لأنهم لا يحملون تصاريح.. هكذا يعيش سكان الضفة في المسجد الأقصى

فلسطينيون من الضفة ينامون على الأرض في المسجد الأقصى بعد ليلة ساخنة في القدس (الجزيرة)

حمل أبو العبد حقيبة صغيرة من منزله في بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، واضعا فيها بعض الحاجات البسيطة كي تعينه على الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل.

لا يريد أبو العبد لفت انتباه جنود الاحتلال إلى حقيبته الصغيرة، لدى دخوله القدس مساء، من طريق أحراش لبلدات فلسطينية مهجّرة في الشمال الغربي لمدينة القدس، عبرها مع عشرات من الفلسطينيين سيرا على الأقدام قرابة ساعتين، لأنهم لا يملكون تصريحًا من الاحتلال لدخول المدينة المقدسة المحتلة.

ترقب دخول الحشود

وبعد ترقب ومتابعات كثيرة صعدوا حافلة أقلّتهم إلى البلدة القديمة في القدس، وانتظر أبو العبد ومئات معه حتى يكتظ المصلون الداخلون إلى المسجد، ليسيروا معهم وسط الزحام كي لا يوقفهم الجنود إذا لاحظوهم.

يقول أبو العبد -للجزيرة نت- إنه يضطر إلى أخذ لباس واحد في حقيبته الصغيرة لاستخدامه طوال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، كون الحقائب الكبيرة تجذب نظر الجنود على البوابات ويوقفون أصحابها.

يمنع الاحتلال في السنوات الأخيرة وجود المصلين المعتكفين الذين يريدون المبيت داخل المسجد الأقصى، ولكن مئات من الفلسطينيين من أهل الضفة الذين يدخلون بطرق التفافية عن جنود الاحتلال إلى القدس يرابطون في المصليات المسقوفة، كالمسجد القبلي، والمصلى المرواني، ومصلى باب الرحمة، كونها ذات أبواب يمكن إغلاقها وإيهام الجنود أنه لا أحد بداخلها.

هذا العام كذلك منع الاحتلال المؤسسات الناشطة في القدس إدخال وجبات الإفطار إلى المسجد، فدفع ذلك عشرات من فلسطينيي الضفة إلى الاحتفاظ بوجبة السحور المتضمنة علبة من اللبنة وحبة بندورة أو خيار وبعض التمر، وذلك كوجبات إفطار رمضانية.

كثير من المقدسيين وفلسطينيي الداخل يعرفون أحوال أهل الضفة في القدس، فيدخلون وجبات طعام لهم عندما يحضرون مع عائلاتهم إلى المسجد، ويساعدونهم على تسيير حياتهم داخل المسجد.

مبيت فلسطينيين في المصلى المرواني في المسجد الأقصى بعد غلق الأبواب على أنفسهم (الجزيرة)

ليلة الاقتحام

لم تكن ليلة الجمعة، حين اقتحم مئات من جنود الاحتلال المسجد الأقصى، سهلة على الداخلين تهريبًا -بلا تصاريح إسرائيلية- فوقع عليهم ما وقع على عشرات الآلاف من الفلسطينيين الآخرين، فاعتقل عشرات منهم، واحتجزوا واعتدي عليهم وغرموا ماليا بآلاف الشيكلات، وأجبروا على توقيع أوراق بالإبعاد عن المسجد تحت التهديد بالسجن الطويل.

يقول أبو العبد إنه اضطر إلى الخروج من المسجد والبقاء مختفيا في أزقة البلدة القديمة في القدس حتى ساعات الفجر، عندما أعيد فتح المسجد، فدخل مع جموع المصلين، مؤكدا أن عشرات ممن معه اعتقلوا وأخرجوا من القدس بالقوة.

دخل أبو البراء القدس مع نحو 50 شخصا من الضفة من طريق جنوب الخليل تجاه بئر السبع، ومن ثم عاد أدراجه إلى المدينة، ويقول للجزيرة نت "إنه لم يتبق من الـ50 إلا هو في المسجد الأقصى"، واستطاع أن يدخل المصلى المرواني ويختفي في زقاق داخله حتى خرج الجنود وأغلقوا الأبواب على من تبقى بداخله.

المصلى القبلي المسقوف في المسجد الأقصى المبارك حيث يبيت سكان الضفة الذين يدخلون القدس بطرق التفافية (الجزيرة)

رباط لا يُضاهى

لم يشأ مجموعة من فلسطينيي الضفة الكشف عن أسمائهم خشية اعتقالهم أو مطاردتهم، ولكنهم تحدثوا عن معاناة كبيرة في الدخول إلى القدس، يقولون إن رفاقهم اعتقلوا على الحواجز أو في كمائن يضعها الاحتلال في الطرق التي يعرف أنهم يستطيعون الدخول منها إلى القدس.

ومن يتمكن من اجتياز الحواجز حول القدس، وحواجز الاحتلال حول البلدة القديمة، ومن ثم حول المسجد الأقصى فإنه يعاني كثيرا من الخدمات داخل المسجد، لأن الاحتلال يضيّق على المبيت داخله، كما يضيق على ترميم الحمامات، حتى إنه يُبقي على عدد قليل من الحمامات التي يضطر الأشخاص إلى أن ينتظروا ساعتين حتى يأتي دورهم لاستخدامها، ومنهم من ينتظر ساعات طويلة حتى يستطيع الاستحمام بعد أيام من المبيت بلا حاجات داخل المسجد، سوى من الذين يقدمون المساعدة من الفلسطينيين الآخرين.

يقول أحدهم للجزيرة نت "إن كل ما نعانيه لا يساوي لذة المكوث في الأقصى والرباط فيه، وقيام ليالي رمضان الفضيل، والدعاء، وحتى إنه لا يُضاهي الشعور بأنك في لحظات الاقتحام تُكبّر في وجه محتل غاشم يحاربك بكل أسلحة الأرض فتكا، وأنت تحاربه بإيمانك وصدرك العاري، ولا شك في أن صدّ المستوطنين الذين يسعون لاقتحام المسجد الأقصى والقدس غدا الأحد يجب أن يشارك فيه كل فلسطيني يستطيع الوصول إلى المسجد".

وكان الاحتلال منع إقامة الصلوات في المسجد الأقصى العام الماضي بسبب جائحة كورونا، وهذا العام قيد الأعداد المسموح بدخولها إلى القدس والوصول إلى الأقصى مشترطا الحصول على تصريح خاص وتلقي تطعيم كورونا.

المصدر : الجزيرة