"ولا بوصة واحدة شرقا".. كيف تسبب الزعيم السوفياتي غورباتشوف في أزمة أوكرانيا الحالية؟

يُرجع المعلقون جذور أزمة أوكرانيا الحالية إلى تجاهل غورباتشوف تقنين الوعود الشفهية، إضافة إلى إصرار حلف الناتو -خلال العقدين الأخيرين- على أن عملية التوسع مفتوحة وأن أي بلد يستوفي معايير العضوية مؤهّل للانضمام إليه.

midan ميخائيل غورباتشوف
تظهر الوثائق أن الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف تجاهل توثيق الوعود الأميركية والغربية بعدم توسيع حلف الناتو شرقا (رويترز)

واشنطن- تُظهر وثائق رُفعت عنها السريّة من الأرشيف القومي الأميركي، واطّلعت عليها الجزيرة نت، أن الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف كان قد تلقى ضمانات أمنية شفهية ضد توسع حلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق، من الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر ومستشار ألمانيا هيلموت كول ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران.

ولم يكترث غورباتشوف بطلب تدوين هذه الوعود في وثيقة مكتوبة موقّع عليها، كي تصبح وثيقة ملزمة لأطرافها في المستقبل. بينما رأى بعض المؤرخين أن تدوين وتوثيق الوعود الأميركية والغربية كان من شأنه تجنّب وقوع أزمة أوكرانيا الحالية.

Former Secretary of State James Baker introduces current Secretary of State John Kerry before Kerry speaks to audience members at Rice University's Stude Concert Hall, Tuesday, April 26, 2016, in Houston. (Karen Warren/Houston Chronicle via AP) MANDATORY CREDIT
وزير الخارجية الأميركي الأسبق التقى غورباتشوف في فبراير/شباط 1990، وقدم له وعودا بعدم توسيع حلف الناتو شرقا (أسوشيتد برس)

وعود بعدم توسيع حلف شمال الأطلسي

في التاسع من فبراير/شباط 1990، وخلال لقاء جمعه بالزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف حول مستقبل الأمن الأوروبي، أطلق وزير الخارجية الأميركي آنذاك جيمس بيكر جملة شهيرة "لا بوصة واحدة شرقا"، في تأكيد صريح على عدم نيّة واشنطن توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا.

وتُبيّن الوثائق أن العديد من قادة الدول الأوروبية كانوا يرفضون عضوية أي من دول أوروبا الوسطى أو الشرقية في حلف الناتو في بداية تسعينيات القرن الماضي.

وجاءت هذه الوعود في سياق مفاوضات على أعلى المستويات بشأن توحيد ألمانيا عام 1990، وهو ما يعطي الشكاوى الروسية المتلاحقة -حول تضليلها بشأن توسيع حلف شمال الأطلسي- الكثير من المصداقية.

وتعزز الوثائق انتقاد روبرت غيتس -وهو المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA)- "المضي قدما في توسيع حلف شمال الأطلسي شرقا في التسعينيات، بعدما تم دفع غورباتشوف وآخرين إلى الاعتقاد بأن ذلك لن يحدث".

وتضمّنت المحادثات حول مستقبل ألمانيا تأكيد وزير خارجيتها هانز ديتريش غينشر لنظيره الأميركي جيمس بيكر أنه "لا بد أن يكون لدى الروس بعض الضمانات بأنه إذا تركت الحكومة البولندية حلف وارسو في يوم من الأيام، فلن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي في اليوم التالي".

وتشير الوثائق إلى تكرار جيمس بيكر ما ذكره الوزير الألماني، وبنفس الصياغة، في اجتماعه مع وزير الخارجية السوفياتي إدوارد شيفرنادزه، والأهم من ذلك، وجها لوجه مع الزعيم غورباتشوف.

وفي اجتماعه مع غورباتشوف في التاسع من فبراير/شباط 1990، كرر بيكر عبارة "ولا بوصة واحدة شرقا" 3 مرات، ووافق بيكر على تعقيب غورباتشوف ردا على تأكيدات بيكر بأن "توسيع حلف شمال الأطلسي غير مقبول".

وأكد بيكر لغورباتشوف قائلا "لا الرئيس الأميركي ولا أنا نعتزم انتزاع أية مزايا أحادية الجانب من العمليات الجارية. ومن المهم أن يكون لدينا ضمانات بأنه إذا أبقت الولايات المتحدة على وجودها في ألمانيا في إطار حلف شمال الأطلسي، فلن تمتد الحدود العسكرية الحالية لحلف شمال الأطلسي في اتجاه شرقي ولا حتى لبوصة واحدة".

ترك الباب مفتوحا

وتُظهر الوثائق أن غورباتشوف وافق على توحيد ألمانيا وبقائها عضو في حلف شمال الأطلسي نتيجة لهذه السلسلة من التأكيدات، وعلى أن تسوية ما بعد الحرب الباردة سوف تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية السوفياتية.

ولكن داخل الحكومة الأميركية، كانت تجري مناقشة مختلفة حول العلاقات بين حلف الناتو ودول أوروبا الشرقية. واختلفت الآراء، واقترح البنتاغون في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1990 ترك "الباب مفتوحا" لعضوية دول أوروبا الشرقية في حلف الناتو.

وعلى النقيض كان رأي وزارة الخارجية بأن توسيع الحلف لم يكن على جدول الأعمال، وأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة تنظيم "تحالف مناهض للسوفيات" يمتد إلى حدود دولتهم، وهو ما تبنته رسميا إدارة الرئيس بوش.

وتتضمن الوثائق رؤية الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مانفريد فورنر والتي عبر عنها في يوليو/تموز 1991 أثناء زيارة وفد روسي لمقر حلف الناتو ببروكسل، وجاء في مذكرة التفاهم المشتركة تأكيد فورنر على معارضة أي توسيع لحلف شمال الأطلسي.

ويرجع كثير من المعلقين جذور أزمة أوكرانيا الحالية إلى تجاهل غورباتشوف تقنين الوعود الشفهية، إضافة إلى إصرار حلف الناتو، وتأكيده خلال العقدين الأخيرين على أن عملية التوسع مفتوحة وأن أي بلد يستوفي معايير العضوية مؤهّل للانضمام، على الرغم من أن هذا ليس تماما ما تقوله معاهدة تأسيس الحلف.

وتنص المادة العاشرة من المعاهدة على أنه "يجوز للأطراف، بالاتفاق وبالإجماع، دعوة أي دولة أوروبية يمكنها تعزيز مبادئ هذه المعاهدة، والمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي، للانضمام إليها".

المصدر : الجزيرة