حراك دبلوماسي واسع.. ما العقبات أمام المساعي العربية والدولية لمنع "الارتطام الكبير" في لبنان؟

Qatari foreign minister Sheikh Mohammed bin Abdulrahman Al-Thani, meets with Lebanese Prime Minister-designate Saad al-Hariri in Beirut
رئيس الحكومة اللبنانية المكلف الحريري (يمين) يستقبل وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن (رويترز)

بيروت – يعود لبنان إلى واجهة الاهتمام العربي والدولي مع توالي التحذيرات من اقتراب لحظة "الارتطام الكبير" إثر بلوغ الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية ذروة غير معهودة بتاريخ البلاد، مما وضع اللبنانيين على "شفير الكارثة" وفق تعبير رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.

وبعد مضي نحو 9 أشهر على تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة من دون أن ينجح بمهمته التي اندرجت تحت غطاء المبادرة الفرنسية نتيجة تعاظم الخلافات بينه وبين رئيس الجهورية ميشال عون، حذر دياب أمام مجموعة من السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية مما أسماه "زوال لبنان" داعيا للإسراع في تشكيل الحكومة.

الزيارة القطرية

وفيما بدت تصريحات دياب الجرس الأخير للإنذار، وصل وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بيروت، أمس الثلاثاء، والتقى كلا من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلف الحريري، إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، تأكيدا على تضامن الدوحة مع اللبنانيين ودعم هذا البلد في محنته، كما أعلنت وكالة الأنباء القطرية عقب لقاء وزير الخارجية بقائد جيش لبنان ليلا، وعن دعم قطر الجيش اللبناني بـ 70 طنا من المواد الغذائية شهريا لمدة عام.

وفي غضون أقل من عام، زار الشيخ محمد بن عبد الرحمن بيروت 3 مرات، أولها كان عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب من العام الماضي، وفي فبراير/شباط من العام الحالي حاملا حينها رسالة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعت القوى السياسية إلى تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية، وضرورة تشكيل حكومة.

وعقب لقائه، رحب عون بزيارة الشيخ محمد بن عبد الرحمن، وقد نقل بيان الرئاسة عن الوزير القطري استعداد بلاده لمساعدة لبنان بحل أزمته.

وأضاف البيان تأكيد عون لزائره أن "أي خطوة تقوم بها قطر للمساعدة في حل أزمة لبنان، موضع ترحيب وتقدير من اللبنانيين".

وقد ترقبت الساحة السياسية زيارة وزير الخارجية القطري، خاصة وأن الدوحة سبق أن لعبت تاريخيا أدوارا بارزة بلبنان، وكان أهمها ما يعرف بـ "اتفاق الدوحة" (عام 2008) الذي توصلت عبره الأطراف اللبنانية إلى طي صفحة من الأزمات السياسية والطائفية كادت أن تدفع البلد نحو الحرب الأهلية.

وفي وقت يغادر الوزير القطري بيروت دون الإدلاء بتصريح للإعلام، يرى مراقبون أن الحراك الدبلوماسي العربي والغربي، على مستوى الزيارات واللقاءات الخارجية، يصبّ معظمها باتجاه منع سقوط لبنان في شباك الفوضى الشاملة، لما لذلك من تداعيات إقليمية تفاقم الاحتقان والصراعات بالمنطقة.

ويتفق المحللون على أن نجاح أي مبادرة خارجية مقرون بشرط واضح ومبدئي، وهو تشكيل حكومة جديدة تتبنى المشاريع الإصلاحية لتفاوض صندوق النقد الدولي، وتضع لبنان على سكة الإنقاذ، وهو ما يفسر ردود الفعل الاستنكارية للسفراء الأجانب لتصريحات دياب أمامهم، على قاعدة أن كل الطبقة السياسية ساهمت في إغراق لبنان.

وهنا، يضع الكاتب والمحلل السياسي، علي شكر، الاهتمام العربي والدولي في إطار الخشية من الأوضاع الأمنية في لبنان والتي تتجلى بوادرها بتدافع الطوابير عند محطات الوقود، وبعد أن صار الأمن الصحي والغذائي للمواطنين في خطر، إثر خسارة العملة الوطنية (الليرة) 95% من قيمتها، وبعد أن طال الفقر أكثر من 75% من اللبنانيين، وفق آخر تقرير صادر عن اليونيسيف قبل أيام.

ويعتبر شكر -في حديث للجزيرة نت- أن زيارة وزير الخارجية القطري أكدت على استمرار دعم لبنان راهنا، إلى أن ينضج إطار الحل البنيوي للأزمة المستفحلة.

من جهته، يذكر الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية أن قطر سعت مؤخرا لمساندة لبنان على المستوى الإنساني، وبمشاريع تربوية، ويرى أن اللافت كان لقاء قائد الجيش، وتخصيص الدوحة المساعدة للجيش، في ظل الاهتمام الدولي بالمؤسسة العسكرية، باعتبارها آخر المؤسسات الضامنة، ولو مرحليا، لمنع دخول لبنان نفق الفوضى الشاملة واشتعال الصراعات بالشارع.

ويشير قمورية للجزيرة نت إلى أن اتساع المشاورات العربية والدولية لن يحل الأزمة في لبنان من دون إرادة سياسية داخلية، وهو ما جعل الجهات الخارجية تميز بين السلطة السياسية وبعض المؤسسات الأخرى كالجيش والشعب، انطلاقا من التركيز على عاملين: الأول دعم المؤسسات الأمنية توفيرا للاستقرار، والثاني دعم القطاعين التربوي والصحي بالحد الأدنى أيضا توفيرا لشبكة الأمان الاجتماعية.

عقبات الحراك الدبلوماسي

وقبل أسبوع، خصص فرانشيسكو بابا الفاتيكان في روما يوما كاملا للتشاور مع قادة الكنائس المسيحية اللبنانية، تزامنا مع اجتماع ثلاثي عقد بين وزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية تناولوا بحث الملف اللبناني.

كما زار بيروت منتصف يونيو/حزيران وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وسبقها أيضا زيارات وزراء خارجية عرب وأجانب، ناهيك عن استقبال روسيا مؤخرا وفودا لبنانية، مما يطرح التساؤلات عن سبب عدم الوصول لتسوية ما.

ومنذ حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وفق شكر، يعيش لبنان حالة مراوحة تتفاقم نحو الأسوأ خصوصا بعد انفجار المرفأ، مما جعل المجتمع الدولي يخسر رهانه على الطبقة السياسية التي أثبتت عدم كفاءتها بإدارة تداعيات الأزمة، لا بل ساهمت بتفاقمها و"صار الحراك الدولي يصب نحو الدفع لتشكيل حكومة، كمطلب دولي، لأن التركيبة الحالية غير قادرة على تقديم أي انجاز".

ويرى قمورية أن المجتمعين العربي والدولي يسعيان لتخفيف حدة "الارتطام الكبير" منعا لتكرار السيناريو السوري بسياق مختلف، خصوصا أن المؤشرات توحي بصعوبة ولادة الحكومة، فقد "أصبح توفير أرضية لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية المقبلة عام 2022، الرئاسية والبرلمانية، أولوية دولية، علّها تحدث تغييرا بالمشهد اللبناني المعقد".

ويقول "فتح الصراع باكرا على الانتخابات الرئاسية، وصراع المواقع والصلاحيات وتركيبة اتفاق الطائف، دفع لبنان إلى لعبة الاصطفافات الطائفية والسياسية".

فشل المبادرة الفرنسية

بالموازاة، يرى جوزيف باحوط، الأكاديمي ومدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأميركية في بيروت، أنه بعد فشل مساعي إنجاح المبادرة الفرنسية التي قدمها الرئيس إيمانويل ماكرون. وبعد أن خسر لبنان زخم الاهتمام الدولي، وتحديدا مرحلة انتقال السلطة الأميركية بين إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن في يناير/كانون الثاني 2021، عادت الحرارة العربية والغربية إليه دون أن تعني تدويل الملف اللبناني في إطار جامع ومتكامل، خصوصا أن لكل مبادرة أو حراك رؤيته المنفصلة.

ويبدو أن المبادرة الفرنسية بلغت طريقا مسدودا، وفق حديث الأكاديمي للجزيرة نت، بعد استنزاف مضمونها "مما يجعل اعتذار الحريري المحتمل عن تأليف الحكومة رصاصة الرحمة عليها".

ويجد باحوط أن تحرك روسيا ينطلق من اهتمامها بتوفير هامش حماية لوجودها في سوريا، لأنها تخشى من تأثير انفجار الوضع اللبناني عليها.

أميركيا، يُذكر مدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بدعوات الدبلوماسيين الأميركيين لتحمل القوى السياسية مسؤولياتها، وألا ينتظر اللبنانيون الحلول من الخارج.

أوروبيا، يرجح باحوط استحالة توافق 27 دولة من دول الاتحاد على سياسة موحدة تجاه لبنان، لأن لكل منها مصالح مختلفة حياله، رغم تلويح بوريل الأخير بالعقوبات في حال لم تتشكل الحكومة.

ومع ذلك، يرى الأكاديمي بالجامعة الأميركية أنه رغم أن الاهتمام العربي والدولي أعاد الحرارة للملف اللبناني، مما يشكل ضغطا على القوى السياسية بتسليط الضوء على سوء أدائها، لكنه لن تنقذ لبنان من قعر الانهيار.

وبرأي باحوط، فإن المطلوب من لبنان راهنا ليس إصلاحا شاملا، بل تشكيل حكومة فقط، مما يتطلب التخلي عن العناد الشخصي بين فريقي عون والحريري، وليونة من قبل بري، وضغط من حزب الله على حلفائه "لأن عمق الأزمة لا يرتبط فقط بالصراعات الإقليمية والمفاوضات الأميركية الإيرانية، وإنما بالداخل، وما دونه ستبقى العقبات تترصد كل حراك خارجي تجاه لبنان الذي قد تستفحل أزمته الأسابيع والأشهر المقبلة، مما يجعله بؤرة عدم استقرار أمني في المنطقة".

المصدر : الجزيرة