قراءة في تطور موقف بايدن من الحرب الإسرائيلية على غزة

تغيرات ملموسة على الساحة الأميركية تجاه إسرائيل رغم "تفهم" بايدن الحرب على غزة

أكثر من بيان للبيت الأبيض تحدث عن دعم بايدن القوي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها (رويترز)

استغرق الأمر 10 أيام، واحتاج 4 مكالمات هاتفية؛ قبل أن يعلن البيت الأبيض أمس الأربعاء أن الرئيس جو بايدن حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف التصعيد في غزة قبل نهاية اليوم.

وتدرج موقف الرئيس بايدن -كما عبرت عنه بيانات البيت الأبيض التي أعقبت إجراء المكالمات الهاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي- على نحو عكس تفهما أميركيا للخطوات الإسرائيلية خلال أيام العدوان الأولى.

فخلال الأيام التسعة الأولى من العدوان، أعطى بايدن إسرائيل دعما غير محدود، مما اعتبره المعلقون وقتا كافيا للجيش الإسرائيلي لإحداث أكبر ضرر ممكن بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، المصنفة "جماعة إرهابية" في الولايات المتحدة.

وتضمن بيانا البيت الأبيض الأول والثاني دعما واضحا من بايدن لنتنياهو، حيث عبر بايدن عن "دعمه القوي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في غزة، وأدان هذه الهجمات العشوائية ضد البلدات والمدن في مختلف أنحاء إسرائيل".

في حين أشار البيان الصادر بعد المكالمة الثالثة إلى أن بايدن أعرب "عن دعمه لوقف إطلاق النار"، وذلك دون أن يطالب أو يقترح وقفا لإطلاق النار، وتضمن البيان كذلك تأكيدا على ما تراه إدارة بايدن حقا إسرائيليا في الدفاع عن نفسها.

وتغيرت لهجة ولغة البيان الصادر أمس الأربعاء عن البيت الأبيض، والذي جاء عقب المكالمة الرابعة منذ بدء العدوان، وجاء فيه أن بايدن "ناقش مع نتنياهو التقدم الذي أحرزته إسرائيل في إضعاف قدرات حركة حماس ومنظمات أخرى في غزة"، وأضاف البيت الأبيض أن بايدن أبلغ نتنياهو "أنه يتوقع خفضا كبيرا للتصعيد اليوم، تمهيدا لوقف إطلاق النار في غزة".

وفي السياق ذاته، قال نتنياهو إن حكومته مصممة على استمرار العملية بغزة حتى إعادة تحقيق الهدوء والأمن على المدى الطويل.

واعتبر معلقون أميركيون أن هذه التصريحات بمثابة رد من نتنياهو على طلب بايدن خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، في حين رأى آخرون أنه تحدٍ من نتنياهو لبايدن.

دعوة بايدن لوقف التصعيد جاءت بعد 10 أيام من العدوان الإسرائيلي الذي خلّف مئات الشهداء والمصابين (الأوروبية)

تفسير موقف بايدن

وأشار ديفيد ماك المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط أن الرئيس بايدن "كان مترددا في التورط في جدل بدا كأنه سيضعه على خلاف مع بعض الأعضاء الرئيسيين في الكونغرس الذين يحتاجهم إذا كانت له أي فرصة للحصول على أولوياته الداخلية، وكان عضوا مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر وزعيم الأغلبية الديمقراطية السيناتور بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ؛ أفضل الأمثلة على ذلك".

واعتبر ماك -في حديث مع الجزيرة نت- أنه "ولحسن الحظ، ثبت أن دعم نتنياهو بين أعضاء الكونغرس -بمن فيهم العديد من الجمهوريين- أضعف مما كان يخشى بايدن، الذي لا يريد أن يُتهم بمساعدته على البقاء في السلطة، وأنه تجب محاكمة نتنياهو في الوقت الذي يرغب فيه في مواصلة هذا الصراع لأسباب سياسية أنانية خاصة به".

كذلك رأى ماك أن "تقرير هيومن رايتس ووتش الذي وصف إسرائيل بأنها تجاوزت الحدود، وأصبحت دولة "أبارتايد" (فصل عنصري)؛ صنع فارقا عند كثيرين في الكونغرس".

واستبعد السفير ماك أن يضغط بايدن على نتنياهو لدفعه لوقف العدوان فورا على غزة، ورأى أن بايدن لا يمتلك الكثير من أوراق الضغط على نتنياهو على المدى القصير، "لكن وعلى المدى الطويل يمكن للولايات المتحدة تعبئة مصر والأردن والإمارات وغيرها، والضغط على نتنياهو من خلال المؤسسات والجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وحتى معظم السياسيين الإسرائيليين الذين باتوا يحرصون على وضع مسافة بينهم وبين نتنياهو".

ورأى معلقون آخرون أن رد فعل بايدن لم يتسق في البداية مع التيار اليساري التقدمي بالحزب الديمقراطي، الذي بدأ يشعر بخيبة أمل عميقة من سياسات إسرائيل وعدوانها على المدنيين الفلسطينيين.

ولم يكن يتصور الرئيس بايدن -الذي عمل في دهاليز السياسة داخل واشنطن لأكثر من نصف قرن- أن يأتي يوم تُوصف فيه إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري داخل قاعات الكونغرس، كما جرى من جانب النائبة إلكسندريا أوكاسيو كورتيز، أو أن تُتهم إسرائيل بارتكاب "أعمال إرهابية"، كما ذكرت النائبة إلهان عمر، وفي الحالتين لم تُقابل كلمات النائبتين بمعارضة ديمقراطية واسعة النطاق.

وأسهم في هذا التطور أمران مهمان: أولهما العلاقة الحميمة التي جمعت الرئيس السابق دونالد ترامب ونتنياهو، وهو ما يُحوّل عملية دعم إسرائيل لتصبح قضية حزبية، يدعمها الجمهوريون ويعارضها الديمقراطيون. والثاني بدء تغير رؤية كثير من الديمقراطيين تجاه إسرائيل كدولة فصل عنصري.

وفي حين أن العديد من التقدميين كانوا يدافعون في السابق عن إسرائيل كديمقراطية وحيدة في منطقة خطرة، فإن معظمهم ينظرون الآن إلى الصراع من منظور قوة استعمارية تقهر السكان الأصليين الذين يحاولون مقاومة الاحتلال.

المصدر : الجزيرة