101 عام على التأسيس.. هل ما زال الجيش العراقي يحتفظ بقدراته العسكرية؟

يرى بعضهم أن قادة العراق ورطوا الجيش بالسياسة لامتلاكه القوة العسكرية المدربة وبالإضافة إلى عدم وجود تراث ديمقراطي يؤسس لمجالس الشعب والسلطة التي تأتي عبر الانتخابات.

الزملاء الأفاضل لتنزيل الصورة مع الشكر استعراض عسكري للجيش العراقي في ذكرى تأسيسه/ المصدر مواقع التواصل
استعراض خريجي الكلية العسكرية في بغداد بذكرى تأسيس الجيش العراقي (مواقع التواصل)

مرّ الجيش العراقي بسلسلة أحداث مفصلية في تاريخه، خاض فيها 16 حربا، حقّق فيها علامات مضيئة، لا سيما في الحروب العربية ضد إسرائيل، إلا أن أكثر علامة فارقة فيه أنه ظلّ متلاصقا ومتأثرا بالسياسة، وزجّ به في ميادين الانقلابات الدموية منذ منتصف القرن الماضي.

تأسّس أول فوج بالجيش العراقي في السادس من يناير/كانون الثاني عام 1921، وحمل اسم "فوج موسى الكاظم"، وكان النواة الأولى في مسيرة الجيش الطويلة، وتبعته قوتان جوية وبحرية، ليزداد قوامه إلى أن أصبح 4 فرق، الأولى والثالثة في بغداد، والفرقة الثانية بكركوك والرابعة في الديوانية.

وقد شارك الجيش العراقي عام 1936 في أول انقلاب عسكري برئاسة قائد الفرقة الثانية الفريق بكر صدقي، تم على أثره تشكيل حكومة جديدة برئاسة حكمت سليمان.

وفي العام 1958 شارك الجيش مرة أخرى بانقلاب عسكري بقيادة عبد الكريم قاسم للإطاحة بالنظام الملكي، وعادت وحدات من الجيش للإطاحة بقاسم عام 1963، وتنصيب الضابط عبد السلام عارف بدلا عنه، ثم شقيقه الضابط عبد الرحمن عام 1966، بعد وفاة عبد السلام، ثم نصب الضابط أحمد حسن البكر على سدة الرئاسة عام 1968، وبعده تولى صدام حسين السلطة من 1979 إلى 2003.

وتعد مشاركة الجيش العراقي الفاعلة مع الجيوش العربية الأخرى في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 ضد إسرائيل علامة مضيئة في مسيرته، بينما تعتبر حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران (1980-1988) الأكثر استنزافا لقدراته وإمكانياته، والتي تعرضت لضربة قاصمة بعد اجتياحه الكويت عام 1990 والهجمات الواسعة النطاق التي استهدفته في حرب الخليج عام 1991 التي قادتها الولايات المتحدة وبمشاركة 33 دولة لإخراجه من الكويت.

_ مؤيد الونداوي (الجزيرة )
الونداوي: الجيش العراقي ورّط نفسه في التدخّل بالسياسة (الجزيرة)

تدخل في السياسة

واتخِذ قرار تأسيس الجيش من قبل سلطة الانتداب البريطاني في اجتماع القاهرة عام 1921 -وفق الخبير الأمني والإستراتيجي اللواء المتقاعد الدكتور مؤيد الونداوي- وكان حاضرا فيه أول وزير دفاع الراحل جعفر باشا العسكري وقد أنشأت في بداية الفكرة أن تكون للعراق فرقتان عسكريتان، الأولى للدفاع للقتال الجبلي والثاني للسهول والصحاري.

ودخل الجيش العراقي تجارب وأحداث كثيرة، وبدأ فاعلا في ضبط قضايا الحدود والأمن الداخلي، لكنّ الونداوي يرى أن الجيش ورّط نفسه في التدخّل بالسياسة بإحداث أول انقلاب عسكري بالجيش في المنطقة الشرق الأوسط بقيادة الفريق بكر صدقي. وجعل ذلك العراق خاضعا مجدّدا للنفوذ البريطاني وتحديدا عام 1941.

وأكثر ما يأسف عليه الونداوي هو تدمير الصناعات العسكرية العراقية التي كانت تؤمّن جانبا مهمّا من احتياجات الجيش لا سيما من الصواريخ والقنابل والأعتدة بمختلف الأنواع، لكنها دمّرت بالكامل بعد 2003.

ويشير الونداوي إلى أن الولايات المتحدة بغزوها للعراق دمّرت البلد وتحديدا الجيش، ويضيف قائلا يوجد الآن أكثر من مليون و250 ألف عنصرا أمنيا وعسكريا بمختلف الصنوف مع وجود شكوك حول قدرات هذه المؤسسات في تحقيق قضايا الدفاع الوطني والأمن الداخلي.

ويزيد الونداوي من مساحة الإشادة بالجيش العراقي قبل عام 2003 بأنه لم يكن عنصرا مستهلكا إلا أن السياسة استخدمته على نطاق واسع سواء داخليا أو خارجيا، وكانت المؤسسة العسكرية تمنح الخبرات للقوات المسلحة، وتعطي إمكانيات تدريبية عالية.

ومع كل ذلك، فُرضت على الجيش معارك لم تكن من خياراته وإنما فرضت عليه من قيادته السياسية، وأخرى فرضت نتيجة السياسيات الدولية والإقليمية، وبالتالي انغمس في القتال لسنوات طويلة، لتُنهك على إثر ذلك المؤسسة العسكرية وكذلك المالية وما أفرزته من خسائر للمنطقة برمتها.

العقيد المتقاعد سليم شاكر الامامي (الجزيرة 1)
الأمامي: الإسرائيليون ذهلوا بشدة حين علموا بدخول الجيش العراقي حرب عام 1973 (الجزيرة)

بطولات الجيش

وبتسليط الضوء أكثر على حرب 1973 ضد إسرائيل، وفي تعليق منه على الدور العراقي فيها، يقول العقيد الركن المتقاعد سليم شاكر الأمامي -الذي كان آمرا للواء المدرع 12- إن تدخل الجيش العراقي في الوقت المناسب والقتال الشرس أنقذا دمشق من السقوط.

ويقول أيضا إن حرب 1973 أثبتت أن الجندي العربي قادر وشجاع لو ساعدته الظروف الأخرى، مشيرا إلى ما ذكره الصحفي الأميركي الشهير سيمور هيرش في كتابه "خيار شمشون" أن وحدات إسرائيلية فرت بكاملها أمام الجيش المصري وكذا حال جنود إسرائيل على الجبهة السورية. أما الجيش العراقي فقد تصدى لفرقة مدرعة إسرائيلية من 4 ألوية ومنع سقوط دمشق. وقد اعترف الجنرال الإسرائيلي يعقوب عميدور بأنهم "ذهلوا بشدة حين علموا بدخول الجيش العراقي الحرب وأنه منع توسع إسرائيل في حرب 1948، وفي مثلث "طولكرم – قلقيلية- ناثانيا"، وكذا مُنعنا من التوسع في حرب 1973".

صورة أرشيفية من حرب عام 1973 في الجبهة السورية (غيتي)

ومّما يستذكره الأمامي في حديثه للجزيرة نت عن تلك الحرب أن اسرائيل دخلت في حالة من الذهول والصدمة بالمشاركة الفاعلة للجيش العراقي في حرب 1973 رغم ما كانت تنفقه من أجل مراقبة تحرّكاته ومنعها، ويضيف قائلاً: رُفع الحظر عن برقية اسرائيلية سرية بعد 47 عاماً مفادها أن "دمشق كانت تفّاحة جاهزة بين أيدينا، لكن الجيش العراقي حرمنا منها".

الجميلي العديد من محاولات الاستيلاء على السلطة نفذها قادة في الجيش (الجزيرة)

توريطه بالسياسة

وفي رده على سؤال للجزيرة نت عن سبب زجّه في الحياة السياسية والانقلابات العسكرية منذ تأسيسه، يعزو ذلك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة المستنصرية الدكتور سعد نصيف الجميلي إلى امتلاك الجيش العراقي للقوة العسكرية المدربة وبالإضافة إلى عدم وجود تراث ديمقراطي يؤسس لمجالس الشعب والسلطة التي تأتي عبر الانتخابات، وهذا ما دفع لحدوث العديد من محاولات الاستيلاء على السلطة من قبل قادة عسكريين قبل انقلاب 1958.

ويرى الأستاذ الجامعي أن ذلك هو السبب الرئيسي في تفكير جميع الحكومات التي استلمت دفة السلطة بالعراق بعد عام 2003 بالسيطرة على المؤسسة العسكرية وإخضاعها لرغباتها السياسية عن طريق تعيين الموالين للسلطة ممن يخدموا بالجيش في أعلى الرتب العسكرية، وإحالة من يشك بولائه للتقاعد أو السجن أو القتل، وأيضا البدء في تعيين أعضاء السلطة البسطاء بالمراتب المتوسطة من الجيش ومنحهم رتب عسكرية سواء عن طريق دخولهم دورات سريعة أو ما يسمى بـ"الدمج".

وفي مقارنة منه بين الجيش العراقي الذي من أقوى الجيوش على مستوى المنطقة العربية والعالم خلال القرن الماضي، وذلك الذي شكل بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، يصف الضابط في الجيش العراقي السابق ربيع الجواري الجيش الذي تشكل بعد 2003 بأنه سيئ وغير محترف، عازيا السبب في ذلك إلى أنّه بُني على أساس غير مهني واعتمد على المحاصصة الطائفية والعرقية.

ورغم إقراره بأن الجيش نفع السلطة في كل مراحله، فإن الجواري يرى في حديثه للجزيرة نت أن التخبط سيبقى فاعلا في المؤسسة الأمنية طالما هناك تدخل للأحزاب السياسية فيها وهي من تحدّد مصير الجيش.

وانتقد الجواري إقصاء شريحة كبيرة من خيرة ضباط الجيش العراقي السابق بحجج وتُهم واهية، وترشيح ضباط غير مؤهلين من قبل الأحزاب دون أن يمتلكوا شهادة أكاديمية وخبرة كافية، وهذا ما تسبّب بسيطرة تنظيم الدولة على ثلث مساحة العراق في 2014.

المحلل السياسي العراقي أحمد السراجي الجزيرة
السراجي عبّر عن أمنيته بأن يكون للعراق جيش عابر للميول والاتجاهات (الجزيرة)

نسخة هجينة

من جانبه يبدو المحلل السياسي أحمد السرّاجي أكثر انتقادا لأدوار وتأثير الجيش خلال الحقب المختلفة منذ تأسيسه عام 1921 بتحوّله إلى أداة لـ"القتل والقمع"، ويزيد من مساحة انتقاده بوصف أن ما موجود اليوم أشبه ما يكون بنسخة "مشوهة وهجينة" للجيش السابق ليس له ولاء للعراق، بمجرد حصول هزة بسيطة ينهار كل شيء كما حصل عام 2014 على يد تنظيم الدولة.

ويرى السراجي في حديثه للجزيرة نت الغاية من تأسيس الجيش منذ بدايته بقرار بريطاني بحت؛ وهي للسيطرة على البلد بدمج الشباب الذين هم ركيزة المجتمع في المنظومة العسكرية، متسائلا متى يصبح لنا جيش عراقي يكون عابرا للميول والاتجاهات، وحاميا لحدود بلده وخيراته؟

وفي المقابل، يقول الخبير الأمني عقيل الطائي إن الجيش العراقي الجديد واجه الكثير من التحديات بعد عام 2003، أبرزها الحرب ضدّ تنظيم القاعدة ومن ثم الحرب ضد تنظيم الدولة، إلا أن عقيدته العسكرية ساهمت وبشكل كبير في القضاء عليهما ودحرهما، مُسطّرا أروع الملاحم البطولية في مقارعة الإرهاب.

ويُشدّد الطائي في حديثه للجزيرة نت على ضرورة أن ترفد الحكومات المقبلة الوجوه الجديدة في الجيش العراقي لوجود بعض الترهلات فيه، بالإضافة إلى وصول بعض الضباط والمراتب لسنّ التقاعد، كون النقطة الأساسية في أي مقاتل هي اللياقة البدنية وسرعة الاستجابة والقدرة على التحمّل.

المصدر : الجزيرة