عودة الحياة.. غزة تتعالى على الجراح والدمار

بدأت غزة تلملم جراها وتستعيد عجلة الحياة بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ

رغم الآلام والدمار فإن الفلسطينيين احتفلوا بالصمود أمام العدوان الإسرائيلي على غزة (الأوروبية)

دبت الحياة في أوصال قطاع غزة من جديد بعد ساعات من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وضع حدا لـ11 يوما من حرب إسرائيلية دامية ومدمرة أزهقت أرواح 232 فلسطينيا جلهم من المدنيين، وغيرت كثيرا من ملامح القطاع الساحلي الصغير.

وخصص أئمة المساجد خطبة صلاة الجمعة للحديث عن النصر الذي كتبه الله لأهل غزة، وضرورة التعالي على الجراح، وفضل المواساة وشد أزر المكلومين بفقد أحبتهم أو منازلهم وممتلكاتهم.

الاحتلال زرع الموت والدمار في كل شارع ومدينة -رائد موسى
الدمار طال بنايات بشكل كامل وأخرى بشكل جزئي (الجزيرة)

حركة نشطة

ومع أن الجمعة هو يوم عطلة رسمية إلا أن الحركة في الشوارع شهدت نشاطا غير معتاد في مثل هذا اليوم مع عودة النازحين إلى منازلهم، وتفقّد آخرين منازلهم المدمرة، وانشغال فرق الدفاع المدني وطواقم الكهرباء والمياه والاتصالات في إزالة الركام وإصلاح أعطاب أصابت الشبكات جراء الغارات الإسرائيلية العنيفة.

وأعادت وزارة الداخلية والأمن الوطني نشر قوات من الشرطة في الشوارع والميادين الرئيسية، لتنظيم حركة السير، وفرض ما يشبه "طوقا أمنيا" حول المباني المدمرة لحمايتها من العابثين وخشية وجود قذائف إسرائيلية لم تنفجر.

وبعد إغلاق منذ اندلاع الحرب أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فتح معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، لإتاحة المجال أمام شاحنات بضائع وسلع متكدسة في الجانب الإسرائيلي من المعبر.

وشهدت الحركة في مراكز التسوق إقبالا ملحوظا من المتسوقين الذين ربما فرغت منازلهم من المواد التموينية خلال أيام الحرب التي كانت الحركة والتجول خلالها مغامرة محفوفة بالمخاطر في ظل عمليات قصف إسرائيلية عنيفة جوا وبرا وبحرا.

ينظر-رمضان-النجيلي-بحسرة-إلى-ركام-ابتلع-شقته-السكنية-ومكتبته--رائد-موسى-الجزيرة-نت
ينظر رمضان النجيلي بحسرة إلى ركام ابتلع شقته السكنية ومكتبته (الجزيرة)

بحث بين الركام

وشُغل أصحاب منازل سكنية ومحال تجارية مدمرة في تفقد ممتلكاتهم وإزالة الركام والبحث عن أي متعلقات قد تكون "نجت" من الدمار.

ووقف رمضان النجيلي على أنقاض عمارة كحيل في مدينة غزة، والتي كانت تضم شقة يقطن فيها وأسرته، ومكتبة يمتلكها منذ 10 أعوام وهي مصدر دخله الوحيد، وقال للجزيرة نت والدموع تملأ عينيه "خسرت كل شيء بلمح البصر.. شقتي بمحتوياتها، ومكتبتي بما فيها من كتب وطابعات".

وكان النجيلي (35 عاما) نزح من الشقة التي يقطنها بالإيجار مع زوجته وطفله الوحيد هشام (3 أعوام) إلى منزل عائلته في مدينة رفح جنوب قطاع غزة بحثا عن الأمان بعد نحو 30 غارة جوية استهدفت شارع الثلاثيني الذي تقع فيه جامعات رئيسية ومكتبات ومؤسسات خدمات طلابية.

يقول النجيلي "خرجنا من البيت بملابسنا التي نرتديها، ولم أكن أتوقع أنني سأفقد كل شيء، فبعد أيام قليلة استهدفت طائرات الاحتلال العمارة وحولتها إلى أنقاض".

وتتألف عمارة كحيل -وهي من أقدم البنايات وأشهرها في منطقة الجامعات- من 6 طوابق، وتضم مكتبات ومراكز دراسات ومؤسسات خدمية.

ولا يعلم النجيلي المستقبل الذي ينتظره بعدما أصبح بلا مأوى أو عمل، لكنه كرر غير مرة "الحمد لله.. أنا أفضل من غيري، سأبدأ من الصفر وسأعيد بناء ما دمره الاحتلال".

خسر-النجار-أيمن-حرز-الله-منجرته-التي-أسسها-على-مدار-29-عاما--رائد-موسى-الجزير-نت
خسر أيمن حرز الله منجرته التي أسسها على مدى 29 عاما (الجزيرة)

دمار هائل

لا يوجد شارع في غزة إلا وترك الاحتلال أثرا لآلة حربه عليه.. تلال من ركام المنازل السكنية والمنشآت المدنية المدمرة، وسيارات مدنية محترقة، ولسان حال كل غزي يقول "مصيبتي أهون من مصيبة غيري"، عندما يقارن ما حل به مع غيره ممن فقد أحبة وممتلكات.

أيمن حرز الله (48 عاما) خسر ورشة نجارة تعرضت لدمار كلي جراء انهيار بناية مجاورة استهدفتها غارة إسرائيلية عليها، ويقول للجزيرة نت "منذ 29 عاما أسست هذه المنجرة، وقضيت سنوات عمري فيها، وهي مصدر رزقي الوحيد".

ولحق دمار جزئي بمنزل حرز الله الذي يؤوي أسرة من 6 أفراد، لكنه بدا مسلّما بما قدره الله له، وقال "الحمد لله على كل حال".

وصرخ عامل في محل تجاري مجاور بصوت أثار انتباه الجميع بينما كان يزيل زجاج الواجهة المتناثر "نحن بخير طالما غزة بخير".

ويشير حصر أولي لوزارة الأشغال العامة والإسكان إلى أن 1800 وحدة سكنية تعرضت للتدمير الكلي، وأكثر من 16 ألف وحدة لحق بها دمار جزئي.

كما دمرت الغارات الإسرائيلية كليا 74 مقرا حكوميا و3 مساجد، وتضررت 60 مدرسة جزئيا.

ووفقا لوكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان ناجي سرحان، فإن إعادة تأهيل قطاع الإسكان بحاجة إلى 350 مليون دولار.

المصدر : الجزيرة