المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي وجولة المهام الصعبة

في الأغلب إن جولة المبعوث الأميركي الحالية للقرن الأفريقي هي جولة للاستكشاف والتعرف على مستويات الخلافات بين دول المنطقة، وتحديد الفجوات بين أطراف النزاع حتى يتمكن من طرح الحلول الممكنة قبل انزلاقها إلى مستوى الحروب الشاملة والفوضوية.

مهمة ليست سهلة تنتظر المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان (رويترز)

عندما عيّن السفير الأميركي المخضرم ياماموتو -الذي عمل سفيرا في أغلب دول منطقة القرن الأفريقي- سفيرا في الصومال قبل عامين تقريبا، ذهبت تحليلات الخبراء إلى أنه توجه أميركي بالاهتمام بمشاكل منطقة القرن الأفريقي، والسعي إلى الإسهام في حلّها.

إلا أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لم يكن في أولوياتها شيء من هذا، وتداركت إدارة بايدن الأمر بتعيين أحد السفراء المخضرمين، وهو جيفري فيلتمان الذي عمل في الخارجية ما يربو على ربع قرن من الزمان. فهل تسعفه الأوضاع المتفاقمة في نزع الفتيل أم يستحيل الفتق على الراتق؟

  • ما الملفات الملحّة في جولة فيلتمان؟

تتوالد الأزمات في منطقة القرن الأفريقي، وتزداد تعقيدا بالتدافع الإقليمي والدولي عليها، فما الملفات الملحّة التي يحملها فيلتمان؟

  • قضية سد النهضة.
  • أزمة إقليم تيغراي.
  • أزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا.

وغيرها من الملفات الأقل إلحاحا في الوقت الحالي، والمثير هنا أن الملفات الثلاثة لا تنفك عن بعضها بعضا، ولا يستطيع أحد أن يعالجها منفردة، إذ يأخذ بعضها بتلابيب بعض كما يقال، وهو ما يجعل من المهمة غير مواتية بسهولة، ولكنها تبقى قابلة للتوصل إلى حلول مرضية، إذا بذلت الجهات المعنية الجهد المطلوب، لتجنيب المنطقة دوامة الاحتراب والاضطراب المستمر.

وفي الأغلب فإن جولة المبعوث الأميركي الحالية للقرن الأفريقي هي جولة للاستكشاف والتعرف على مستويات الخلافات، وتحديد الفجوات بين أطراف النزاع حتى يتمكن من طرح الحلول الممكنة قبل انزلاقها إلى مستوى الحروب الشاملة والفوضوية.

  • ما الأزمة المفتاحية في المنطقة؟

تبرز أزمتا سد النهضة والتيغراي باعتبارهما أزمتين عابرتين للدول، وتتسببان في توترات أخرى، فلذا زار المبعوث القاهرة أكثر من مرة، وسيكرر زيارته مرارا في الأيام المقبلة.

وعلى الرغم من أن أزمة التيغراي تعدّ حديثة بالمقارنة مع أزمة السد فإنها تجاوزتها لدخول عناصر أخرى أدّت دورا في تأزيمها، فيتضح أن النجاح في ملف سد النهضة يعدّ ممهدا لتهدئة ملف إقليم تيغراي، وسيكون صعبا جدا على المبعوث والوسطاء الآخرين البدء بطرح حلول للملفات الأخرى دون حسم ملف سد النهضة.

  • فيلتمان في أسمرا.. ما الرسالة؟

يزور فيلتمان أسمرا بعد مطالبات قوية من الولايات المتحدة بانسحاب الجيش الإريتري من إقليم تيغراي ورفض أسمرا سحب جيشها، في ظل تفاقم الأوضاع بتهجير مليوني إنسان، ووجود 4.5 ملايين مواطن على حافة المجاعة، وانسداد الأفق على المستوى الداخلي، وعلى الرغم من وجود ملفات إريترية لا حصر لها كان يمكن مناقشتها، فإن الملف الملح هو ملف التيغراي.

اللقاء استغرق 4 ساعات ولم ترشح أي معلومات غير تصريح وزير الإعلام الإريتري الذي أشار إلى استعداد إريتريا للتعاون مع الولايات المتحدة في حل مشكلات المنطقة، ما فهم منه موافقة إريتريا على الانسحاب من التيغراي.

  • في محطة الخرطوم.. ما أبرز الملفات المطروحة؟

على الرغم من صعوبات الوضع الانتقالي في السودان، فإن له دورا مهما في الملفات الساخنة في المنطقة، إذ إن الأزمة الظاهرة بين السودان وإثيوبيا هي ملف الفشقة الحدودي، فالسودان حاضر بقوة في الملفات الإثيوبية الأخرى.

وقد أكد السودان للمبعوث الأميركي موقفه الصارم بشأن الخلاف الحدودي مع إثيوبيا، ووجوب التزام إثيوبيا اتفاقا ملزما بشأن سد النهضة، وهو ما تعدّه إثيوبيا حديثا بالإنابة عن طرف ثالث، بسبب اتساق موقف السودان مع مصر في عدد من القضايا، على رأسها قضية سد النهضة، ومن ثم يعرف المبعوث أن مواقف الخرطوم ستسهم في حل المشكلات وقبلها تهدئة الأوضاع.

  • نفاد الخيارات.. ما فرص المبعوث في القاهرة؟

يصل فيلتمان إلى القاهرة في وقت تحسّ فيه مصر بأنها قد استفرغت كل الجهود الدبلوماسية والسلمية، وخاطبت كل المنابر التي يعنيها الأمر، وبلغ خطاب القاهرة مستوى متقدما في طرح خيارات التعامل مع ما تعتقده مهددا وجوديا لها، في ظل رفض إثيوبيا كل المقترحات المحايدة، وإعلانها عزمها تنفيذ الملء الثاني دون اكتراث.

ومن ثم فإن رؤية مصر للحل قد تكون مفتاحا مهما للمبعوث في فهم طبيعة الخلاف على سد النهضة وعمقه، فرسالة القاهرة كانت واضحة بهذا الشأن، ويتوقف الأمر على ما ستطرحه الوساطة في الجولات الآتية.

  • أديس أبابا.. أي من الأزمات الكثيرة سيبحث المبعوث أولا؟

تعجّ أديس أبابا، مقرّ الدبلوماسية الأفريقية، بعدد وافر من الأزمات، وربما كانت التوقعات في غير محلها عندما اعتقد الإثيوبيون، ومن حولهم من شعوب المنطقة، أن آبي أحمد يحمل فجر الخلاص من دوامة الأزمات في بلد الأزمات، ولكن الأحوال تدهورت بصورة لم يتوقعها أحد.

فالأوضاع في إقليم تيغراي تدهورت نحو الأسوأ، وتوسعت رقعة المواجهات في إقليم الأورومو، وازدادت قوة المعارضة في إقليم بني شنقول، فضلا عن أزمة السد المفتوحة منذ 2015، فكيف سيرتب المبعوث كل هذه الملفات التي تشد بعضها بعضا. لا شك أن فيلتمان سيضع ملف السد في المقدمة، تليه أزمة إقليم تيغراي، مع حث المؤسسات الدولة والإقليمية على المشاركة الإيجابية في الأزمات الإثيوبية، خصوصا أن لدى الإدارة الأميركية مخاوف كثيرة من تحول إثيوبيا إلى النموذج السوري أو اليوغسلافي إذا لم يتم تداركها.

  • ما آفاق نجاح فيلتمان في مهمته؟

ينطلق مبعوث الولايات المتحدة الأميركية فيلتمان في جولته من تصريح وزير الخارجية الأميركي الذي أكد فيه التزام واشنطن قيادة جهد دبلوماسي متواصل لمعالجة الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية المتداخلة في القرن الأفريقي، قبل أن تتحول إلى صراع عسكري يهدد المنطقة بأكملها، وهو توصيف مهم.

ولكن تبقى كلمة السر في مستوى فهم الإدارة الجديدة في البيت الأبيض لطبيعة ومستوى تعقيد العلاقات البينية وتداخلاتها في المنطقة، وتبدو مهمة المبعوث المخضرم ليست صعبة إذا توفرت الإرادة والدوافع الكافية في دفع أطراف النزاع للوصول إلى النقاط المشتركة، بخاصة أن 3 دول من أطراف الأزمات هم حلفاؤها، بل تحت رعايتها ما عدا إريتريا التي ظلت تتهم الولايات المتحدة بانحيازها لخصومها السابقين في التيغراي.

المصدر : الجزيرة