المواجهات بالأقصى والشيخ جراح.. هل يدفع نتنياهو ثمن تأجيل أي حلول مع الفلسطينيين؟

عكس تباين المواقف الإسرائيلية حيال ما يحدث بالقدس حالة إرباك سياسي على المستوى الرسمي ممثلا بنتنياهو الذي دعا للتهدئة، أو من قبل القائد العام للشرطة الذي اعتبر أن ما حدث عند باب العمود نتيجة "خطأ استخباراتي"

Tension over possible eviction of several Palestinian families in East Jerusalem's Sheikh Jarrah neighbourhood
عشرات الفلسطينيين أصيبوا بجروح بعد اقتحام قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى أمس (رويترز)

تتصدر المواجهات في محيط المسجد الأقصى -بعد اعتداء قوات إسرائيلية على المصلين-الساحات الفلسطينية المتفجرة والمشتعلة رفضا لسياسات الاحتلال، إلى جانب ملف حي الشيخ جراح الذي ينتظر الحسم بالمحاكم الإسرائيلية منذ عام 2010.

وتعززت تقديرات المؤسسة الأمنية لاحتمال تصعيد الاشتباكات والمواجهات في القدس والضفة الغربية المحتلتين، وذلك وسط الأزمة السياسية بإسرائيل ومعركة الكر والفر في حي الشيخ جراح، وفشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة، ونقل التكليف إلى رئيس "هناك مستقبل" يائير لبيد.

وأتت مظاهرات تحالف "الصهيونية الدينية" عند أسوار القدس القديمة، والدعوات لقتل الفلسطينيين، لتزيد من حالة التوتر والغليان التي خرجت عن طوق أسوار القدس القديمة، وذلك مع تخطيط "منظمات الهيكل" لاقتحام جماعي للأقصى الشريف بمناسبة ما يسمى "توحيد القدس" الذي يوافق يوم الاثنين يوم 28 من رمضان.

جاء نصب الحواجز الحديدية عند باب العامود، والاستنفار العسكري غير المسبوق بالقدس القديمة، ومخطط بدء إجلاء وتهجير 7 عائلات من حي الشيخ جراح بداية شهر رمضان، ليشعل الميدان، الأمر الذي عمق من أزمات إسرائيل الداخلية، خصوصا وأن اليمين الفاشي ممثلا بتحالف "الصهيونية الدينية" نظم مظاهرات قبالة باب العامود والشيخ جراح تدعو لحرق الفلسطينيين.

عكس عمق الأزمات الداخلية، وتباين المواقف الإسرائيلية حيال ما يحدث بالقدس، حالة الإرباك لدى المستوى السياسي الرسمي ممثلا بنتنياهو الذي دعا للتهدئة، أو من قبل القائد العام للشرطة كوبي شبتاي الذي أكد أن ما حدث عند باب العمود نتيجة "خطأ استخباراتي".

ومن جانبهم صعب حاخامات تحالف "الصهيونية الدينية" على نتنياهو مهمة تشكيل الحكومة وعارضوا بشدة تشكيل أي حكومة صهيونية بدعم عربي، حتى لو كان من الخارج.

ترحيل وصدام

ويعتقد المحلل السياسي عكيفا إلدار أن نتنياهو -الذي غالبا ما يوظف القضايا الحارقة والأمن القومي لأهدافه السياسية، ولعل أبرزها فزاعة النووي الإيراني- وجد نفسه بحالة صدام مع القضية الفلسطينية التي دأب على ترحيل أي حلول ومفاوضات بحسب المواثيق الدولية، ولعل توقيت الأحداث بالتزامن مع أزمة تشكيل الحكومة قد يعمق من الأزمات التي يواجهها رئيس الوزراء.

واعتبر إلدار -في حديثه للجزيرة نت- أن الحواجز عند باب العامود وما تبعها من أحداث أتت نتيجة تقديرات خطأ استخباراتي للشرطة ولم يكن الأمر له علاقة بضغط سياسي من الأعلى، بل على العكس، في ظل المقاومة الشعبية للفلسطينيين، أزالت الشرطة الحواجز الحديدية من باب العمود بموافقة نتنياهو الذي دعا للتهدئة.

وأشار المحلل السياسي إلى أن نتنياهو غالبا ما يوظف الأحداث الأمنية لصالحه في مسيرته السياسية، لكنه استبعد أن يكون  دفع نحو التصعيد وإشعال الميدان أو وظف ذلك بأزمة تشكيل الحكومة وفشله بالتوصل إلى ائتلاف حكومي في ظل محاكمته بملفات فساد.

لكن في حالة القدس، يقول المحلل السياسي "حتى لو توسعت الاحتجاجات واندلعت انتفاضة، وهو سيناريو من الصعب أن يتحقق بالمرحلة الراهنة، لن تكون بإسرائيل حكومة طوارئ على غرار حكومة كورونا التي لربما أجلت رحيل نتنياهو عن المشهد السياسي، لكنها قربت من الإطاحة به عن كرسي رئاسة الوزراء".

Tension over possible eviction of several Palestinian families in East Jerusalem's Sheikh Jarrah neighbourhood
توقعات بتصاعد الاشتباكات في القدس والضفة المحتلتين (رويترز)

هشاشة وعدم استقرار

ويعتقد يواف شتيرن الإعلامي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية أنه على وجه التحديد في واقع ما بعد كورونا، وبمعزل عن الأحداث التي تشهدها القدس حيث يبدو أن هناك توقعا بالعودة إلى الحياة الطبيعية، تدخل إسرائيل في واقع غير موات سواء بسبب الملف الفلسطيني المؤجل، فبدأت دفع الثمن عن هذا التأجيل أو بوادر عودة أميركا للاتفاق النووي الإيراني، وهو ما يعد زعزعة لمكانة إسرائيل بالشرق الأوسط.

وأوضح للجزيرة نت أن ما يحدث بإسرائيل، في ظل استفحال أزمة الحكم وتشكيل الحكومة ومحاكمة نتنياهو بملفات فساد، يذكر الجمهور بخيبة الأمل في أعقاب انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي امتدت إلى البلدات العربية داخل إسرائيل، وحرب لبنان الثانية عام 2006، عندما اصطدمت إسرائيل "الليبرالية"، المهيمنة بالقوة على الشرق الأوسط، بتجربة سياسية ضعيفة في ظل قيادة ضعيفة وعديمة الخبرة.

وعليه يقول الصحافي الإسرائيلي "الانطباع بهذه المرحلة أن إسرائيل لا تسير نحو الحياة الطبيعية، بل على العكس تماما، نحو أجندة أقل استقرارا، وأقل بكثير اقتصادية، وأكثر هشاشة، وهي الأوضاع التي يحاول استغلالها نتنياهو بغية أن يبقى شريكا بالحكم ويحصن ذاته من ملفات الفساد لكيلا ينهي مسيرته السياسية وراء القضبان".

لكنه استبعد أن ينجح نتنياهو في استغلال أحداث القدس وتشكيل حكومة طوارئ أو حتى حكومة وحدة، مرجحا بأن المعسكر المناوئ لنتنياهو، و"كتلته التغيير" المكلفة بتشكيل حكومة بديلة، قد تستغل هذه الأحداث لتوجيه انتقادات شديدة اللهجة لنتنياهو واتهامه بعدم الحفاظ على السيادة الإسرائيلية في "القدس الموحدة".

قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيا أثناء الاحتجاجات في حي الشيخ جراح (الفرنسية)

ديني ووطني

في ظل التصعيد المتدرج ميدانيا والتوتر مع السلطة الفلسطينية، دفعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بمزيد من القوات والوحدات العسكرية للضفة والقدس، لكنها استبعدت اندلاع انتفاضة ثالثة وفقدان السيطرة على الأحداث التي مرشح أن تتراجع حدتها بعد رمضان وبعد إحياء مراسيم ذكرى النكبة في 15 مايو/أيار الجاري.

ووفقا لصحيفة "هآرتس" فإن "التوتر الديني" الذي أحدثه شهر رمضان، ومظاهرات اليمين المتطرف بباب العامود والشيخ جراح، أو بسبب تسلسل الأيام الحساسة والمناسبات الوطنية للفلسطينيين، كلها أسباب مجتمعة للتصعيد الميداني.

لكن الجيش كما يقول المحلل العسكري بالصحيفة "لا يرجح توسيع دائرة التصعيد والخروج عن السيطرة" وعزا ذلك إلى "عدم وجود دافعية وطاقة للفلسطينيين لإشعال انتفاضة، وما يحدث مجرد موجة من أعمال الشغب والاحتجاجات".

وإلى جانب هذه التقديرات -يوضح المحلل العسكري- واصل الجيش المناورات التي بدأها قبل رمضان، وهي تحاكي مواجهات شاملة بالضفة والقدس وعلى الجدار الأمني مع قطاع غزة، وهي مناورات تستبق أي تحرك رئيسي أو عمليات للجيش في المستقبل القريب، بافتراض عدم وجود مواجهة عسكرية حقيقية.

4 Palestinians injured in Israeli forces' intervention during protest in Jerusalem
قوات الاحتلال بعد اقتحامها باحات الأقصى أمس (الأناضول)

وخلال المناورات التي تستمر بعد أسبوع من انتهاء شهر رمضان، ستمارس هيئة الأركان والقيادة العسكرية سيناريو حرب متعددة الساحات مع الفلسطينيين، وتهدف المناورات لاختبار مدى إمكانية التغييرات التنظيمية والتكنولوجية التي قام بها الجيش السنوات الأخيرة في ساحة المعركة المفترضة مع الفلسطينيين على وجه الخصوص.

وبمعزل عن أزمة تشكيل الحكومة، وصف رئيس أركان الجيش آفيف كوخافي مايو/أيار الجاري بـ "شهر الحرب" جراء تصعيد الأوضاع بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وأتى هذا الوصف عقب جلسة تقدير موقف، يوم السبت بمقر وزارة الدفاع في تل أبيب، للأجهزة الأمنية والمخابرات "الشاباك" والمؤسسة العسكرية، حيث أوعز رئيس الأركان على تعزيزات إضافية للقوات الأمنية والوسائل العسكرية والحربية، بالإضافة إلى الاستعداد لتصعيد شامل والقيام بسلسلة خطوات أخرى.

المصدر : الجزيرة