اتفاق الانسحاب الأميركي.. استجابة للضغط العراقي أم لدخول الصين على خط المنافسة؟

الكاظمي وبايدن اتفقا على أن يتحول دور القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق من القتال إلى المهمات التدريبية والاستشارية والمساندة

A U.S. soldier runs at a coalition forces forward base near West Mosul, Iraq June 21, 2017, where Iraqi security forces are fighting Islamic State.     REUTERS/Marius Bosch
قوات أميركية أثناء مهمة سابقة في العراق (رويترز)

أربيل- مع استمرار سعي الولايات المتحدة وإيران لكسب صراعهما في العراق اتفق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لواشنطن على إنهاء وجود القوات القتالية الأميركية على الأراضي العراقية بنهاية العام الجاري. 

ويعود إنهاء هذا الوجود إلى اتفاقية إستراتيجية بين البلدين عقدت في عام 2008 وتم تنفيذها في 2011، قبل أن تطلب بغداد عام 2014 عودة القوات الأميركية بعد اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية مناطق شاسعة من شمال وشمال غربي العراق، لتستمر منذ ذلك الحين المناورات بين الفصائل المسلحة المدعومة من إيران مع القوات الأميركية داخل الأراضي العراقية.

ومن بنود الاتفاق الجديد الذي أبرمه الكاظمي وبايدن أن يتحول دور القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق من القتال إلى المهمات التدريبية والاستشارية والمساندة على مختلف الأصعدة المتعلقة بتدريب القوات العراقية ومكافحة الإرهاب.

رعد قاسم العزاوي الجزيرة
العزاوي: التغلغل الأجنبي بحاجة إلى إعادة ترتيب دبلوماسي باستخدام أوراق الضغط التي يمتلكها العراق (الجزيرة)

القوة الناعمة

وبعيدا عن التحقيق والإنجاز، هناك أسئلة واستفهامات كثيرة تحوم حول قرار الانسحاب، أبرزها: هل سيُحسب نجاحه لما تعرف بجبهة المقاومة المدعومة إيرانيا من خلال استهدافها المستمر للمصالح الأميركية داخل العراق أم لطرف المفاوض العراقي والدبلوماسية العراقية بعد أن فشلت لسنوات عدة في ذلك؟ وما احتمال أن يُستغل ذلك ويوظف سياسيا لصالح بعض الأطراف في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟

قبل الحديث عن مخرجات هذا الحوار من الضروري التمييز بين اتفاقيتين، الأولى تتعلق بالانسحاب، والأخرى بالتعاون ضمن الإطار الإستراتيجي في الأطر الأمنية والسياسية والثقافية والاقتصادية بين حكومتي بغداد وواشنطن الموقع بينهما عام 2008، وعموما إن الانسحاب معناه ترتيب الوجود والحضور للمواقع العسكرية الأميركية في العالم وتعدادها ألف قاعدة، كما يقول المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الدكتور رعد قاسم العزاوي.

موضوع الاتفاق على تحديد فترة الانسحاب لا يتعلق في جوهره بقوة العامل الداخلي العراقي، ويكاد يكون غير مؤثر أبدا بالنسبة لما تسمى فصائل المقاومة أو الحكومة العراقية، وإنما يتعلق الأمر -حسب العزاوي- بتلك المتغيرات السريعة التي ظهرت على الساحة الدولية بدخول الصين في تحالفها مع إيران وروسيا ضمن ما تسمى القوة الناعمة وطريق الحرير.

ويقول العزاوي للجزيرة نت إن واشنطن تسعى لرفع القوة الظاهرية القتالية إلى الأردن وإحلال قوة فضائية عالية التقنية مكانها بحيث يمكن لغرفة واحدة من الأجهزة التقنية في غربي العراق أن تدير شبكة كاملة من المقذوفات الصاروخية والقنابل الذكية باستخدام ما تسمى الأسلحة التي لا تنام وجيش بدون بشر، مشيرا إلى أن أميركا تريد استخدام طريقة أخرى لإدارة القوة في العراق لمواجهة التغلغل الصيني عبر طريق الحرير.

وللمشرق العربي -والعراق خصوصا- مكانة مهمة، فإذا تمكنت أميركا وحلفاؤها من تثبيت وجودها فيه فستقطع بذلك الطريق عما تسمى الاتفاقية الصينية الخاصة بطريق الحرير، وإذا حصل العكس ونجحت الصين وحلفاؤها بالتغلغل وتحقيق إستراتيجيتها فستنتزع بذلك -كما يؤكد العزاوي- الصدارة في النظام الدولي العالمي والاقتصادي من أميركا.

ويشكك العزاوي بقدرة ما تعرف بفصائل المقاومة الموالية لطهران على خوض حرب ضد جميع أنواع التغلغل الأجنبي داخل العراق، ويؤكد أن الموضوع بحاجة الى إعادة ترتيب دبلوماسي باستخدام أوراق الضغط التي يمتلكها العراق فقط.

دور تكاملي

وعلى عكس العزاوي يرى المحلل السياسي العراقي محمد البصري أن ما وصفها بإرادة الشعب المقاوم اجتمعت في دور تكاملي مع إرادة المفاوض والدبلوماسية العراقية، ونتجت عن ذلك مخرجات الحوار الإستراتيجي المتضمن إخراج القوات الأجنبية من البلاد.

ويرى أن الدبلوماسية كان لا بد أن تتحرك لتقطع الطريق على مبررات ما يعرف بمحور فصائل المقاومة لاستهداف المصالح الأميركية.

وحسب البصري، فإن هذا الاستهداف أجبر واشنطن على الجلوس على طاولة الحوار، مستبعدا أن تكون هذه الخطوة مجرد دعاية انتخابية لبعض الأطراف السياسية، لأن قصف المصالح والأهداف الأميركية تصاعد بعد مقتل أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام الماضي.

ويتوقع البصري أن تستغل واشنطن شباك من يسمون المستشارين والتدريب للعودة مجددا من الباب أو البقاء كما حدث عام 2014 عندما استخدمت ذريعة محاربة تنظيم الدولة وعادت، واصفا قرار الانسحاب الأميركي من العراق بـ"الانتصار الكبير" لإرادة "المقاومة" والشعب معا.

المحلل السياسي علي البيدر الجزيرة
البيدر: انسحاب القوات القتالية الأميركية قد يكون جزءا من مناورة متفق عليها بين واشنطن والحكومة العراقية (الجزيرة)

تكتيك وقتي

من جهته، لدى المحلل السياسي علي البيدر رأي يبدو مثيرا ومختلفا تماما عما جاء به العزاوي والبصري بتوقعه أن يكون قرار الانسحاب جزءا من مناورة متفق عليها بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية لإقناع وامتصاص الضغط الحاصل عليهما من الفصائل والجماعات المسلحة، وإيهامها بأن هناك انسحابا لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية.

ومع ذلك، لا ينفي البيدر أن يكون ما تحقق هو فعلا انتصار للمجاميع والفصائل المسلحة الشيعية والتيارات السياسية المؤيدة لها أو التي تشرف عليها، وهذا ما يدفعه إلى التوقع بأن يُستغل انتخابيا في الانتخابات المقبلة.

وتحاول واشنطن وبغداد من خلال هذه المناورة استثمار عامل الوقت لتهدئة الأوضاع الحالية الشائكة لحين إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة تتعامل برؤية مختلفة تماما ربما تضرب كل ما تم الإعلان أو الاتفاق عليه بعرض الحائط بالانقضاض على تلك الجماعات، مستندا بذلك إلى أن الحكومة الجديدة ستتشكل قبل المدة المحددة لانسحاب القوات الأميركية القتالية وهي نهاية العام الحالي.

ويرى البيدر أن وجود القوات الأميركية في العراق غير مرهون أبدا بأمزجة الجماعات والفصائل المسلحة أو التيارات السياسية الرافضة لها ولا برغبات حكومية أو بإرادات أميركية، وإنما مرهون بما تحتمه الحاجة لذلك الوجود في المرحلة الحالية لحين اكتمال جاهزية القوات العراقية النظامية.

المصدر : الجزيرة