الاعتقالات السياسية في تونس.. مكافحة للفساد أم تمهيد لدكتاتورية جديدة؟

قوات الأمن والجيش تراقب الوضع في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية (الأوروبية)

تونس- طالت توقيفات أمنية وتحقيقات قضائية في الأيام القليلة الماضية جملة من السياسيين وأعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) في تونس، وذلك في أعقاب القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد من أجل إنقاذ الدولة ومحاربة الفساد المستشري، وقد انتقد حقوقيون ومحللون سياسيون هذه الاعتقالات، وعبروا عن مخاوفهم من أن تشكل بداية لدكتاتورية جديدة في تونس بعد 10 سنوات من إطاحة ثورة شعبية بنظام زين العابدين بن علي.

وطالت الاعتقالات أعضاء في حزبي "حركة النهضة" و"قلب تونس" وفي جمعية "عيش تونسي"، وفُتحت تحقيقات معهم بشأن تمويل الحملات الانتخابية، كما أوقف الأمن عددا من البرلمانيين من أحزاب أخرى، ومن بينهم ياسين العياري عن حركة "أمل وعمل"، وفيصل التبيني عن "صوت الفلاحين"، ومحمد العفاس عن "ائتلاف الكرامة".

وقال القاضي السابق أحمد صواب في تصريح للجزيرة نت إن الاعتقالات الجارية هي "بداية لدكتاتورية جديدة، خاصة أن القضاء لم يحرك ساكنا حيال المس بالدستور وتعليق العمل به، وترؤس رئيس الجمهورية قيس سعيد النيابة العامة، وغياب وزارة العدل".

وأضاف صواب أن "هذا الضغط على القضاء ليس طبيعيا، وحصن القضاء يبقى هو المجلس الأعلى للقضاء وليس رئيس الجمهورية، ويجب على المجلس فرض علوية الدستور حسب ما يوجبه الفصل الثاني من القضاء، والتحرك في ما يخص الإقامة الجبرية المفروضة على القاضي البشير العكرمي، والتحركات غير المفهومة لقضاة التحقيق في هذا الظرف الاستثنائي".

بداية الدكتاتورية

بدوره، عبر رئيس الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان جمال مسلم عن رفضه التوقيفات "التي لا تحترم حقوق الإنسان"، وقال في تصريح للجزيرة نت "يجب أن تستجيب الإيقافات للمعايير الدولية، ونحن نؤكد أننا لن نسكت عند وجود انتهاكات، خاصة أن رئيس الجمهورية أكد على الحفاظ على الحريات العامة، لكن ليست هناك ضمانات 100% في ظل الأوضاع الحالية غير المفهومة".

وشدد مسلم على ضرورة أن يحاكم الموقوفون محاكمة مدنية عادلة، وأضاف "نحن نخاف من كل ما هو كيدي بغض النظر عن صاحب القضية والتهمة الموجهة إليه، إذ يجب احترام مقتضيات الفصل الخامس (من قانون الإجراءات الجزائية) في الإيقاف والاعتقال، وقد نددنا بتلك المداهمات مؤخرا لأنها وصلت حد الاعتداءات على الحرمة الجسدية".

من جهة أخرى، وصف القيادي في حركة النهضة محمد بن سالم الوضع الحالي بالخطير وبالمخالفة الصارخة للقانون، وقال إن "هناك مؤشرات سيئة لبداية دكتاتورية جديدة خلافا لما يدعيه الرئيس في ما يخص الحفاظ على الحريات".

انتقام سياسي

من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي بولبابة سالم أن اعتقال المتهمين جائز، لكن هناك أولوية اليوم"، وقال "نتمنى أن يبدأ الرئيس بالحيتان الكبيرة للفساد، خاصة رجال الأعمال الذي تحدث عنهم في تقرير، وهم أكثر من 460 رجل أعمال".

وأضاف سالم في حديثه للجزيرة نت "عندما يستهدف طرف بعينه في الإيقافات فإنه يعتبر انتقاما سياسيا، لكن عندما تكون شاملة فإننا لسنا ضد مكافحة الفساد، ومع ذلك نحن ضد ترهيب الآمنين وترويعهم والمحاكمات العسكرية للمدنيين، والإيقافات الليلية مرفوضة، فنحن في دولة مدنية".

ونشرت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" -التي تضم مئات المحامين التونسيين- أمس الاثنين بيانا نددت فيه بضرورة الحفاظ على الحريات واحترام الشرعية.

وقالت المحامية إسلام حمزة الناطقة باسم المجموعة في تصريح للجزيرة نت إنها وثلة من زملائها أسسوا المجموعة لحماية الحقوق والحريات، ورصد الانتهاكات والتجاوزات، والتصدي لها قانونيا.

وأضافت أن هدف المجموعة الأساسي هو العودة إلى الشرعية والدستور، لكن الانتهاكات والإيقافات والمداهمات الليلية الأخيرة حتمت عليهم التحرك بسرعة، وجعل الحفاظ على الحريات والحقوق أولوية.

يشار إلى أن الرئيس قيس سعيد أعلن في 25 يوليو/تموز الماضي حل الحكومة وتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما استنادا إلى الفصل 80 من الدستور، كما تولى رئاسة النيابة العامة، وأصدر قرارا برفع الحصانة عن أعضاء البرلمان تمهيدا لمحاكمة عدد من المشتبه بهم في قضايا عدة.

المصدر : الجزيرة