"الشعب يريد ما لا يريده الرئيس".. الأزمة في تونس تنتقل إلى الشارع

يصف سياسيون ومراقبون الحراك السياسي الذي تعيشه تونس باللحظة المفصلية في مسار الانتقال الديمقراطي وفي اختبار جدارة الشعب التونسي بالعيش ضمن نظام ديمقراطي يحترم الحريات والحقوق والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة

تونسيون معارضون للرئيس سعيد يشاركون في احتجاج على ما يسمونه انقلاب 25 يوليو/تموز في تونس العاصمة (رويترز)

تونس- يزداد المشهد السياسي في تونس تعقيدا مع انتقال حراك التونسيين ضد الرئيس قيس سعيد إلى الشارع، واتهامه بالانقلاب على الدستور، فيما يؤكد الرئيس أنه لن يتراجع إلى الوراء.

وتمثل الاحتجاجات الأخيرة -بمشاركة آلاف التونسيين- منعرجا جديدا في مسار الأزمة السياسية بحسب المراقبين، لتتحول أنشطة المعارضة لإجراءات الرئيس من صياغة البيانات والتنديد اللفظي إلى التظاهر في أكثر من محافظة.

 

 

يقول الناشط السياسي أمان الله الجوهري إن تونس تشهد اليوم بداية تشكل حراك شعبي ضد "الانقلاب" انطلق من الفضاء الافتراضي باسم "مواطنون ضد الانقلاب"، وانتهى بالنزول إلى الشارع والاحتجاج دفاعا عن الديمقراطية وحماية للدستور.

ويبين الجوهري -للجزيرة نت- أن "هذه الحركة المفتوحة على جميع المكونات المدنية والحزبية لن تتوقف، وستكون رأس حربة للدفاع عن الديمقراطية والدستور والقيم التي جاءت بها الثورة التونسية".

وبحسب الناشط، فإن الآلاف الذين نزلوا إلى الشارع أرادوا إيصال رسالة إلى الرئيس سعيد مفادها أن "الشعب يريد ما لا يريده هو"، وأن جزءا كبيرا من التونسيين متمسكون بمكتسبات الثورة، ويرفضون -قطعا- العودة لحكم الفرد ومربع الدكتاتورية.

واعتبر الجوهري أن "المشروعية الشعبية التي يتحرك بموجبها الرئيس ويبرر بها انقلابه في الداخل وفي الخارج سقطت في أول اختبار ميداني بعد أن قال الشعب كلمته ونزل إلى الشارع".

واتهم الناشط السياسي المنظومة السياسية التي حكمت ما بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011 بخذلان التونسيين، والانحراف عن المبادئ التي جاءت بها الثورة.

وفي تدوينة نشرها القيادي المستقيل حديثا من حركة النهضة عبد اللطيف المكي، دعا أعضاء مجلس النواب إلى "التحرك سياسيا وقانونيا وميدانيا لتفعيل البرلمان وتجاوز سلبياته دفاعا عن الدستور والديمقراطية".

تونسيون تجمعوا للتنديد بالإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد (الجزيرة)

احتجاجات مختلفة

وشهدت العاصمة التونسية أمس الأحد مظاهرة حاشدة أمام المسرح البلدي بالعاصمة شاركت فيها قيادات سياسية وحزبية، مثل القيادي المستقيل من حزب "قلب تونس" عياض اللومي، وعبد اللطيف العلوي من "ائتلاف الكرامة"، وسمير ديلو المستقيل حديثا من حركة النهضة.

كما شارك العشرات من المساندين لإجراءات الرئيس قيس سعيد في وقفة احتجاجية بوسط العاصمة عبروا خلالها عن دعمهم المطلق للرئيس ورفضهم العودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز الماضي.

ونظم متظاهرون في مدينة صفاقس (جنوب تونس) وقفة احتجاجية نددوا خلالها بالإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، ورفعوا خلالها شعارات "دستور حرية كرامة وطنية"، و"السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، و"يسقط الانقلاب".

وينتظر طيف واسع من التونسيين إعلان الرئيس عن التركيبة الحكومية الجديدة بعد مضي شهرين من "التدابير الاستثنائية" التي قرر فيها إقالة الحكومة وتجميد البرلمان، وبعد إصداره منذ أيام أمرا رئاسيا ألغى بموجبه العمل بفصول الدستور المنظمة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، واستعاض عنه بتنظيم مؤقت للسلطات.

ويُتداول في كواليس الساحة السياسية اسم توفيق شرف الدين وزير الداخلية السابق ومدير الحملة التفسيرية للرئيس قيس سعيد، باعتباره الشخصية الأوفر حظا والأكثر قربا من الرئيس لتكون على رأس الحكومة القادمة.

اتهامات ومطالبات بالإصلاح

وطالما ردد الرئيس التونسي أنه لن يتراجع عن الإجراءات التي اتخذها منذ 25 يوليو/تموز الماضي، حيث هاجم في آخر خطاب له بمدينة سيدي بوزيد الطبقة السياسية برمتها، وحمّلها مسؤولية الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد.

وكانت 6 أحزاب تونسية عبرت -في بيان مشترك- عن دعمها الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، معتبرة أنها تهدف لإنقاذ البلاد وتصحيح مسار الثورة والقطع مع ما وصفتها بـ"عُشرية الخراب والدمار والفساد" التي قادتها حركة النهضة وحلفاؤها خلال العقد الأخير.

وفي حديث للجزيرة نت، يقول زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي وأحد الموقعين على البيان المشترك الداعم لإجراءات الرئيس إن المظاهرات التي خرجت لتعبر بكل حرية هي أكبر دليل على أن مناخ الحريات والديمقراطية في البلاد لم يمس.

وشدد حمدي على أن الوضع الحالي في تونس يتطلب إصلاحات عميقة وجذرية، ليس فقط في ما يختص بدستور البلاد أو النظام السياسي، بل يشمل كل القطاعات، للخروج من "المشهد المتعفن"، حسب وصفه.

واعتبر أن ما قام به الرئيس "فتح بوابة أمل جديدة للتونسيين للذهاب نحو إصلاح المنظومة السياسية برمتها وما شهدته الثورة من انحراف عن المبادئ التي قامت من أجلها في ما يتعلق بكرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية والاقتصادية".

ودعا حمدي الرئيس -بالمقابل- إلى إشراك "القوى الوطنية والأحزاب الداعمة لمسار التصحيح" في "مناقشة مشروعي تنقيح فصول من الدستور والقانون الانتخابي قبل عرضهما على الاستفتاء"، مشددا على أهمية إعلان الحكومة القادمة عن برنامج "إنقاذ اقتصادي" يقطع مع المنظومة السابقة.

لحظات مفصلية

وشهدت الساحة الحزبية منذ أيام ما وصف بالزلزال داخل حركة النهضة بعد إعلان أكثر من 100 قيادي استقالتهم من الحزب الذي لا يزال يتصدر المراتب الأولى في استطلاعات الرأي للانتخابات التشريعية.

وأثار ذلك تساؤلات حول مستقبل الحركة من جهة، وتأثيرها على المشهد السياسي برمته من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار، وصف رئيس المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات ما يحدث في الحركة بالأمر الطبيعي والمتوقع لتجاوز عمرها نصف قرن.

وأضاف شوكات -للجزيرة نت- "تحملت الحركة ولو جزئيا مسؤولية الحكم، وللحكم تكلفة يجب دفعها، وغالبا ما تكون سلبية، خصوصا في فترات الانتقال الديمقراطي الصعبة".

وبخصوص الحراك السياسي الذي تعيشه البلاد، وصف شوكات ما يحدث بأنه "لحظة مفصلية في مسار الانتقال الديمقراطي بتونس وفي اختبار جدارة الشعب التونسي بالعيش ضمن نظام ديمقراطي يحترم الحريات والحقوق والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة".

وتوجه إلى من وصفها بالقوى الديمقراطية للعمل على "كسر الانحراف الدستوري والسياسي بعد تركيز جميع السلطات بيد الرئيس"، مشددا بالمقابل على ضرورة أخذ العبر من السنوات العشر الماضية، والتوافق على مشروع إصلاحي يركز على الجانب التنموي ويحافظ على الديمقراطية.

المصدر : الجزيرة