عاصمة النفط العراقية.. هل انتقل الصراع السياسي الأمني إلى البصرة؟
تعيش البصرة (جنوب) منذ أسابيع توترا أمنيا كبيرا بين مختلف الكتل السياسية والأحزاب والجهات الأمنية سواء الجيش العراقي أو الحشد الشعبي. وجاءت التطورات الأخيرة انعكاسا للأزمة السياسية المستمرة في العراق بعد أكثر من عام على إجراء الانتخابات التشريعية التي لم تفض لتشكيل حكومة أو اختيار رئيس للجمهورية.
وشهدت هذه المدينة سلسلة من عمليات الاغتيال والاشتباكات بين فصائل مسلحة شملت قصفا بقذائف الهاون استهدف القصور الرئاسية خلال الأيام الماضية، مما حدا بالقيادة العامة للقوات المسلحة لإرسال لواء والعديد من الأفواج التابعة إلى البصرة وتمركزها بالقصور الرئاسية وهو ما أزعج بعض الجهات المحسوبة على الحشد الشعبي، كما أن المدينة شهدت عمليات اغتيال متبادلة بين فصائل مسلحة الأيام الأولى لسبتمبر/أيلول الماضي.
خلفيات الأزمة
تعد البصرة ثالثة كبريات المحافظات العراقية في عدد السكان بعد بغداد ونينوى، كما تعتبر رئة العراق الاقتصادية نظرا لاعتماد البلاد على 70% من نفطها المصدَّر. وبالإضافة إلى ذلك، شكل الصراع السياسي الشيعي في البصرة علامة واضحة منذ عام 2008 حينما شهدت المدينة عملية عسكرية أطلقت عليها حكومة نوري المالكي "صولة الفرسان" والتي كانت ضد جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وتسببت بشرخ كبير في العلاقة بين المالكي والتيار الصدري لا تزال تبعاته حاضرة الآن في الخلاف السياسي الحاد بين الطرفين.
مجدداً..#البصرة تشتعل ويراد لها أن تشتعل اكثر..وسط غياب حكومي اتحادي ومحلي وامني.
اهداف عدة وراء حرق #البصرة اهمها ضرب المنشاءات النفطية لعرقلة التصدير وبالتالي ايقاف الايرادات الحكومية وشل الدولة وتوقف الرواتب وايضاً اجهاض بطولة كأس الخليج وعائداتها الاقتصادية على المدينة. pic.twitter.com/1MvwheHTkH— فادي الشمري (@Fadi_H_alshamri) October 6, 2022
وتجددت الخلافات بين الكتل الشيعية عقب الانتخابات الأخيرة لتكون البصرة حاضرة في هذه الخلافات، إذ يؤكد النائب السابق فادي الشمري بقوله "مجدداً.. البصرة تشتعل ويراد لها أن تشتعل أكثر.. وسط غياب حكومي اتحادي ومحلي وأمني" وأضاف في تغريدة على تويتر "أهداف عدة وراء حرق #البصرة أهمها ضرب المنشآت النفطية لعرقلة التصدير وبالتالي إيقاف الإيرادات الحكومية وشل الدولة وتوقف الرواتب وأيضاً إجهاض بطولة كأس الخليج (المزمع عقدها في المدينة مطلع العام المقبل) وعائداتها الاقتصادية على المدينة".
— وزير القائد – صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) October 6, 2022
أمنية وسياسية
ويرى الخبير الأمني سرمد البياتي أن شرارة التناحر المسلح في حال حدث ستظهر إما من البصرة أو من كركوك (شمال بغداد) معتبرا أن البصرة تعد هدفا الآن بسبب الخلافات بين الحشد الشعبي سيما "عصائب أهل الحق" والجيش العراقي الذي انتشر مؤخرا في القصور الرئاسية.
وكانت القصور الرئاسية قد تعرضت لقصف بقذائف الهاون، وهو ما يشير إليه البياتي في حديثه للجزيرة نت على أن ذلك يعد انعكاسا للخلافات بين التيار الصدري من جهة والعصائب من جهة أخرى، لافتا إلى أن احتمالية الإضرار بتصدير النفط في البصرة غير مقبول دوليا لكن ذلك غير مستبعد في حال شعرت إحدى الأطراف أنها خسرت كل شيء، بحسب تعبيره.
وكان الصدر قد نشر قبل أيام عبر وزيره المعروف بـ "محمد صالح العراقي" تغريدة أكد فيها تجميد عمل ذراعه المسلح المتمثل بسرايا السلام، مطالبا الحكومة بكبح جماح "مليشيات قيس الوقحة" في البصرة، ليرد زعيم "العصائب" بدعوة الحكومة لحصر السلاح بيدها.
— قيس الخزعلي (@Qais_alkhazali) October 6, 2022
من جانبه، يعدد رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام نجم القصاب الأسباب التي جعلت من البصرة محطة للصراعات في العراق، مؤكدا أنها تعد أكثر محافظة عراقية تضم سلاحا ثقيلا سواء لدى العشائر أو الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب أو حتى لدى الأفراد.
أسباب اقتصادية
وأضاف القصاب في حديثه للجزيرة نت أن صراع الفصائل المسلحة والأحزاب على الموارد المالية في الميناء وحقول النفط والغاز والمنافذ الحدودية أدى إلى صدامات حقيقية بين هذه الأطراف التي تمتلك جميعها نفوذا كبيرا في هذه القطاعات الاقتصادية التي تعد شريان العراق المالي، مضيفا أن البصرة تحاذي دولة إقليمية متنفذة في البلاد حيث تحاول جعل البصرة حديقة خلفية لها فيما يتعلق بالموارد الاقتصادية والعلاقات مع العراق.
وحذر القصاب من احتمال انتقال الصراع السياسي إلى البصرة أية لحظة سيما أن العاصمة لم تعد مؤثرة كما البصرة التي تعد شريانا اقتصاديا، حيث تعتقد جهات كثيرة أن السيطرة عليها تشكل مزيدا من الضغط على الحكومة والكتل السياسية في بغداد، وبالتالي باتت البصرة محط صراع بين الجهات السياسية المتناحرة.
في غضون ذلك، يؤشر الباحث السياسي غانم العابد أن ملف تهريب المخدرات والنفط والمنافع المتحصلة من المنافذ الحدودية تعد ذات أهمية قصوى لفرض الهيمنة على البصرة من قبل فصائل مسلحة بالمحافظة ترى أنها الصندوق الأسود الممول لنشاطات هذه الجماعات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يختتم العابد أن الصراع السياسي يرجع في الأساس للعوامل الاقتصادية، وبالتالي، فإن البصرة مرشحة لأن تكون أكثر المدن أهمية لجميع الفصائل والأحزاب السياسية وهو ما يجعلها محل صراع سياسي وأمني لا تعرف نهايته، سيما إذا ما استمر ملف تشكيل الحكومة يراوح مكانه، بحسب العابد.
وخلال محاولة الجزيرة نت التواصل مع حكومة البصرة المحلية، امتنعت الأخيرة عن الإدلاء بأي تصريح حول ما يجري في المحافظة من تدهور أمني مكتفية بالإشارة إلى البيانات الرسمية الصادرة عن الأجهزة الأمنية.