خلافا لموقفها من سد النهضة.. سدود أيدت مصر إقامتها على نهر النيل

مع انهيار المفاوضات.. مشروع سد النهضة الإثيوبي يدخل عامه الـ10
أديس أبابا تواصل بناء سد النهضة وسط فشل المفاوضات مع القاهرة والخرطوم (الجزيرة)

القاهرة- يشكل سد النهضة -الذي توشك إثيوبيا على إتمام بنائه- خطرا وجوديا على البلاد، هكذا يبدو لسان حال الموقف المصري من السد كما يرد في تصريحات مسؤولين رسميين، غير أن موقف القاهرة يختلف تماما مع كثير من الموانع المائية التي تشيدها بلدان أفريقية أخرى، فهي لا تمانع، بل أيضا تشارك في بناء سدود عدة.

وشاركت القاهرة بالدعم المالي والفني في إنشاء سدود بالسودان وأوغندا وتنزانيا، وتحققت آخر الإسهامات في هذا المجال مع دولة جنوب السودان التي أعلنت مطلع الأسبوع الجاري عن خطة لتشييد سد على نهر النيل لتوفير الكهرباء والوقاية من خطر الفيضانات المدمرة.

وسرعان ما ظهرت المخاوف بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان جنوب السودان عن مشروعها الجديد، في ظل احتقان أزمة سد النهضة الإثيوبي، خاصة مع اقتراب بدء الملء الثاني لبحيرة السد خلال أيام قليلة.

طمأنة

لكن وزارة الموارد المائية والري المصرية واجهت هذه المخاوف بإصدار بيان طمأنة للمصريين، كشفت فيه عن بروتوكول للتعاون الفني مع جنوب السودان بمجال الموارد المائية، يتضمن مشروع إعداد دراسات جدوى إنشاء سد "واو" الذي يقع على النيل الأبيض الذي يلتقي مع النيل الأزرق بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم.

وأكد البيان أن الدراسات المتعلقة بالسد تم إعدادها من جانب خبراء المركز المصري لبحوث المياه وتم تسليمها لسلطات جنوب السودان في عام 2015. كما كشف عن إسناد أعمال التصميمات الخاصة بالمحطة الكهربائية وملحقاتها ودراسة الجدوى الاقتصادية إلى شركة تابعة لوزارة الكهرباء المصرية.

ومن المنتظر أن تستقبل القاهرة -في أوائل يوليو/تموز المقبل- وفدا رفيع المستوى برئاسة جيمس واني إيغا نائب رئيس جنوب السودان؛ لبحث سبل تفعيل مذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين البلدين.

سدود أفريقية بمشاركة مصرية

السد الجديد في جنوب السودان ليس التجربة الأولى لمصر بمجال التعاون مع دول أفريقية لتشييد موانع مائية؛ فتاريخها في هذا المجال يمتد لنحو 90 عاما، حيث كانت البداية عام 1953، عندما وقّعت مصر مع أوغندا اتفاقية لبناء سد "أوين" (نالوبالي حاليا) على مخرج بحيرة فيكتوريا، لتنظيم خروج المياه من البحيرة.

وتعد فيكتوريا ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم، من حيث المساحة، بمساحة تقارب نحو 69 ألف كيلو متر مربع.

ووفق صحيفة الأهرام المصرية، فقد أسهمت القاهرة –بجانب الدعم الفني- في بناء سد "أوين" بدفع مبلغ "مليون جنيه إسترليني" للحكومة الأوغندية، وكان الجنيه الإسترليني وقتئذ يعادل قيمته جنيها من الذهب، وهذا يعني أن القيمة الحالية لهذه المشاركة اليوم تتعدى حاجز 300 مليون دولار.

وفي عام 1991، اتفقت مصر وأوغندا على إنشاء امتداد لسد "أوين"، وهو ما يعرف بسد "كيرا"، بهدف زيادة توليد الطاقة الكهربائية.

وقبل نحو 20 عاما من التعاون المصري الأوغندي، شاركت القاهرة الجارة السودان في بناء خزان جبل "أولياء" على النيل الأبيض، وانتهى البناء عام 1973 بطول 5 آلاف و30 مترا وبطاقة تخزين 2.5 مليار متر مكعب من المياه. وتولت الحكومة المصرية الإشراف الفني والإداري الكامل على الخزان من عام 1933 وحتى عام 1977.

وفي تنزانيا، تشارك شركتان مصريتان في بناء سد "جيوليوس نيريري" على نهر "روفيجي"، المقرر الانتهاء من أعمال تشييده أواخر العام الجاري 2021، وفق ما ذكرته وسائل إعلام مصرية.

ويستهدف السد السيطرة على فيضان نهر "روفيجي" وتوليد الطاقة الكهربائية، ومن المقرر أن يكون بطول 1025 مترا وارتفاع 131 مترا، وبسعة تخزينية حوالي 34 مليار متر مكعب، ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميغاوات.

مشاريع قادمة

تحركات الحكومة المصرية تبدو طموحة بمجال الاستثمار في السدود الأفريقية مستقبلا؛ ففي مارس/آذار الماضي، أعلنت القاهرة استعداها لإقامة عدة سدود بدول حوض النيل ودراسة مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط.

وكشف وزير الموارد المائية محمد عبد العاطي عن استعداد بلاده لدعم التعاون مع دول حوض النيل في مجال تنمية مواردها المائية، مشيرا إلى المساهمة في إعداد الدراسات اللازمة لمشروعات إنشاء السدود متعددة الأغراض لتوفير الكهرباء ومياه الشرب للمواطنين بالبلدان الأفريقية، بالإضافة لما تقدمه في مجال التدريب وبناء القدرات للكوادر الفنية من دول حوض النيل.

وفي أوائل العام الماضي (2020)، زار وزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر الكونغو الديمقراطية، حيث بحث سبل التعاون بين البلدين بمجال الكهرباء تزامنا مع اقتراب الكونغو من تنفيذ المراحل القادمة من مشروع سد "إنغا" على نهر الكونغو.

وكان رئيس الكونغو فيليكس تشيسيكيدي، صرح بأنه حال تطور العمل في مشروع سد "إنغا" الكبير بجميع مراحله وحتى المرحلة الثامنة؛ فسيكون هو الأكبر عالميا ويمكن من خلاله توليد 44 ألف ميغاوات من الكهرباء، وهو ما يعادل أكثر من ضعف إنتاج 40 مفاعلا نوويا.

دعم مشروط

هنا يبدو التساؤل منطقيا حول تباين موقف القاهرة بالنسبة لخريطة الموانع المائية في أفريقيا؛ فهي تبدو متحفظة على سد النهضة في حين أن لها طموحات مستقبلية في تشييد سدود بدول حوض النيل.

ويتضح من تصريحات مسؤولين مصريين أن القاهرة لا توافق على إنشاد السدود في بلدان حوض النيل بالمطلق؛ فثمة شروط ترى أنها وجوبية للمحافظة على عدالة توزيع المياه.

ووفق رئيس قطاع مياه النيل بوزارة الري ممدوح عنتر؛ فإن مصر تدعم جميع الأشقاء الأفارقة في دول حوض النيل، ولا ترفض إنشاء السدود، بشرط ألا يحدث ضررا لمصر.

واستطرد -خلال مداخلة هاتفية مع قناة صدى البلد المصرية تعقيبا على إعلان جنوب السودان خطة إنشاء سد جديد- "لا بد من مراعاة الحصص المائية لدولة كبيرة مثل مصر، والالتزام بالاتفاقات الدولية في ذلك الصدد".

أضرار السد الإثيوبي

وحسب مسؤولين مصريين فإن القاهرة تشترط ألا تتعرض لأضرار جراء إقامة السدود، وهو ما لا يتحقق في حالة سد النهضة الذي يصر الجانب الإثيوبي على تشييده وملء بحيرته بطريقة تزيد من المخاطر على دول المصب.

وتشير دراسة محاكاةٍ -أعدها معهد الدراسات البيئة بجامعة عين شمس المصرية- إلى أضرار كبيرة قد تلحق بمصر جراء سد النهضة، حيث أظهرت أنه إذا كانت فترة ملء بحيرة السد 3 سنوات فإن ذلك سيؤثر تأثيرا شديدا على حصة مصر والسودان من المياه بنقص يمثل نحو 24 مليار متر مكعب سنويا (حصة مصر 55 مليار متر مكعب سنويا)، وأوضحت الدراسة أنه بعد الانتهاء من بناء السد سيتم حرمان مصر والسودان من 5 مليارات متر مكعب من المياه سنويا.

وتطالب القاهرة بأن تكون فترة ملء السد 10 سنوات مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف؛ لتفادي نقص حصتها من المياه، بينما تصر أديس أبابا على أن تتراوح الفترة بين 3 إلى 7 سنوات.

وأشارت الدراسة -التي أعدها معهد الدراسات البيئية- إلى أن تغير المناخ قد يزيد من مخاطر سد النهضة، متوقعة حدوث انخفاض لمنسوب المياه اللازمة لتشغيل السد العالي بنسبة 10% حتى عام 2070، تزيد إلى 40% بعد ذلك.

إلى جانب ذلك، من المتوقع نقص في الطاقة يمثل انخفاضا بنسبة 10% حتى عام 2040، تزيد إلى ما بين 16% و30% في الفترة ما بين عامي 2040 و2070، ويمكن أن تزيد بعد ذلك إلى نحو 45%.

 

عجز مائي

وعلى ما تتضمنه الدراسة التي أعدتها جامعة عين شمس من أضرار إلا أن نتائجها تعد أكثر تفاؤلا من نظيرتها التي أعدتها جامعة "جنوب كاليفورنيا" بالتعاون مع جامعة "كورنيل" ووكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (NASA) حول حجم العجز المائي لمصر الذي يسببه سد النهضة.

وتوقعت الدراسة -التي حملت عنوان "عجز المياه في مصر وسياسات التخفيف المقترحة لسيناريوهات ملء سد النهضة الإثيوبي"- بأن متوسط ​​إجمالي العجز السنوي للمياه القادمة إلى مصر سيبلغ حوالي 31 مليار متر مكعب سنويا.

وأوضحت أن الرقعة الزراعية يمكن أن تتراجع بنسبة تصل إلى 72% من إجمالي المساحة الزراعية الحالية، في حالة عدم معالجة العجز المائي والوصول لاتفاق لخطة التخزين، أما معدلات البطالة فقد تقفز إلى 25% وفق سيناريو ملء بحيرة السد خلال 3 سنوات، وهو السيناريو الأقرب للحدوث وفقا لما نشهده حاليا على أرض الواقع، حسبما توقعت الدراسة.

الاتفاقيات التاريخية

هنا يبدو التساؤل منطقيا حول تباين موقف القاهرة بالنسبة لخريطة الموانع المائية في أفريقيا؛ فهي تبدو متحفظة على سد النهضة الإثيوبي، في حين لها طموحات مستقبلية في تشييد سدود بدول حوض النيل.

ولعقود طويلة ترفض مصر بناء سدود تحتجز المياه بالنيل الأزرق في إثيوبيا، بينما سمحت بوجود محطات كهرومائية لإنتاج الطاقة.

وكانت القاهرة تستند في موقفها على معاهدة وقعت عام 1902 إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر التي تنص على عدم إقامة أية منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة "تانا" أو نهر "السوباط"، من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل، إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدما، وكذلك تستند على اتفاقية 1929 التي تنظم العلاقات المائية بين مصر ودول الهضبة الاستوائية، وتؤكد على حقوق القاهرة الطبيعية والتاريخية في مياه النيل.

غير أن أديس أبابا بعد أكثر من 100 عام على معاهدة 1902 رفعت راية الرفض لأي اتفاقات تمت خلال الحقبة الاستعمارية، وأعلنت في مارس/آذار 2011 بدء تشييد سد النهضة.

سد النهضة

وعلى مدار عقد كامل، ابتداء من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، دخلت القاهرة في مفاوضات مع الجانبين الإثيوبي والسوداني للوصول إلى اتفاق يضمن عدم تضررها من سد النهضة، وأصبحت أخبار الاجتماعات الوزارية واللجان الفنية للأطراف الثلاثة متكررة ومعتادة.

وحتى مارس/آذار 2015، كانت إثيوبيا تبني السد في ظل مخالفة صريحة للمعاهدات الدولية، لكن بعدها وقعت القاهرة مع أديس أبابا والخرطوم ما عرف باتفاق إعلان المبادئ، والذي بموجبه أقرت مصر ببناء السد واختلفت على تفاصيل البناء والتشغيل.

واعتبر تقرير صادر عن المعهد المصري للدراسات اتفاق إعلان المبادئ بمثابة تفريط في حقوق مصر التاريخية، لكونه لم يتضمن أي بند يحفظ حقوق الشعب في مقدراته المائية، مؤكدا أن حصة مصر سوف تتأثر جراء ملء بحيرة سد النهضة، وهو ما يهدد بشبح العطش وبوار الأراضي الزراعية، مشيرا إلى جفاف مساحات من الأراضي في بعض المحافظات الشمالية.

والأهم هو الاستغلال السياسي للمانع المائي من الجانب الإثيوبي، وهو ما يحذر منه خبراء إستراتيجيون بدرجة أكبر من خطر شح المياه.

وبدورها عبرت مصر مخاوفها على لسان عدد من مسؤوليها وبينهم وزير الخارجية سامح شكري الذي قال خلال كلمته أمام مجلس الأمن لمناقشة أزمة سد النهضة، في يونيو/حزيران 2020، إن مصر ترفض أي تهديد لأمنها المائي، وإنها تواجه خطرا وجوديا يخص المصدر الوحيد للمياه ولحياة أكثر من 100 مليون مواطن بسبب السد الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق.

وأضاف أن ملء السد وتشغيله بشكل أحادي -دون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية حقوق دولتي المصب مصر والسودان- من شأنه أن يزيد من التوتر في المنطقة، وقد ينجم عنه أزمات وصراعات تهدد استقرارها، موضحا في الوقت نفسه أنه القاهرة تساند أديس أبابا في تحقيق الأهداف التنموية للشعب الإثيوبي من خلال سد النهضة.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة