسية.

فمن الناحية الأمنية، يوضح بشارات، أرادت إسرائيل "إنهاء أي مخاوف أمنية مستقبلية (تمس) الكيان الإسرائيلي والوجود الاستيطاني بالضفة، ومن الناحية السياسية أرادت إنهاء ومنع إقامة كيان سياسي فلسطيني يمكن أن يتبلور مستقبلاً على شكل مفهوم يؤسس لدولة فلسطينية".

ويوضح الباحث الفلسطيني أن إسرائيل سعت قبل الاجتياح وخلاله إلى "خلخلة مفهوم السيادة السياسية والوطنية فلسطينيا، باستهداف المؤسسات كبناء وكذلك المؤسسات كفعل على الأرض".

إعادة بناء العلاقة مع إسرائيل

أما الهدف الثاني للاجتياح، فيقول بشارات إنه يتمثل في إعادة بناء العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية وفق مفهوم البقاء من أجل توفير الخدمات، دون تأثير في رسم السياسات داخل فلسطين "وبالتالي جعل الوجود الفلسطيني الرسمي مقتصرا على القطاعات الخدماتية فيما يتم الحرمان من الدور السياسي".

وباستهداف السيادة، وإعادة بناء العلاقة مع السلطة، أصيبت في مقتل النواة الأولى التي قامت عليها فكرة دولة فلسطينية بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية لاتفاقية أوسلو، وبهذا تم إنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وفق بشارات.

ويضيف أن الإشكال الأكبر بعد مرور 20عاما على اجتياح الضفة، هو أن القيادة السياسية الفلسطينية قبلت بالاستسلام لهذا الأمر، مشيرا إلى "عوامل عززت ذلك كحالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، أو إعادة هيكلية القيادة السياسية التقليدية لمنظمة التحرير".

وهنا يشير مدير مركز يبوس إلى "تحويل مفهوم الرؤية التحريرية من أسسها الوطنية، إلى إعادة نمط المؤسسات وفقا للرؤية الأميركية الغربية التي جعلت مشروع السلام الاقتصادي يطغى على مفهوم الدولة".

المصدر : الجزيرة