أفغانستان.. كيف يتشكل النظام السياسي بعد وصول طالبان إلى السلطة؟

Daily life views from Herat city after Taliban takeover of Afghanistan
داخل حركة طالبان توجد تصورات عدة بشأن طريقة الحكم (الأناضول)

كابل – مضى أسبوع منذ دخول مقاتلي طالبان العاصمة كابل وانهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، لكن الحركة لم تعلن بعد للشعب الأفغاني بشكل مباشر خطتها لتشكيل حكومة جديدة وملامح النظام السياسي المقبل.

ومع سيطرة الحركة على سائر أنحاء البلاد ودخولها العاصمة في 15 أغسطس/آب الجاري، توقفت عملية التفاوض بينها وبين حكومة الرئيس أشرف غني الذي غادر البلاد واستقر في أبو ظبي عاصمة الإمارات، بالرغم من إعلانه قبيل ذلك أنه سيسلم السلطة إلى جهة تتوافق عليها حكومته مع طالبان.

أما طالبان فقد أرسلت رئيس مكتبها السياسي الملا عبد الغني برادر إلى ولاية قندهار جنوبي البلاد ومنها إلى العاصمة كابل، حيث يجري مشاورات موسعة بشأن تشكيل الحكومة المقبلة.

وقال رئيس لجنة المصالحة الأفغانية عبد الله عبد الله إنه والرئيس السابق حامد كرزاي أجريا محادثات مفصلة مع حركة طالبان متعلقة بالمفاوضات والنظام السياسي.

مفاوضات الدوحة

وردا على تساؤلات بشأن مصير المفاوضات، قال مصدر قريب من غني للجزيرة نت إن فرار الرئيس كان "ضربة قوية للعملية التي بدأت في الدوحة في مسارين: المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، والمفاوضات الأفغانية بين الحكومة وطالبان".

ورأى هذا المصدر أن مغادرة غني "أحدثت أزمة دستورية في البلاد، حيث لم يقدم استقالته وفر إلى أبو ظبي".

وأضاف أنه كان هناك إجماع وتأكيدات من المجتمع الدولي والقوات الأجنبية وحتى من حركة طالبان أنها لن تدخل العاصمة بالقوة، وأنها ستنتظر نقل السلطة إلى جهة تحظى بتوافق أطياف المجتمع الأفغاني.

Afghan peace settlement meeting in Moscow
الملا عبد الغني برادر (وسط) رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان (الأناضول-أرشيف)

وكانت طالبان أعلنت أن قرارها دخول العاصمة جاء لحفظ الأمن بعد حدوث فراغ بسبب انهيار حكومة غني وفرار قياداتها خارج البلاد. وقبل ذلك كانت قد أمرت مقاتليها بالوقوف عند تخوم كابل دون دخولها.

رهان خاسر

وكان غني يتوقع، وكذلك تقارير المخابرات الأميركية، أن تصمد القوات الحكومية 6 أشهر أمام مقاتلي طالبان، وأن تتراجع حدة الحرب والقتال عندما يحل الشتاء، وحينها تتنازل الحركة -وفق هذه التوقعات- عن بعض مطالبها، ويكون من السهل التوافق على أمور كثيرة من أهمها وقف إطلاق النار وخفض العنف.

غير أن سيطرة طالبان على الولايات أثبتت أن تقديرات غني والمخابرات الأميركية لم تكن دقيقة، إذ تمكنت الحركة من السيطرة على سائر مناطق أفغانستان دون أن يحدث تقدم ملموس على طاولة المفاوضات.

ويقول الأستاذ في جامعة كابل أسد وحيدي إن غني "كان يعول على عامل الزمن في المفاوضات مع حركة طالبان وكان يعتقد أن حلول الشتاء سيزيد في عمر حكومته الهشة والضعيفة وتستغل هذه الفترة لتجهيز وإعداد قواته".

وأضاف "خفي على أشرف غني أن جيشه يعاني من تراجع في عملية التجنيد وعدده، حيث يخسر يوميا وحسب تقارير رسمية بين 30 و75 جنديا في المعارك مع طالبان. وصول طالبان إلى السلطة قبل الشتاء خلط أوراقا كثيرة على مستوى المنطقة والعالم، حتى قسم من طالبان لم يكن يريد السيطرة على العاصمة بهذه الطريقة".

النظام السياسي المقبل

والآن وقد بسطت طالبان سيطرتها، يترقب المعنيون في الداخل والخارج أي تفاصيل عن النظام السياسي الذي ستحكم به البلاد بعد تغيرات جذرية جراء وجود القوات الأميركية والأجنبية على مدى 20 عاما.

ولم يعلن قادة طالبان بعد بشكل واضح إن كانت الحركة ستعيد إعلان الإمارة الإسلامية على غرار حكمها السابق الذي سقط عام 2001 إثر الغزو الأميركي، أم إنها ستسعى لتشكيل حكومة موسعة تضم قوى سياسية في البلاد.

يقول الكاتب والباحث السياسي عبد الجبار بهير "هناك تياران في المكتب السياسي لطالبان. يريد التيار الأول تشكيل حكومة مؤقتة لمدة لا تتجاوز سنة ونصف السنة، وستكون مهمتها الأساسية تهيئة الظروف لإجراء انتخابات لاختيار زعيم يحصل على شرعيته من الصندوق، وتعيين لجنة لتعديل الدستور الوطني".

ورأى أن "هذا الحل يريده المجتمع الدولي والأفغان، ولن تواجه أفغانستان العزلة الدولية وستحظى باحترام الجميع وتحصل على المساعدات والاستثمارات الأجنبية، ولا أحد ينكر دور هذه الأمور في تنمية البلاد".

وأضاف أن هناك تيارا آخر في المكتب السياسي يتحدث عن تشكيل حكومة ائتلافية يجري اختيار أعضائها من قبل طالبان فقط.

المعارضون في بنجشير

من جهة أخرى، يقول عضو في طالبان للجزيرة نت ردا على سؤال بشأن خطة الحركة لتشكيل النظام السياسي الجديد "الوقت ما زال مبكرا، حيث إن معظم معارضي طالبان وبعض المسؤولين لجؤوا إلى ولاية بنجشير (شمال شرق) وهم يمثلون شريحة واسعة من الحكومة حيث أعلن أمر الله صالح (نائب غني) نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد".

وأضاف أن طالبان لا تريد إعلان حكومة حتى تحل هذه المشكلة لأنها لا تريد أن يكون في البلاد نظامان، وقال إن الحركة تنتظر تسلم السلطة بصورة سلمية من الجانب الحكومي "وهذا لم يتم حتى الآن".

وتابع "حركة طالبان قالت لرئيس لجنة المصالحة الأفغانية عبد الله عبد الله ستشاركون معنا في السلطة ولكن لا يمكن أن نضع لكم نسبة محددة".

وأشار المصدر نفسه إلى أن طالبان تفكر في إحداث منصب رئيس الوزراء لتقاسم السلطة والصلاحيات.

يقول الدكتور نصر الله ستانكزي الأستاذ في جامعة كابل إنه سيكون من الصعب على طالبان إحداث منصب رئيس الوزراء لأن الدستور ينص على نظام رئاسي لا برلماني، وآلية تعديل الدستور شاقة وطويلة والظروف الحالية ليست مواتية لذلك".

ورأى أن على طالبان أن "تتوافق مع الأطراف السياسية ضمن هذا الدستور وعندما تهدأ الأمور ويحصل المجتمع الدولي على ضمانات أن الحركة لا تريد الاستحواذ على السلطة، حينها يمكنها تعديل الدستور حسب الآلية التي جاءت في الدستور".

ويضيف "في حال استحواذ طالبان على السلطة ستواجه تحذيرات أممية وستكون هناك عزلة دولية كما كانت أيام حكومتها تسعينيات القرن الماضي، وأعتقد أن الحركة تعي ذلك جيدا".

المصدر : الجزيرة