مهلة حتى الخميس المقبل.. عائلات فلسطينية مهددة بالإجلاء من حي الشيخ جراح

جذور قضية حي كرم الجاعوني بالشيخ جراح تمتد لخمسينيات القرن الماضي عندما تم بناء وحدات سكنية لـ 28 عائلة لاجئة من أراضي عام 1948، بعد تهجير الأهالي قسرا من مدن وأحياء في الداخل المحتل، وقررت الحكومة الأردنية بالتعاون مع الأونروا توطينهم في القدس مقابل تخليهم عن حقوقهم كلاجئين.

يبلغ عدد سكان الحي بأكمله 600 فرد، وصلت مؤخرا إلى 160 منهم أوامر لإخلاء منازلهم (الجزيرة)

كل شيء يبدو على حاله في حي كرم الجاعوني بالشيخ جراح في القدس باستثناء ازدحام جدران الحي بمزيد من اللافتات الرافضة للتهجير القسري، وتصاعد وتيرة التضامن الشعبي مع الأهالي هناك في الأيام الأخيرة، وخاصة بعد تداول مقاطع فيديو يظهر فيها المتطرفون يرقصون أمام منازل المقدسيين المهددين بالإخلاء.

وفي الشارع التقت الجزيرة نت بالمسن عبد الفتاح سكافي الذي مثُل وكل من عائلة الكرد والجاعوني وقاسم أمام المحكمة الإسرائيلية العليا اليوم الأحد؛ للنظر في قضية إخلائهم من الحي.

وبدا هذا المسن نحيلا وشاحبا أكثر مما كان عليه عندما التقته الجزيرة نت في الأشهر السابقة، فصوته يكاد لا يُسمع وعباراته تتردد ذاتها عندما سألناه كيف يقضي وأسرته هذه الأيام في الحي؟

وقد أجاب "نواصل الليل بالنهار ولا نذوق طعم النوم، وأحفادي متوترون جدا ومنهم من يرفض التوجه إلى المدرسة خشية ألا يجدنا في المنزل عند عودته.. أسئلتهم أقسى عليّ من طعنات السكاكين.. أتمنى لو بإمكاني حمايتهم من الإخلاء أو طمأنتهم على الأقل، لكن أعصابي تلفت في الآونة الأخيرة وأنا مقيد كبقية سكان الحي فالقانون يسند المستوطنين لا أصحاب الحق في القدس".

تجمع أهالي الحي بعد جلسة المحكمة العليا اليوم (الجزيرة)

مناشدات متجددة

وجدد سكافي -من خلال الجزيرة نت- مناشدته للملكة الأردنية بضرورة تزويدهم بأوراق رسمية تثبت ملكيتهم للأرض، وليس بأوراق تشير إلى أنهم مستأجرين لا أكثر.

وقد دفعنا الإنهاك الشديد الواضح على هذا الرجل إلى تجنب سؤاله عن المداولات التي حصلت في جلسة المحكمة العليا اليوم، فتوجهنا للمحامي المختص بقضايا أراضي القدس الشرقية حسني أبو حسين الذي رافق العائلات الأربع في جلستها اليوم بالمحكمة العليا.

وقال المحامي إن الجلسة في المحكمة العليا عقدت اليوم بعد أوامر إخلاء صدرت بحق هذه العائلات لادعاء شركة "نحالات شمعون" الاستيطانية ملكيتها للأرض، مضيفا "عارضنا قرارات المحاكم السابقة الموالية للمستوطنين؛ لذا قدمنا استئنافا للعليا لمنع إخلاء السكان".

وأشار المحامي إلى أن المحكمة العليا أوضحت موقفها بأنها غير معنية ولا تحبذ إخلاء السكان الذين يسكنون في الحي منذ خمسينيات القرن الماضي، لذلك حثّت الأطراف على التوصل لاتفاق وإعلامها بالنتيجة حتى يوم الخميس المقبل.

وبالتالي "قدمنا اقتراحا بأن نقر بعدم ملكيتنا للأرض وأن نأخذ وضعية المستأجرين المحميين مقابل تنازل المستوطنين عن طلبات الإخلاء التي تقدموا بها حتى تبت المحكمة في موضوع الملكية، وأننا مستعدون لدفع مبالغ بدل الإيجار نودعها في صندوق المحكمة، لكن رفض المستوطنون هذا المقترح".

ومع إمهال الطرفين للتوصل لاتفاق حتى الخميس أكد المحامي أبو حسين أن السكان لا يرضخون حاليا تحت خطر الإخلاء في القريب العاجل، وأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق حتى الخميس ستسمح المحكمة لأهالي الحي بالاستئناف لإلغاء قرارات الإخلاء.

المسن عبد الفتاح علق على جزئية بأن يتوصل إلى اتفاق مع المستوطنين بخصوص منزله قائلا "لا أعترف بهم، فهم دخلاء وغرباء على وطني فكيف أعترف بملكيتهم لمنزلي؟ لو هدموا المنزل فوق رأس ورأس أولادي وأحفادي لن أتخلى عنه، وأعلم أنهم يلجؤون لكل ذلك لأنهم كل أوراقهم التي قدموها للمحاكم مزورة".

اللافتات الرافضة للتهجير القسري (الجزيرة)

الأرض فلسطينية

المحلل السياسي المقدسي مازن الجعبري يرفض ضغوطات المحكمة ومحامي المستوطنين بالإقرار بأن عائلات الشيخ جراح يعتبرون مستأجرين محميين لا مالكين للأرض لأن "هذه الأرض فلسطينية وانتقلت العائلات للسكن عليها بعد اتفاق وقعته الأردن مع الأونروا لتوطين هذه العائلات مقابل التخلي عن حقوقهم كلاجئين".

وحول السيناريوهات المتوقعة في المستقبل القريب بقضية كرم الجاعوني في الشيخ جراح؛ قال الجعبري إن قرار القضاة في المحكمة العليا سيكون على الأغلب لصالح المستوطنين، لأن العائلات الفلسطينية في الحي لديها مشكلة في الحصول على الوثائق المطلوبة من الأردن.

وتطرق الجعبري للأهداف الكامنة وراء المحاولات الحثيثة لطرد أهالي الشيخ جراح قائلا "تم وضع اليد سابقا على كرم المفتي في الحي ذاته وبنوا عليه الآن وحدات استيطانية، والهدف الآن الاستيلاء على ما تبقى من الحي ليوصلوا القدس الشرقية بالغربية وربط الشيخ جراح بمشروعين استيطانيين ضخمين في وادي الجوز".

يذكر أن جذور قضية حي كرم الجاعوني بالشيخ جراح تمتد لخمسينيات القرن الماضي عندما تم بناء وحدات سكنية لـ 28 عائلة لاجئة من أراضي عام 1948، بعد تهجير الأهالي قسرا من مدن وأحياء في الداخل المحتل، وقررت الحكومة الأردنية بالتعاون مع الأونروا توطينهم في القدس مقابل تخليهم عن حقوقهم كلاجئين.

وتم اختيار هذه العائلات التي بنيت لها وحدات سكنية في كرم الجاعوني وتعاقدت الأردن مع المواطنين على دفع إيجارات لمدة 3 أعوام لتصبح المنازل بعدها ملكا لهم، وانتهت عقود الإيجار عام 1959، وبات المواطنون يتصرفون تصرف المالك في العقارات.

لكن بعد احتلال القدس عام 1967 وضم شطرها الشرقي للسيطرة الإسرائيلية، فوجئ السكان بلجنتين يهوديتين تتوجهان لدائرة الأراضي عام 1972، وتسجلان ملكيتهما لهذه الأرض التي تبلغ مساحتها نحو 18 دونما (الدونم ألف متر).

عارف حمّاد عضو لجنة وحدات سكن لاجئي الشيخ جراح، قال إن 160 فردا في الحي وصلتهم مؤخرا أوامر لإخلاء منازلهم، بينهم 46 طفلا، وينتمي هؤلاء إلى 12 عائلة مختلفة، ويبلغ عدد سكان الحي بأكمله 600 فرد.

المصدر : الجزيرة