هل يهدد مقاتلو تيغراي أديس أبابا أو ينتهجون سياسة شد الأطراف؟

يؤدي توسيع المعركة إلى توقع عبور حتمي إلى الحدود مع السودان، وخاصة من المدنيين الفارين من القتال، حيث تجري الاستعدادات فعلا لإيوائهم بمراكز ببلدة حمداييت

The Wider Image: 'You don't belong': land dispute drives new exodus in Ethiopia's Tigray
القتال المستمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 يقود إلى نزوج جماعي في تيغراي (رويترز)

حالة من التعتيم تخيّم على المواجهات الشرسة قرب الحدود الفاصلة بين إقليمي تيغراي وأمهرة الإثيوبيَين من جهة، وكذلك على القتال داخل إقليم "العفر" شرقي تيغراي من جهة أخرى.

ويفتح التحركان على جبهتين الباب لتساؤلات حول نية "جبهة تحرير شعب تيغراي" التوجه إلى العاصمة أديس أبابا، أو اعتماد سياسة شد الأطراف وتوسيع ميدان المواجهة مع الجيش الإثيوبي.

على الأرض، دعا حاكم إقليم أمهرة جوجنيهو غيتاشقر، في مقابلة تلفزيونية مساء السبت، مَن يحمل السلاح من السكان، إلى التعبئة والاستعداد، "في إطار حملة للحفاظ على وجودهم"، كما وصفها. وعلى إثر ذلك، انطلق صباح الاثنين آلاف من سكان إقليمه، نحو بلدة دانشا القريبة من الحدود الفاصلة بين إقليمي أمهرة وتيغراي.

ونقل موقع الإقليم الرسمي تصريحات للحاكم المحلي العقيد ديميكي زيودو، أثناء حديثه لمئات المحتشدين وسط البلدة قائلا: "إننا يجب أن نموت جميعا من أجل بلدنا، لأننا نختار كرامتنا.."، داعيا من لا يستطيع التسلح، لتقديم الدعم النفسي والغذائي.

تجنبًا لهجمات خلفية

لكن مصادر داخل تيغراي أكدت للجزيرة نت، أن مقاتلي الجبهة سلكوا الطريق الشمالي الشرقي باتجاه الحدود بين أمهرة وتيغراي، ولم يسيروا عبر الطريق الغربي الذي يمر من "الحُمرة" على الحدود السودانية، وصولا إلى دانشا، حيث بوابة المرتفعات المؤدية إلى "قوندر" المدينة التاريخية لأمهرة، وبها القيادة الغربية للجيش الإثيوبي.

ويبدو أن "التيغراي" ذهبوا بالطريق الأصعب جغرافيا، لتجنب هجمات خلفية من قوات أمهرة المسيطرة داخل مدينة الحمرة. وكذلك تجنب حلفاء أديس أبابا الإريتريين، الذين أرسلوا قوات إلى مدينة أم حجر الإريترية القريبة.

لكن مع حالة الاستنفار في إقليم أمهرة، هل يريد "التيغراي" التقدم حقًا داخل أمهرة والسيطرة على القيادة الغربية في قوندر؟

المتحدث باسم جبهة تحرير التيغراي قيتاشو ريدا، قال لوكالة فرانس برس الأحد: "سنحرر كل شبر من أرض تيغراي". في إشارة إلى المنطقة المتنازع عليها بين إقليمه وإقليم أمهرة، والتي كانت تتبع لإقليم تيغراي حتى بداية النزاع المسلح. ويدعي سكان أمهرة أنها جزء من إقليمهم، وتم ضمها إلى تيغراي عقب قرار اعتماد الفدرالية وتقسيم البلاد إلى 9 أقاليم عام 1994.

ومع بداية النزاع في تيغراي (نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، سيطرت قوات أمهرة المعروفة باسم "فانو"، التي انخرطت بالجيش الفدرالي، في قتاله التيغراي، على هذه المناطق القريبة من الحدود السودانية.

ووقعت مواجهات بين المواطنين الذين حشدهم إقليم أمهرة وبين مقاتلي تيغراي. وقال قيتاشو ريدا، في تصريح نقله تلفزيون تيغراي: "هزمنا مجموعة من الفلاحين سيئي التدريب". بينما شدد حاكم إقليم أمهرة جنوجنيهو غيتاشقر على أن مقاتليه أوقفوا تقدم "التيغراي".

وفي حال وصل التيغراي إلى قوندر، فسيفصلهم عن العاصمة أديس أبابا حوالي 557 كيلومترا، لكن معظمها طرق جبلية. وفي حال تقدمهم سيكون القتال بأرض أمهرة، أي وسط مكون اجتماعي معادٍ لهم.

جبهة العفر

وفي الجبهة الأخرى، أكد المتحدث باسم إقليم "العفر" احمد كيولتا صباح الاثنين، أن قوات "جبهة تحرير شعب التيغراي"، التي عبرت الحدود بين الإقليمين، ما زالت تسيطر على عدد من البلدات في أورا وإيوا وغول.

كما أن حالة مماثلة لما يجري في أمهرة، باستنفار مواطني الإقليم للمشاركة في القتال، سبقت نداء غيتاشقر بيوم واحد. عندما قال رئيس إقليم عفر وول أربا، في مقابلة بثتها وسائل إعلام حكومية السبت: "يجب على كل أبناء عفر حماية أرضهم بأي وسيلة متاحة، إن كان بالبنادق أو العصي أو الحجارة".

وجاء امتداد المواجهات إلى العفر، بعد أن صار الإقليم المنفذ الوحيد لإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين في تيغراي، إثر تدمير جسرين على نهر تكازي الشهر الماضي، كانا يربطان غرب الإقليم بشرقه. ومن خلالهما كانت قوافل الأمم المتحدة تأتي من إقليم أمهرة. وتسببت المعارك في نزوح عشرات آلاف الأسر التي تقطعت بها السبل في مناطق صحراوية قاحلة.

وقال عبد القادر حسن، أحد مواطني الإقليم ويقيم في أديس أبابا، إن "التيغراي اعتمدوا سياسة القصف المدفعي المكثف، والذي لم يستثنِ أحدا. وهذا يدحض حجتهم في منع القوات القادمة من إقليم أروميا، التي استعانت بها الحكومة، من الدخول إلى إقليمهم".

لكن تصادقيان جبرامسكل أحد قادة التيغراي، أكد أن هدفهم لم يكن إيقاف دخول قوات من أروميا خاصة. وإنما "نريد السيطرة على طريق جيبوتي- أديس أبابا، ليس لخنق العاصمة، ولكن لنضمن وصول الإغاثة إلى إقليمنا".

مآلات الأوضاع

تشير التوقعات إلى أن "التيغراي" يسعون لسلوك الطريق القارّي للوصول إلى العاصمة، لكن يبدو أن الوصول إليها يفوق قدراتهم العسكرية حاليا. فعليهم أن يقطعوا كل إقليم العفر، كما أن هذا الطريق هو الشريان الرئيس للعاصمة، الذي يربطها بميناء جيبوتي، ومن الصعب أن تفرط الحكومة في تأمينه.

وفي حال سلك التيغراي هذا الطريق، فإنهم سيمرون بواحدة من أهم القواعد الجوية الإثيوبية في ديبرزيت (بفشتو)، ما سيعرض قواتهم لضربات سلاح الجو، وفي أراضٍ مكشوفة.

لكن المحلل السوداني المتخصص بشؤون هذه المنطقة أمير بابكر، يشير إلى احتمال أن يسعى "التيغراي" للدخول إلى إريتريا، حليفة رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد، عبر إقليم العفر.

وقال بابكر: "يُحتمل أن الجبهة تريد تمويه الطريق، والانطلاق داخل الأراضي الإريترية، وتنتقم من الرئيس أسياس أفورقي لمشاركته القتال إلى جانب حكومة أديس أبابا، ولا سيما أن حشد القوات الإريترية يركز على المنطقة الغربية القريبة من الحدود السودانية وحتى مثلث بادمي وزلمباسا".

لكن ضابطا سابقا في الجيش الإثيوبي شارك في الحرب الإثيوبية-الإريترية (1998- 2000)، ذهب في اتجاه آخر، وقدّر أن تحركات التيغراي نحو أمهرة وعفر تأتي ضمن "عملية شد أطراف وتوسيع ميدان المعركة".

وقال الضابط، الذي طلب أن يرمز له باسم تسفاي: "التيغراي يخوضون حرب عصابات، ويرهقون الجيش بتوسيع ميدان المواجهة وتشتيت جهوده في مناطق تفصل بينها مرتفعات تجعل تحريك الآليات والمدرعات أمرا صعبا، ويسهل اصطيادها بواسطة مجموعات قتالية صغيرة راجلة".

عبور حتمي للسودان

ويؤكد تسفاي أنه في حال تم فتح الجبهة الغربية بموازاة الحدود مع السودان، وسواء دخلت القوات الإريترية المحتشدة في أم حجر، أم قوات أمهرة في دانشا، فإن عبور الحدود إلى السودان سيكون حتميا، وخاصة للمدنيين الفارين من القتال.

وقال مسؤول بـ"معتمدية اللاجئين" في بلدة حمداييت على الجانب السوداني، للجزيرة نت: "جهزنا مركز استقبال يستوعب نحو 15 ألف شخص.. لأننا نتوقع وصول لاجئين من "الأمهرة" الذين يسكنون الحمرة، في حال اندلعت مواجهات فيها أو في المناطق القريبة منها".

المصدر : الجزيرة