مجلس العمل لإقليم أوروميا: إثيوبيا على شفا الانهيار والأزمات تحيط بها من كل جانب

An Oromo elder chants slogans during a protest in-front of Jawar Mohammed’s house, an Oromo activist and leader of the Oromo protest in Addis Ababa
احتجاجات الأورومو في أديس ابابا عام 2018 (رويترز)

نشرت صحيفة أديس ستاندرد (Addis Standard) مقالا مطولا تناول الأزمات التي تعصف بدولة إثيوبيا حاليا، وما تنطوي عليه من مخاطر أمنية تحدق بمنطقة القرن الأفريقي.

وأسهبت في سرد جوانب من التاريخ الجيوسياسي الذي ساهم في تأسيس الدولة الحديثة والدور الذي لعبه المستعمر الأوروبي في ذلك. كما تطرق إلى التهديدات الداخلية والخارجية، لا سيما أزمة سد النهضة والعلاقات مع السودان ومصر.

وجاء في المقال الذي تلقته الصحيفة من مجلس العمل لإقليم أوروميا أن الحقيقة التاريخية الراسخة تشي بأن إثيوبيا المعاصرة نتاج "ضم قسري" لشعوب وقوميات أواخر القرن 19.

ومنذ انتصار القوات الحبشية على إقليم أوروميا والمنطقة الجنوبية الكبرى، ظلت إثيوبيا مستغرقة في مشروع "غير مكتمل" لبناء الدولة. وتتمثل السمة الغالبة له في الجهد الدؤوب لبناء دولة قومية موحدة خلافا لرغبات الشعوب والقوميات المطالبة بحق تقرير المصير.

سوابق تاريخية

وظلت إثيوبيا ترزح تحت نير أنظمة حكم "استبدادية" وثقافة إنكار سياسية متواصلة مترافقة مع مستويات متفاوتة من الفظائع المرتكبة. ولعل تلك الثقافة تتجلى في نفي حدوث سوابق تاريخية من الفظائع، وعنف الدولة ومطالبات الشعوب والقوميات بحقوقها، وعلى العكس من ذلك فهي تشارك في كتابة تاريخ موحد وانتقائي للدولة، بحسب مجلس العمل الأورومي في مقاله بالصحيفة.

وتعثرت عملية الانتقال الديمقراطي والأمل في تحقيق السلام والتنمية التي لاح بريقها عام 2018 عقب حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي أشعل أوارها شباب الأورومو، وما لبث أن توطد حكم استبدادي في البلاد.

ويلفت المجلس في مقاله إلى أن الشعوب والقوميات في إثيوبيا "التي ظلت طوال نصف قرن تناضل من أجل نيل الاعتراف بحقوقها الجماعية" ظلت تتابع الوضع الراهن والإحساس بخطر وشيك وتهديد وجودي.

أزمات متعددة الأبعاد

وتواجه إثيوبيا حاليا أزمات ذات سمات جيوسياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية متعددة الأبعاد والتقاطعات. فالقوات الحكومية تقترف انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في حين لا تجد المطالبات الملحة بإخضاع مرتكبيها للمساءلة آذانا صاغية.

وتفشت مظاهر الإفلات من العقاب حتى أضحت هي القاعدة بالدولة، حسب زعم المقال. وتجذرت تلك الأزمات في التاريخ السياسي للبلاد، وباتت انعكاسات رؤى متناقضة لمستقبل إثيوبيا.

ويرى مجلس العمل الأورومي أن الوضع الراهن يستدعي إرادة غير مسبوقة لوضع حد لتلك الأزمات التي تعصف بالبلاد، وتعرض استقرار منطقة القرن الأفريقي لخطر بالغ.

ويعتبر المجلس إثيوبيا دولة مليئة بالتناقضات والنزاعات منذ ميلاد الإمبراطورية الحديثة أواخر القرن 19، والتي تأسست عبر حرب وحشية إبان غزو المستعمر الأوروبي لأجزاء من القارة الأفريقية، وكان من تجلياتها استغلال اقتصادي، وقمع سياسي، وتهميش ثقافي، وفرض لغة وديانة وثقافة مجموعة عرقية بعينها على العرقيات الأخرى.

وانتقل المقال إلى الحديث عن المرحلة الحالية التي تولى فيها رئيس الوزراء آبي أحمد مقاليد الحكم، حيث شرع في إعادة هيكلة الائتلاف الحكومي بتكوين حزب "الرخاء" على أنقاض الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي.

ويسعى حزب الرخاء لتحقيق 3 غايات على الأقل تتمثل في إيلاء الحقوق الفردية الأفضلية على الحقوق الجماعية، وإرساء نظام حكم رئاسي، وإبدال البنية الاتحادية للدولة القائمة على التعددية العرقية واللغوية بأخرى تستند إلى الجغرافيا.

واستعرض المقال بعد ذلك بالتفصيل الأزمات التي تعاني منها إثيوبيا التي أوجزها في الآتي:

أزمة سياسية

يُنبئ التناقض عميق الجذور الذي لازم تأسيس الدولة وبنيتها، ويستبطن في ثناياه الانقسامات السياسية الحالية بين الأحزاب. فحزب الرخاء الحاكم، وبعض الأحزاب السياسية الوحدوية الأخرى التي تهيمن على الاقتصاد والدواوين الحكومية، والقوة العسكرية تستغل نفوذها في إقصاء الأحزاب السياسية الفدرالية التي تحظى بالقبول على نطاق واسع مثل جبهة تحرير أورومو، وحزب مؤتمر الأورومو الفدرالي.

ويشير مقال أديس ستاندرد إلى أن الانتخابات المقبلة ستنعقد في ظل إقصاء إقليم تيغراي، وهو أحد المؤسسين للاتحاد.

أزمة أمنية

إن الاختلاف على بنية الدولة -وهو تناقض مرتبط مباشرة بحق تقرير المصير والحكم المشترك- يكمن في الصراع على السلطة الذي بلغ ذروته مع حرب طاحنة بين الحكومة الاتحادية وإقليم تيغراي.

واستحكمت الأزمة الأمنية في مناطق مختلفة من البلاد، وهناك أدلة موثوقة على أن حكومة إقليم الأمهرا تنشر قواتها الخاصة لتأجيج النزاعات في أجزاء أخرى مثل إقليم بني شنقول-القمز وغربي أوروميا.

وتتجلى مظاهر هذه الأزمة في التهافت على الموارد والسلطة السياسية، مدفوعة بميل نحو مركزية الدولة وبإيعاز من "القوى الرجعية".

أزمة اقتصادية واجتماعية

تنطوي الأزمتان السياسية والأمنية -المنبثقتان عن اختلافات عميقة حول بنية الدولة- على تداعيات تطال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومآلاتها. وتعاني إثيوبيا اقتصاديا من معدلات تضخم من بين الأعلى في تاريخها الحديث.

فهناك قطاعات غير نظامية، وسوق سوداء تتعاظم أنشطته، وشح في العملات الأجنبية تشل قدرات الاقتصاد المتراجع أصلا. وتتمخض الأزمة الاقتصادية بدورها عن أزمة اجتماعية متمثلة في معدل بطالة متصاعد يدفع معظم الشباب نحو هجرة غير نظامية وإتجار بالبشر.

كما أن النزوح داخليا، وزيادة حركة التنقل بين الريف والحضر، وارتفاع المخاطر الناجمة عن جرائم السطو والسرقة المنظمة، كلها تجليات للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

مخاطر مستجدة

تعاني إثيوبيا حاليا، في ظل الخلافات عميقة الغور بشأن بنية الدولة وسوء إدارة المرحلة الانتقالية، من مخاطر داخلية وخارجية لم يسبق لها مثيل من بينها:

مخاطر داخلية:

يتفاقم التوتر بشكل حاد في العديد من المناطق لا سيما في أوروميا وتيغراي وبني شنقول-القمز والعفر والإقليم الصومالي والأمهرا، مع احتمال اندلاع أعمال عنف قبل وبعد الانتخابات.

وزاد الإقصاء الممنهج والعنيف للأحزاب السياسية ذات الرؤية التعددية لهيكل الدولة والتي تطرح بدائل للسياسات القائمة، كجبهة تحرير أورومو ومؤتمر أورومو الفدرالي، من تأزم الأوضاع مما جعل شعب الأورومو بدون تمثيل في هذه الانتخابات.

ويبدو -بحسب المقال- أن ذلك يرجع إلى نية حكومة آبي أحمد وسعيها لتعزيز سلطتها بالفوز في الانتخابات المقبلة بدون منافسة ذات مغزى.

مخاطر خارجية:

يزعم مجلس العمل الأورومي -في مقاله بالصحيفة- أن تجليات المخاطر المستجدة هذه ستؤدي على الأرجح إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي ليتجاوز الحدود الإثيوبية كثيرا.

ولعل التطورات التي أعقبت الحرب على إقليم تيغراي أثارت بالفعل توترات جيوسياسية. فالعلاقات مع السودان والنزاع الحدودي معه تتدهور سريعا مما ينذر بنشوب حرب واسعة النطاق.

أما العلاقة الإثيوبية المصرية المرتبطة بنهر النيل منذ أمد بعيد، فتواجه طريقا مسدودا فيما يتعلق بسد النهضة. بل إن العلاقات مع كينيا ليست على ما يرام هي الأخرى. ثم إن تدخل القوات الإريترية في الحروب بإقليمي تيغراي وأوروميا زاد الأمور تعقيدا وفاقم التوترات الداخلية.

ورغم أن تأثير ذلك سيكون سريعا على منطقة القرن الأفريقي، وبصورة أوسع على شرق أفريقيا، فإن التداعيات الناجمة عن نزوح جماعي محتمل وأزمات لجوء ستترك آثارا بعيدة المدى.

عواقب محتملة:

إن المخاطر المستجدة تفاقم الأزمات القائمة، الاجتماعية والاقتصادية منها والأمنية. فالكوارث الإنسانية، ونزوح السكان بصورة غير مسبوقة، قد تتوالى فصولها إذا استمر الوضع على حاله.

وأعرب المجلس الأورومي عن اعتقاده بأن تراكم كل تلك الأزمات والمخاطر مؤشر على انهيار وشيك للدولة لن يقتصر على إثيوبيا وحدها بل سيطال القرن الأفريقي برمته وما وراءه.

وناشد مقال صحيفة أديس ستاندرد المجتمع الدولي بالضغط بشكل عاجل على الأطراف كافة، وبخاصة حكومة أديس أبابا.

واختتم المجلس مقاله بوضع شروط مسبقة يرى ضرورة تنفيذها قبل الدخول في حوار ذي مغزى. ومن بينها: الإفراج عن جميع السجناء السياسيين، ووقف العدائيات والحرب في مختلف أنحاء البلاد، وإلغاء دمغ الأحزاب والجماعات السياسية بالإرهاب، وإعادة فتح المرافق السياسية والوسائط الإعلامية أمام الجميع، والانسحاب غير المشروط للقوات الإريترية من إقليمي تيغراي وأوروميا، وإبعاد الرقابة العسكرية والاستخباراتية من الحياة المدنية.

المصدر : الصحافة الأجنبية