في الذكرى الـ73 للنكبة.. القدس تعيش نفس التهجير والاحتلال بأدوات أكثر شراسة

تسعى إسرائيل لحسم الديمغرافيا لصالح اليهود بالقدس بوسائل عدة أبرزها الهجرة اليهودية والزيادة الطبيعية والانتشار السكاني والاستيطان للوصول إلى معادلة الأغلبية اليهودية لبسط السيطرة والسيادة عليها

مستوطنة أرنونا المقامة على أراضي قرية باهر جنوب القدس (الجزيرة نت) 

لا ينتظر المقدسيون حلول الخامس عشر من شهر مايو/أيار كل عام لإحياء ذكرى النكبة لأنهم يعيشونها يوميا، إذ تضيق فسحة عيشهم بالمدينة مع تصاعد الإجراءات الإسرائيلية التعسفية الرامية لتهجيرهم منها وحصرهم في تجمعات قليلة مفتتة جغرافيا.

ويرى الباحث في جمعية الدراسات العربية مازن الجعبري أن القدس تمثل قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثل بالسيطرة على الجغرافيا والديمغرافيا، فالاستعمار الإسرائيلي استخدم وما زال يستخدم الأدوات المختلفة لإحداث تغييرات جيوسياسية وجيوديمغرافية من خلال تجنيد كل طاقاته وإمكانياته للسيطرة على الجغرافيا وتشكيل الديمغرافيا وفقا لسياساته الاستعمارية.

وأضاف الجعبري "كان احتلال الجزء الغربي من القدس عام 1948 وتدمير 39 قرية بلغ عدد سكانها حوالي 97 ألفا و950 نسمة، والاستيلاء على 38 كيلومترا مربعا ليس فقط بسبب الصراع المباشر، بل كانت أيضا بسبب السياسات الاستعمارية الإثنية العرقية والعنصرية التي اتبعتها الحركة الصهيونية، حيث تم تجنيد هذه السياسات للتحكم بالحيز والسيطرة على الأرض والسكان".

أصحاب الأراضي في صور باهر ينظرون إلى المستوطنة التي تبتلع أراضيهم وأخرى ستقام بجوارها (الجزيرة نت)

ووفق هذه السياسات ما زالت إسرائيل -وفقا للجعبري- تخطط ليس فقط للوصول إلى أقلية عربية في القدس تشكل 30% من سكان المدينة، بل تسعى إلى تشتيت هذه النسبة في خواصر فقر اجتماعية واقتصادية مهمشة في الحيز الجغرافي.

وتسعى إسرائيل لحسم الديمغرافيا لصالح اليهود بالمدينة بوسائل عدة أبرزها الهجرة اليهودية والزيادة الطبيعية والانتشار السكاني والاستيطان للوصول إلى معادلة الأغلبية اليهودية لبسط السيطرة والسيادة.

يقول الجعبري "لعل الاستيطان هو الأهم لأنه يعكس حيوية مسيرتها وربما تكون إسرائيل قد نجحت في ذلك إلى حد كبير، حيث أشارت إحصاءات عام 2018 إلى أن عدد السكان اليهود في القدس بلغ 569 ألفا و900 نسمة أي ما نسبته 62%، بينما بلغ عدد العرب 349 ألفا و500 نسمة يشكلون ما نسبته 38% من سكان القدس".

وتطرق إلى خطورة تسهيل هجرة المقدسيين إلى الأحياء الواقعة خلف الجدار العازل دون خسارة حقهم في الإقامة، وهناك يقيم المقدسيون في بنايات سكنية عشوائية يعيش فيها أكثر من 50% من حملة الهوية الزرقاء، "فمن جهة تخلصت إسرائيل من جزء كبير من السكان، ومن جهة أخرى عملت على تشكيل الجغرافيا لتخدم أهدافها الديمغرافية في القدس".

مازن الجعبري: لا يمكن فصل ما يجري في القدس اليوم عما جرى في عام 1948 (الجزيرة نت)

حسم الديمغرافيا لصالح اليهود

وأكد الجعبري أنه لا يمكن فصل ما يجري في المدينة اليوم عما جرى في عام 1948 حين واجهت المدينة احتلالا وتهجيرا لشطرها الغربي تمثل بتدمير قراها وتشريد كل سكانها الذين كانوا يمثلون ما نسبته 40% من مجمل عدد السكان وبعد عام النكبة لم تتعد نسبتهم 1.5% فقط من عدد السكان حتى عام 1967.

وختم الجعبري حديثه عن التغيرات الديمغرافية بالقدس بالقول إنه بالنظر إلى التحولات الديمغرافية منذ عام 1922 حتى عام 2016، يُلاحظ أن اليهود ارتفع عددهم منذ عام 1922 من 33 ألفا و900 نسمة إلى 550 ألفا و100 نسمة عام 2016، بينما ارتفع عدد الفلسطينيين من 28 ألفا و600 نسمة عام 1922 إلى 332 ألفا و600 عام 2016، والنقطة الحاسمة كانت التطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948.

ويعيش في القدس الآن حوالي 952 ألف نسمة بين يهود، وعرب ما زالوا يشكلون ما نسبته 38% من مجمل عدد السكان حسب معطيات معهد القدس للدراسات السياسية.

مستوطنة أرمون هنتسيف المقامة على أراضي بلدة جبل المكبر جنوب الأقصى (الجزيرة نت)

وفي إجابته عن سؤال كيف تصف حال القدس بعد 73 عاما من النكبة؟ قال الجعبري إن القدس كانت ضحية الاستعمار الإسرائيلي العنصري الذي أقام دولته على نكبة شعب كامل من أجل تحقيق حلمه التوراتي في فلسطين.

وأضاف أن القدس التي تعرضت للتمزيق عام 1948 وهُجّر سكانها ما زالت تواجه الآلة الاستعمارية بعد احتلال شطرها الشرقي عام 1967، فالإستراتيجية هي ذاتها احتلال أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان واستخدام جملة من السياسات والإجراءات للتحكم في الديمغرافيا لصالح المستوطنين الجدد.

ومن تلك السياسات والإجراءات مصادرة الأراضي وتقليل المساحات الحضرية للفلسطينيين (13%) وإقامة الجدار العازل لرسم حدود البلدية، فضلا عن إبعاد الأماكن الحضرية الفلسطينية خارج الجدار في حيز هامشي دون خدمات وأمان حيث يعيش حوالي 140 ألف فلسطيني ممن يحملون الهوية المقدسية في هذه الخواصر.

ورغم كل ما تمر به المدينة وسكانها منذ 73 عاما فإنها ما زالت تقاوم واستطاعت الحفاظ على أغلبية سكانية في البلدة القديمة، والصراع مستمر على كل ذرة من القدس خاصة هويتها السياسية العربية والثقافية التي استطاع الفلسطيني حتى الآن الحفاظ عليها أمام موجات التزييف وقلب الحقائق ورسم أسطورة توراتية خرافية لإقامة كيان غاصب.

صب لبن: أكثر من 57 ألف وحدة استيطانية بنيت في القدس منذ احتلالها حتى اليوم (الجزيرة نت)

عام الاستيطان الشرس

الباحث المتخصص في شؤون الاستيطان أحمد صب لبن وصف العام الأخير بعام الاستيطان الشرس في البلدة القديمة ومحيطها إذ صعدت الجمعيات الاستيطانية وعلى رأسها "العاد وعطيرت كوهنيم" من محاولات الاستيلاء على عقارات القدس من خلال التوجه للمحاكم الإسرائيلية وتسريب العقارات والسيطرة عليها.

ويهدد خطر الإخلاء نحو 300 منزل فلسطيني سواء في حي بطن الهوى ببلدة سلوان أو في حي الشيخ جراح، بالإضافة لما كشفته سلطات الاحتلال مؤخرا عن إفساح المجال لتسجيل الأراضي لصالح اليهود في القسم الغربي من الشيخ جراح بادعاء أنهم يملكون أراضي في المنطقة قبل عام 1948.

ويمثل الإجراء الجديد وفقا لصب لبن تغييرا جذريا ونوعيا في سلسلة الصراع مع الاحتلال، فلأول مرة منذ احتلال شرقي المدينة يفتح المجال لتسجيل أراض وبالتحديد في المناطق الحساسة التي تحاول الجمعيات الاستيطانية السيطرة على عقارات فيها.

مجموعة من المستوطنين المتطرفين أثناء تنظيمهم لمسيرة في البلدة القديمة بالقدس (الجزيرة نت)

وفي الآونة الأخيرة أكد الباحث المقدسي أن خبر تسريب بنايتين وقطعة أرض في الحارة الوسطى بسلوان لصالح المستوطنين كان الخبر الأقسى على سكان المدينة، خاصة أن هذه البنايات شُيدت دون استصدار تراخيص بناء وسُهّل لها ذلك، بينما هدمت سلطات الاحتلال العام الماضي 197 منزلا في القدس بحجة عدم الترخيص.

وأشار صب لبن إلى أن عام 1999 شكل نقطة تحول مهمة في إستراتيجية الجمعيات الاستيطانية بالسيطرة على عقارات القدس.

يقول "حتى ذلك العام تركز الاستهداف داخل البلدة القديمة لكن بعد تفاهمات كلينتون التي نصت على أن كل ما هو فلسطيني في القدس يبقى فلسطينيا والعكس، نشطت الجمعيات الاستيطانية فورا في محيط البلدة القديمة فيما تطلق عليه اسم "الحوض المقدس" وركزت على زرع بؤر استيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية، وبات يسكنها الآن 5 آلاف مستوطن".

وحول التوسع الاستيطاني في المدينة أوضح صب لبن أنه تم مؤخرا المصادقة على توسيع مستوطنة جبل أبو غنيم بمخطط جديد أطلق عليه مستوطنة "هار حوماه الغربية"، إذ سيتم بناء ألفي وحدة استيطانية جديدة تضاف إلى 7 آلاف وحدة تجثم على جبل أبو غنيم حاليا.

منازل الفلسطينيين في بيت حنينا وبالقرب منها تظهر مستوطنة بسغات زئيف المقامة على أراضي البلدة (الجزيرة نت)

يضاف إلى ذلك المصادقة على بناء 2800 وحدة جديدة في مستوطنة "جفعات همتوس"، وبتشييد الوحدات الجديدة سيغلق الممر الأخير الذي يربط القدس بجنوب الضفة الغربية، وستشكل هذه الوحدات حزاما عازلا يعزل القدس بشكل كامل عن محيطها الجغرافي في المنطقة الجنوبية.

أما شمال القدس فمن المتوقع أن تتم المصادقة في المستقبل القريب على بناء 10 آلاف وحدة استيطانية في منطقة "عطروت" ليتم عزل القدس عن شمالي الضفة الغربية بشكل كامل.

ووفقا لصب لبن فإن عدد الوحدات الاستيطانية في القدس يزيد على 57 ألف وحدة بنيت في المدينة منذ احتلالها حتى اليوم، ويقطنها نحو 220 ألف مستوطن.

المصدر : الجزيرة