لماذا يحرق الأسرى الفلسطينيون زنازينهم؟

لم تكن أحداث الحرق في أكتوبر/تشرين الأول 2007 الأولى وليست الأخيرة في المواجهات بين المعتقلين الفلسطينيين وسجانيهم، ورغم أن أسلوب حرق الأقسام يتسبب بخسائر وإصابات في صفوف الأسرى لكنه تعبير صارخ عن المثل "عليّ وعلى أعدائي"

الأسرى أضرموا النار في غرف بسجن "مجدو" بعد محاولة الاحتلال نقل أسرى حركة الجهاد الإسلامي إلى سجون أخرى
الأسرى أضرموا النار في غرف بسجن النقب بعد محاولة الاحتلال نقل أسرى حركة الجهاد عقابا على هرب مجموعة منهم من سجن جلبوع (مواقع إسرائيلية)

رام الله- ما زالت أحداث سجن النقب الدامية -التي تعود إلى 21 أكتوبر/تشرين الأول 2007- محفورة في ذاكرة الأسير الفلسطيني السابق سفيان جمجوم من مدينة الخليل (جنوبي الضفة الغربية).

في ذلك اليوم شهد السجن الواقع في صحراء النقب (جنوب البلاد) أوسع موجة عنف إسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين تخللها استشهاد أسير وإصابة المئات نتيجة هجوم قوات القمع الإسرائيلية عليهم، مما دفع الأسرى للرد بإحراق قسمين في السجن.

حادثة النقب

في حينه، كان نصيب جمجوم إصابة "صعبة" في القدم، فيما هو رهن الاعتقال الإداري بأمر عسكري دون تهمة أو موعد إفراج، وكان هذا الاعتقال التالي لحرية مؤقتة نالها إثر سجن استمر 13 عاما.

يروي جمجوم للجزيرة نت حادثة لجوء الأسرى إلى إحراق أقسامهم في سجن النقب يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2007، ويقول "حاولت قوة كبيرة من جيش الاحتلال ومصلحة السجون (الإسرائيلية) اقتحام السجن لإجراء تفتيش ليلي بصورة صارمة، وتعرض القسم الذي كنت فيه للهجوم، فواجهتهم مقاومة شديدة من الأسرى أدت لتصاعد الأحداث في السجن عامة".

كانت قوات القمع "مدججة بالسلاح كما قال جمجوم، واستشهد يومها الأسير محمد الأشقر من قرية صيدا بمحافظة طولكرم (شمالي الضفة الغربية)، فانفجرت الأحداث وعلت أصوات التكبير، ولم تستطع إدارة السجن السيطرة على الوضع.

في هذا الوقت "جرى حرق القسم الذي نوجد فيه وقسم آخر بالجوار" يقول جمجموم، وارتفعت ألسنة اللهب وأتت على الخيام والفرشات والأغطية، وجرى نقل الأسرى -بمن فيهم مئات المصابين- إلى الزنازين والأقسام الأخرى دون علاج.

وحدات قمع اسرائيلية تقتحم سجن عوفر في يناير الماضي1.
وحدات قمع إسرائيلية تقتحم أحد أقسام الأسرى في سجن عوفر في يناير/كانون الثاني 2019 (مصلحة السجون الإسرائيلية)

القمع والرد بالحرق

لم تكن أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2007 الأولى وليست الأخيرة في المواجهات بين المعتقلين الفلسطينيين وسجانيهم رغم أن أسلوب حرق الأقسام يتسبب بخسائر وإصابات في صفوف الأسرى، لكنه تعبير صارخ عن المثل "عليّ وعلى أعدائي".

ففي 18 مارس/آذار 2019 أحرق الأسرى 13 غرفة داخل سجن ريمون (جنوب) احتجاجا على تركيب أجهزة تشويش بداعي تعطيل الهواتف الخلوية المهربة إلى الأسرى، وأصيب خلالها عدد منهم بحروق وبحالات اختناق بالغاز، وأدى حرق الغرف إلى تراجع الاحتلال عن خطته.

وفي 26 مارس/آذار 2020 أشعل الأسير أيمن الشرباتي (من مدينة القدس) النار في غرفة الحراسة في سجن نفحة، محتجا على سياسة إهمال الأسرى والتعدي على حقوقهم.

وأول أمس الأربعاء سادت حالة استنفار كبيرة في سجن النقب بعد إشعال الأسرى النار في قسم "6"، ردا على عمليات القمع والتنكيل التي تنفذها إدارة السجون بحقهم بعد فرار 6 معتقلين من سجن جلبوع.

وأفاد نادي الأسير الفلسطيني بأن الأسرى في قسم "7" بسجن ريمون حرقوا أيضا غرفا في السجن رفضا لاستمرار القمع والتنكيل بحقهم.

وإن كانت بعض الحرائق تتم بفعل الأسرى فهناك حرائق خارجة عن إرادتهم كحريق سجن مجدو (وسط البلاد) في 17 يناير/كانون الثاني 2005، والذي أودى بحياة الأسير راسم غرة (27 عاما) من بلدة كفر مالك في محافظة رام الله، وكان نتيجة تماس كهربائي.

عقوبات جماعية

وفور الإعلان عن فرار 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي الاثنين الماضي بدأت سلطات سجون الاحتلال سلسلة عقوبات جماعية داخل السجون، وبحق عائلات بعض الأسرى، وفق مصادر فلسطينية.

وطالت العقوبات إنجازات هي في الأصل حقوق للأسرى حصلوا عليها بعد معارك وإضرابات عن الطعام، ومنها التمثيل الفصائلي، وإلغاء "الكانتينا" (بقالة يشتري منها الأسرى احتياجاتهم)، وتقليص "الفورة" (فترة الخروج إلى ساحة السجن)، وجميعها أسباب أدت إلى التصعيد داخل السجون.

فلسطين-فؤاد الخفش-مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى (مغلق بقرار إسرائيلي) (الجزيةر نت –تصوير سابق)
فؤاد الخفش: وسيلة رادعة ومستفزة ومجدية في الرد على الانتهاكات الخطيرة بحق الأسرى (الجزيرة نت)

لماذا حرق الغرف؟

السؤال هنا: لماذا يلجأ الأسرى الفلسطينيون إلى حرق غرفهم أو خيامهم أو زنازينهم في السجون الإسرائيلية؟

الجواب: إنها وسيلة رادعة ومستفزة ومجدية في الرد على الانتهاكات الخطيرة بحقهم، وفق الباحث فؤاد الخفش مدير مركز "أحرار لدراسات الأسرى" المغلق بقرار إسرائيلي.

ويضيف الخفش أن لدى الأسرى داخل السجون أشكالا مختلفة للمقاومة وخطوات احتجاجية ردا على انتهاكات وممارسات مصلحة السجون.

ويوضح أن للخطوات تصنيفات تعتمد على خطورة ما يتعرضون له، فالانتهاكات اليومية البسيطة يرد الأسرى عليها بإرجاع وجبات الطعام ورفض الوقوف عند موعد عدهم اليومي.

أما الانتهاكات الكبيرة كعزل الأسرى أو تصاعد الاعتقال الإداري فيكون الرد عليها بالإضراب الطويل عن الطعام.

لكن عندما يكون الانتهاك "خطيرا" ويتجاوز الخطوط الحمراء وتريد الحركة الأسيرة إيصال رسائل احتجاج صارمة لإدارات السجون يلجأ الأسرى لخيارات، منها: حل التنظيم (لجنة تمثل أسرى كل فصيل فلسطيني كأسرى حماس وأسرى فتح..)، و"بعدها لا أحد يكون مسؤولا عن أي أسير".

ويسبب حل التنظيم إرباكا لإدارات السجون، وقد يدفع أي أسير للقيام بأي عمل، وهذا ما جرى في سجن جلبوع حين رشق الأسير مالك حامد أحد السجانين بالماء الساخن الثلاثاء الماضي.

الخيار الآخر في حال تصاعدت الانتهاكات -يقول الخفش- "حرق الغرف بما فيها وعلى من فيها، وهذا يستفز إدارات السجون، وهو شكل من أشكال الاحتجاج المتقدمة".

ويلجأ إليه الأسرى إذا حدث تجاوز يتعلق بكرامتهم كما حدث في الأيام الأخيرة لدى محاولة إدارات السجون الانتقام من أسرى حركة الجهاد الإسلامي وتقسيمهم فرادى على باقي غرف الأسرى بعد أن نجحت مجموعة منهم بالهرب.

ويقول الباحث الخفش إن سلطات السجون تحدد عقوبات للأسرى في مثل هذه الحالات، لكنهم في المقابل يخضِعون إدارات السجون لمطالبهم.

وقدّر عدد الأسرى الفلسطينيين نهاية أغسطس/آب الماضي بنحو 4650 أسيرا، يقبعون في 23 سجنا ومركز توقيف وتحقيق إسرائيلي، بينهم 40 أسيرة، ونحو 200 قاصر، و520 معتقلا إداريا، وفق تقرير لنادي الأسير الفلسطيني.

المصدر : الجزيرة