إدريس لشكر للجزيرة نت: السياسة تمارس بواقعية إما جيدة وإما سيئة ولا يهم يمين أو يسار

يرى الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن السياسة تمارس بواقعية وبراغماتية، ويؤكد أن السياسة اليوم إما جيدة وإما قبيحة، وأن المرجعيات هي نوع من الشرعية.

الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي إدريس لشكر مع مراسلة الجزيرة نت مريم التايدي.
إدريس لشكر يتحدث للجزيرة نت عن توقعاته لنتائج الاستحقاقات الانتخابية 2021 وعن البرنامج الانتخابي لحزبه (الجزيرة)

الرباط- بثقة عالية يأمل إدريس لشكر (67 سنة)، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي، أن يحل حزبه ضمن الأحزاب الثلاثة الأولى في الانتخابات العامة التشريعية والجهوية والجماعية المقررة في الثامن من سبتمبر/أيلول 2021.

ويرى لشكر في حوار مع الجزيرة نت، أن حزب الاتحاد الاشتراكي هو أكثر حزب لديه قدرة على التحالفات، معتبرا أن القاموس السياسي للحزب التقدمي أصبح عند كل الأحزاب السياسية.

ويعتبر إدريس لشكر من أبرز الناشطين في صفوف الاتحاد الاشتراكي منذ عام 1970. شغل منصب مسؤول وطني للشبيبة الاتحادية، ثم رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمجلس النواب ما بين 1999 و2007. كما يعتبر من الأصوات الاشتراكية التي دعت إلى تجاوز مرحلة الصراع مع النظام، إلى السلم المدني والعمل الحكومي. وشغل بين عامي 2010 و2012 منصب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان.

يقول لشكر في حواره مع الجزيرة نت على خلفية الاستحقاقات الانتخابية، إن "من سيكون غدا مع الحماية الاجتماعية ومع المرأة ومع الشباب ومع الحرية والمساواة، لا يمكن ألا يكون حليفا لنا". وعبر عن الرضا كون أغلبية الأحزاب صارت، من وجهة نظره، تطالب بما ناضل من أجله الاتحاد لعشرات السنين.

والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ورمزه الوردة، يدين برأسماله السياسي إلى سنوات عديدة من النضال من أجل القيم التقدمية والبناء الديمقراطي، شارك في حكومة التناوب سنة 1997، وظل الحزب اليساري الأول في المغرب خلال الانتخابات التشريعية 2002، ورغم تراجعه للمركز الخامس في 2007، فقد شارك في الحكومة، ليقرر في انتخابات 2011 عدم الانضمام إلى حكومة بنكيران، قبل أن ينضم إلى حكومة العثماني عام 2017 بـ3 حقائب وزارية عقب استحقاقات 2016 التي كان قد حصل فيها على 20 مقعدا.

ورغم كون الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزبا اشتراكيا وأبرز قوة سياسية في اليسار -اعتمدت مؤتمراته الديمقراطية الاجتماعية كخط سياسي-، فإن أمينه العام اليوم يرى أن السياسة تمارس بواقعية وبراغماتية، لا يهم يمين أو يسار، ويؤكد أن السياسة اليوم إما جيدة وإما قبيحة، وأن المرجعيات هي نوع من الشرعية.

المزيد في نص الحوار:

غالبا ما تلجؤون في خطاباتكم للاستعانة بتاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتوافقاته، لحث المواطنين على التصويت لصالحكم، ما أهم ما ترتكزون عليه في برنامجكم لانتخابات 2021؟

بالفعل الشرعية التاريخية لحزبنا، تميزنا على الأحزاب، لا يمكن إنكار أن الحزب هو استمرار لحركة التحرير الشعبية وساهم قادته في النضال من أجل الاستقلال، لا يمكن إنكار أن الحزب قاوم الظلم والاستبداد في بداية الاستقلال وقدم قادته تضحيات من أجل الوصول إلى ما نحن فيه اليوم.

حديثنا عن الماضي لا ينفي أننا ربما الحزب الوحيد الذي كان سباقا في تناول المستقبل، مثلا حين ظهرت الجائحة، كانت مواقف الحزب استشرافية للمستقبل وهيأ أرضية استباقية حول الجائحة.

وخلال المساهمة في النموذج التنموي الجديد، كنا الحزب الوحيد ضد ادعاء أن مؤسسات الوطن هشة، وقلنا من البداية إنها مؤسسات صاعدة. وعلى سبيل القياس، الدولة كانت مؤسساتها قادرة على تدبير الجائحة، سواء المؤسسات التنفيذية أو التشريعية والقضائية والاقتصادية.

أما البرنامج الانتخابي فلا تُمليه اللحظة، برنامجنا نابع من محطات تنظيمية وقرارات اتخذناها.

اليوم قاموسنا السياسي تتداوله كل البرامج الانتخابية، ومرجعيتنا الاجتماعية الديمقراطية رجع الكل إلى شعاراتنا، منها أن الدولة يجب أن تكون راعية وأن الليبرالية المتوحشة كارثة، وأهمية العودة للقطاع العمومي والمؤسسة العمومية في التعليم والصحة وغيرهما، والعودة إلى شعارات التضامن والتماسك الاجتماعي، أي العودة لكل رصيد حزبنا، اليوم تجد أحزاب ليبيرالية تتبنى قاموسنا السياسي، ونحن في صميم قناعاتنا واختياراتنا ومرجعيتنا.

البرنامج حددناه في 5 محاور أساسية، هي المحور المؤسساتي نقصد به إصلاح القضاء والعدالة، وهيئات الحكامة، إصلاحات نلتزم بالاشتغال عليها، والمحور الاقتصادي والمالي، ثم الجانب الاجتماعي الذي نجعل فيه الصحة أولا والتعليم والشغل والسكن، والشق الثقافي وخصوصا قضية المرأة وما تحظى به من مركزية في قضايانا، والشق المجتمعي.

أمام نداءات بمقاطعة الانتخابات والاستخفاف بالعمل الحزبي ككل، قلتم في افتتاح حملتكم إن الاختيار يجب أن يكون على وعي وقناعة، وليس على الإحسان والرشوة، كيف تتصدون في الاتحاد لمظاهر استعمال المال وتسفيه العمل الحزبي، من أجل استعادة الثقة في المؤسسات؟

من خلال الجهد الذي بذلناه ونبذله، اليوم هناك حديث عن شراء المرشحين، ونحن قدمنا 13 ألف مرشح في انتخابات الجماعات المحلية، لأول مرة في التاريخ نرشح هذا العدد، إلى جانب المناضلين قمنا بجهد في الانفتاح على الكفاءات.

نتصدى كذلك بالحوار وإقناع المواطن بأن اليوم ليس كالأمس، إذ بالأمس كان هناك تراخ، واليوم توجد تحديات كبرى كتحدي الجائحة الذي يهدد المغرب ويهدد العالم، وهذا يستلزم مؤسسات قوية لا يمكن أن تكون إلا بأشخاص أقوياء رجالا ونساء.

التحدي الثاني هو تحدي الجوار، وأنتم ترون أن المغرب في موقعه الجيوسياسي له تحديات كبرى لولا التدبير والإدارة الجيدين، وترون ما يقع في العالم من انهيار دول، وحروب أهلية وفتن، كل هذا يستدعي من المغاربة كثيرا من اليقظة والحذر.

كيف يمكن إجرائيا تنزيل هذه الأمور؟

عبر عمل المناضلين وتضحياتهم ومنتديات الحوار، نقوم بجهود عبر الوسائط الرقمية، وفتح الحوارات، والمجموعات وتعبئة الناخبين.

لدينا من أصل 91 لائحة، 10 يَتصدرها شباب، وهناك قائدات لوائح محلية. قمنا في الاتحاد بمجهود في التشبيب والتجديد ومقاربة النوع، ونحتل المرتبة الرابعة في عدد الترشيحات.

الاتحاد الاشتراكي
مقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي (الجزيرة)

في ظل خريطة الطريق للمرحلة المقبلة التي يمثلها النموذج التنموي الجديد، أين يتموقع برنامجكم الانتخابي مقابل أهم محاور النموذج؟ وما خططكم للمساهمة في النهوض بالوضع الاقتصادي؟

تاريخيا، في المؤتمر العاشر عام 2017، قلنا في الوثيقة السياسة، إن النموذج التنموي السابق استنفد أهدافه، لذلك لا بد لبلدنا أن يبحث في نموذج تنموي جديد.

هل هذا كان تشخيصا عاما؟

سررنا بخطاب الملك بضرورة البحث في نموذج تنموي جديد، في 2017، ومباشرة بعد خطاب الملك قمنا بيوم دراسي، استدعينا فيه تجارب عالمية وخرجنا وقتها بشعار "دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن"، هذا الشعار ألا يمكن أن تضعيه عنوانا اليوم للمشروع التنموي الجديد؟ نحن في الطيف السياسي من له أن يعتز، لأننا نجد أنفسنا في هذا المشروع التنموي الجديد جملة وتفصيلا.

هل تقصد أن برنامجكم يتماهى مع النموذج التنموي؟

المشروع التنموي هو إستراتيجي على الأقل لسنة 2030، أما البرنامج الانتخابي محدد في الزمن، ويغطي 5 سنوات. أي محاولة للتقليل من البرامج الانتخابية للأحزاب أو النموذج غير سليمة، لأن كل واحد منهما له هدف، لا يختلف اثنان أن المشروع التنموي هو إطار عام لاشتغال في آفاق العقود القادمة، الإطار العام الذي وقع فيه التوافق بين مختلف الفاعلين، ونحن وجدنا سهولة أكثر من الآخرين لأن الحماية الاجتماعية وكل المواضيع المرتبطة بالتضامن هي من أساس ثقافتنا كاتحاد اشتراكي، لذلك كان أسهل أن نتأقلم مع النموذج التنموي.

نعود لخطتكم في الإسهام في الإقلاع الاقتصادي؟

نحن نناقش قضية النمو كإستراتيجية، اقتصاديا طرحنا مجموعة من الاقتراحات أساسها تقوية الطبقة المتوسطة، ومواجهة هشاشة الفئات الدنيا وإخراجها من هذه الوضعية، على هذا الأساس نقترح مجموعة من الإجراءات قائمة على العدالة الضريبية، وتوسيع الوعاء الضريبي، وقائمة على أن الاستثمار وحجم الاستثمار يجب أن يتناسب مع مناصب الشغل.

وطرحنا بنك استثمار عمومي، لاندماج مالي أكبر، وتقوية الادخار. ونرى أن بنك المغرب (البنك المركزي) يجب أن يُغيّر منهجيته للدفع بالمغاربة نحو الادخار بشفافية ورقابة كافية.

الصحة والتعليم رهان بالبلد، تهتف بأولويتها كل الأحزاب، خصوصا في ظل الجائحة وما شكلته من تغيير أولويات التدبير، ما أولويات حزبكم لتدبير المرحلة المقبلة؟ وكيف تنخرطون في هذا الرهان إجرائيا؟

الصحة على رأس أولويات برنامجنا، وهي أولوية الأولويات، قدمنا اقتراحات رفع الميزانية المخصصة لقطاع الصحة إلى 10% كما تنص على ذلك منظمة الصحة العالمية، وإشراك الجهات والجماعات الميسورة في المساهمة بالصحة، وإيجاد شراكة حقيقية وتتبع ومراقبة للقطاع الخاص مع القطاع العام.

هذا كله يُتحدّث عنه، لكن كيف؟ كيف ستعبئون الموارد مثلا؟

تكلمنا عن التمويل عبر توسيع الوعاء الضريبي، والعدالة الضريبية بالإضافة إلى تقنين القطاع غير المُهيكل، حين سيصبح لكل مواطن رقم ضريبي، ولو بتصريح عادم، لن يطرح مثل هذا السؤال لأن الدولة ستجمع ما يكفي من التمويل.

لكن القطاع غير المهيكل أغلبه اجتماعي وحجم الأعمال فيه صغير جدا؟

كل عمل يُصرح بمداخيله، لشفافية أكبر، حين نعمل برقم التعريف الضريبي، من لا يكسب يصرح، ومن يكسب الحد الذي يؤدي مثله أجير الضريبة، عليه أن يدفع.

توجد مكاتب دراسات ومحامون وأطباء وأعمال خارج القانون، هناك من مداخيله مضاعفة بالمقارنة مع الموظف البسيط الذي تقتطع الضريبة من أجره، لا نقول أن التضريب هو الحل، لكن العدالة الضريبية نعم، ومحاربة الريع والفساد، وأن تكون كل الأنشطة وفق صفقات واضحة في القانون، وتكون المعلومة شفافة، وكل صفقة بدفاتر تحملات واضحة.

هل تقنين الكيف ضمن هذا التوجه؟

لست تقنيا، لكن من خلال متابعتي للموضوع، أرى أن التشريع والتقنين حاجة مجتمعية ماسة حين تصل ظاهرة لمستوى معين، هناك من يريد إبقاء دار لقمان على حالها لأنه يستفيد من ذلك، وهناك من ينادي بالوضوح، وبواسطة القانون يُعرف المزارع والمُصنع والتاجر.

التقنين بهذا المنطق لا شك ستكون له كذلك آثار إيجابية على مداخيل الدولة.

يبدو أن هناك إجماعا حول الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية في كل البرامج، ما الذي يميزكم؟

مرحبا بالإجماع، ومرحبا بالجميع في اشتراكية ديمقراطية، لا نريد أن نتميز في هذا، ولماذا يجب أن نتميز؟ ورش الحماية الاجتماعية في شمولية والرهان هو ضمان استمراريته، من خلال تجويد النصوص القانونية وتفعيلها كي لا نقع في ما وقعت فيه مجموعة من المشاريع الاجتماعية السابقة، التي تنطلق وتتوقف، لذلك، إذا كانت بلادنا ستتقدم فليلتحق الجميع بهذا البرنامج، حتى وإن نفذه آخرون.

نحن راضون لأن المجتمع كله بطيفه السياسي انخرط فيما كنا نناضل من أجله منذ عشرات السنين.

سناء القويطي/ الرباط/ البرلمان المغربي
الانتخابات البرلمانية في المغرب تشهد تنافسا حادا هذا العام (الجزيرة)

هناك محللون يقولون إن هذه الانتخابات دون رائحة سياسية وتغلب عليها البراغماتية، فما رأيك في هذا؟

هذا ليس في المغرب وحده، هذا في كل العالم، ما الذي يميز الديمقراطي عن الجمهوري، وما الذي يميز الاشتراكي عن اليميني، بعض القيم وأشياء بسيطة.

في الديمقراطيات العريقة لا يقع انقلاب في السياسة ما بين تعاقب تيار وتيار في الحكم. حين تكون المؤسسات قوية لا يمكن أن تُغيّر باسم الأيديولوجية، يمكن فقط القيام ببعض الإجراءات التي تشتغل عليها.

ترامب في اليمين المحافظ، أخذ إجراءات اجتماعية قوية خلال الجائحة. اليوم السياسة تمارس بواقعية وبراغماتية، لا يهم يمينية أو يسارية، اليوم السياسة إما جيدة وإما قبيحة، أما المرجعيات فنوع من الشرعيات.

ما زال المواطنون يتذكرون مرحلة البلوكاج في الاستحقاقات الأخيرة، ودور الاتحاد في التحالف الحكومي، هل تراهنون على الفوز والمشاركة في الحكومة الجديدة؟ إلى جانب من؟

جميع من دخل غمار الانتخابات يراهن على الفوز وإلا فلينسحب، بخصوص التحالفات، اعتقد الرأي العام من سيحدد التحالفات، اليوم أكثر الأحزاب قدرة على التحالفات هو الاتحاد، قاموسنا السياسي عند كل الأحزاب السياسية، ومن سيكون غدا مع الحماية الاجتماعية ومع المرأة ومع الشباب ومع الحرية والمساواة، لا يمكن إلا يكون حليفا لنا.

أي رتبة تتوقعون؟ وهل ستتحالفون مع العدالة والتنمية في حالة فوزه؟

من يوم بدأ الحديث عن إصلاح الانتخابات سُئلت هذا السؤال وكان جوابي أننا 5 أحزاب في خط انطلاق واحد، لا يوجد حزب رقم واحد ورقم اثنان، ونعتبر أنفسنا بين الأحزاب الأولى.

بكل تواضع نأمل أن نكون ضمن الأحزاب الثلاثة الأولى، وحين تتحدث الصناديق ويختار الرأي العام، سنرى هل سيفوز العدالة والتنمية. في حالة عاقبه الناخب لن نقول له "نسخن كتافي بكم"، كأن العدالة والتنمية سيكون الأول ومطروح علينا التحالف، وماذا لو كان للرأي العام رأي آخر واختار أحزابا أخرى؟ حين تفتح الصناديق تظهر التحالفات، ولكل حادث حديث، "حتى يتزاد ونسموه سعيد" (إلى أن يولد ونسميه سعيدا/ مثل مغربي).

المصدر : الجزيرة