تبعات اقتصادية وتداعيات سياسية.. إيران في مواجهة موجة لجوء ثالثة من أفغانستان

عائلة أفغانية لاجئة في مدينة شهر راي الإيرانية جنوب طهران (الأوروبية-ارشيف)

طهران مع تصاعد الحرب الدائرة في أفغانستان وتقدم حركة طالبان في أجزاء مختلفة من البلاد، اندفعت موجة جديدة من اللاجئين الأفغان إلى المناطق الداخلية وإلى دول مجاورة.

وكانت إيران واحدة من البلدان المستقطبة للاجئين الأفغان في العقود الماضية، حيث يبلغ طول الحدود المشتركة بين البلدين حوالي ألف كيلومتر (945 كيلومترا)، وذلك بالإضافة إلى القواسم المشتركة اللغوية والتاريخية والثقافية والعرقية بينهما، فضلاً عن توفير المرافق التعليمية والصحية وفرص العمل للمهاجرين في إيران.

وبينما أعلن حسين ذو الفقاري، نائب وزير الداخلية لشؤون الأمنية في العام الماضي عن وجود ما يقرب من 3 ملايين أفغاني في إيران، نقلت وكالة أنباء إرنا الرسمية عن نور الرحمن أخلاقي الوزير المكلف باللاجئين بجمهورية أفغانستان بوجود 2.5 مليون لاجئ أفغاني في جمهورية إيران الإسلامية.

الموجات الثلاث

استضافت إيران موجات من اللاجئين الأفغان خلال العقود الخمسة الماضية.

وتزامن التدفق الأول للاجئين الأفغان إلى إيران مع الثورة الإسلامية والغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979.

أما الموجة الثانية التي حدثت في الغالب لأسباب اقتصادية، فكانت في تسعينيات القرن الماضي (1990-2000)، في حين بدأت البلاد تشهد موجة لجوء ثالثة مع اشتداد المعارك وتقدم طالبان في أفغانستان.

وفرض وصول اللاجئين الأفغان الجدد إلى إيران إضافة إلى وجود نحو 3 ملايين منهم، ضغوطا كبيرة على البلاد، في حين تعاني إيران من العقوبات الأميركية وأوضاع اقتصادية صعبة وكذلك تفشي فيروس كورونا والجفاف والمشاكل البيئية.

ويعتقد الخبير في شؤون غرب آسيا وشبه القارة الهندية بيرمحمد ملازهي، أنه نظرا لوجود حدود طويلة بين إيران وأفغانستان، فمن الصعب للغاية منع دخول اللاجئين الأفغان الجدد، كما أن قدرة البلاد على قبول المزيد من اللاجئين الأفغان محدودة.

عواقب سياسية

وذكر ملازهي في حديثه للجزيرة نت، أنه بالنظر إلى أن القبائل التي تعيش على مناطق حدودية بين البلدين، لها قرابات وعلاقات عرقية وثقافية مع بعضها، فقد تواجه الحكومة الإيرانية إشكالات وتداعيات سياسية مع سكان تلك المناطق، إذا أرادت الحكومة منع دخول اللاجئين إليها.

وأضاق ملازهي إذا لم تمنع الحكومة الإيرانية دخول اللاجئين، فسوف يلجؤون إلى أقربائهم ولا تستطيع الحكومة بعد ذلك تحديد ما إذا كانوا أفغانا أم إيرانيين (لأن آلاف السكان في جنوب شرق إيران ولا سيما في محافظة بلوشستان الإيرانية، ليست بحوزتهم بطاقات هوية).

الوضع الاقتصادي

ويأتي تدفق المهاجرين الأفغان الجدد إلى إيران في وقت غادر فيه العديد من الأفغان إيران العام الماضي، بسبب الوضع الاقتصادي الحالي في إيران وانخفاض قيمة الريال الإيراني.

وتسببت التصريحات الأخيرة لمحسن إبراهيمي مدير عام توظيف الأجانب في وزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية -التي قال فيها إن المواطنين الأفغان الحاملين لجوازات سفر، والمتعلمين وخريجي كلية الطب، والأسر التي تعولها سيدات، يمكنهم الحصول على تصاريح عمل- في قلق عدد كبير من الإيرانيين العاطلين عن العمل الذين يبلغ عددهم حوالي مليونين.

وتوقعت صحيفة "آرمان ملي" اليومية أن تبلغ تكلفة تعليم الطلاب المهاجرين في إيران حوالي 300 مليون دولار سنويا، فضلا عن وجود تكاليف باهظة أخرى متعلقة بالصحة والأمن والبنى التحتية والاجتماعية.

وفي المقابل، يرى المحلل الاقتصادي الدكتور حسين راغفر أن وجود اللاجئين مفيد للاقتصاد الإيراني، وكانت التجربة السابقة للقوى العاملة الأفغانية في إيران ناجحة، لأنها تعمل بجد وفي الوقت نفسه، خفّضت تكاليف الإنتاج في العديد من المجالات.

وأردف راغفر في حديثه للجزيرة نت أن الاقتصاد الإيراني هو اقتصاد قادر على جذب المزيد من القوى العاملة، لكن "الخطط الاقتصادية الخاطئة في العقود الثلاثة الماضية منعتنا من استثمار هذه القدرة البشرية بشكل جيد".

كورونا ومنح الجنسية

وكتبت صحيفة "آرمان ملي" أنه مع زيادة عدد اللاجئين الأفغان، ستتضرر البلد من ناحيتين إحداهما تتعلق بتفشي فيروس كورونا، وقد يشكل عدم وجود رقابة على الحدود تحديا كبيرا للسلطات.

أما الناحية الثانية فتتعلق ببعض الإشكالات القانونية المتأتية من زواج الإيرانيات من أجانب، وما يترتب على ذلك من وجود أطفال دون بطاقات هوية في البلاد، وهي من الإشكالات التي تناولها قانون صدر العام الماضي.

وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن الامتياز الذي يتمتع به الرجل الأجنبي بعد الزواج من إيرانية هو إمكانية الحصول على الإقامة، وممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية، وهو ما من شأنه أن يزيد من ظاهرة إقبال اللاجئين على الزواج من إيرانيات.

ما الحل؟

ويبدو أن العديد من جيران أفغانستان مثل أوزبكستان وطاجيكستان وباكستان، لديهم قواعد أكثر صرامة في مواجهة طالبي اللجوء. كما أن الدول الأوروبية أيضا تمنع دخول طالبي اللجوء الجدد.

وبدأت تركيا بالفعل بناء جدار حدودي بطول 63 كيلومترا وحفر خندق بطول 110 كيلومترات على حدودها مع إيران لمنع المهاجرين غير النظاميين من الدخول إليها.

وبينما يعيش أقل من 3% من اللاجئين الأجانب في مخيمات، و97% مع الإيرانيين حسب الإحصائيات الموجودة، ويخشى البعض من تفاقم أزمة اللجوء مع تصاعد المعارك في الوقت الحالي، يبدو أن الحل الوحيد لأزمة اللاجئين هو إيجاد طريقة لتحقيق السلام في أفغانستان.

المصدر : الجزيرة