بعد التخندق شرقا.. ما الذي دفع مصر إلى دخول ليبيا من الغرب؟

المباحثات المصرية الليبية شهدت توقيع العديد من مذكرات التفاهم والتعاون بين الطرفين (الفرنسية)

بعد التخندق في الشرق ورسم الخطوط الحمراء دعما للجنرال المتقاعد خليفة حفتر؛ قررت مصر مؤخرا التخلي عن نهجها ودخول ليبيا عبر حكومة الوحدة الوطنية بالعاصمة طرابلس (غربي البلاد).

وأدى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي زيارة عمل للعاصمة الليبية طرابلس أمس الثلاثاء، على رأس وفد ضم 11 وزيرًا والعديد من رجال الأعمال. وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ 2010.

وقال مدبولي إن الزيارة تهدف إلى "إعطاء رسالة واضحة على دعم ليبيا ودعم حكومة الوحدة الوطنية في سبيل نجاحها في إتمام مهامها التاريخية تجاه الوضع في ليبيا".

وتكللت الزيارة بالتوقيع على 11 مذكرة تعاون في مجالات مختلفة، مثل: المواصلات والنقل والصحة والكهرباء والاتصالات، وتنظيم ملف العمال المصريين.

كما اتفق الجانبان على بدء التحضير للاجتماعات المقبلة للجنة العليا المشتركة بين مصر وليبيا، والتي لم تنعقد منذ 2009، وعودة حركة الطيران المدني بين البلدين، والعمل على إعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس المغلقة منذ عام 2014.

زيارة اقتصادية

وحسب مراقبين تحدثوا للجزيرة نت، فإن البعد الاقتصادي هيمن على الزيارة، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن التفاهمات المصرية-التركية الأخيرة بشأن الأزمة الليبية سرعت وتيرة الزيارة "الثقيلة"، التي تهدف إلى فتح الأبواب أمام الشركات المصرية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، بالتوازي مع العملية السياسية التي تدعمها القاهرة.

وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن الزيارة تأتي في سياقها الطبيعي بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة.

واعتبر -في حديث للجزيرة نت- أن الزيارة من شأنها رسم خريطة للعلاقات بين مصر وليبيا، ورسم ملامح التعاون في كافة المستويات، حيث إن "عنوانها الرئيسي الاقتصاد، لذلك رأينا هذا الكم من الوزراء، ومن المهم لمصر التواجد في ملفات إعادة إعمار ليبيا، وإعادة العمالة المصرية، وتسيير حركة التجارة".

ولكن عبد المطلب رهن الوصول لهذه النتائج بتحقيق استقرار داخلي في ليبيا والانتهاء من الفترة الانتقالية.

وأردف "أعتقد أن الشركات المصرية هي الأقرب والأجدر للحصول على عقود كبيرة في العديد من المجالات والمشروعات والقطاعات الحيوية، ومن المهم تنظيم عمل وعودة العمالة المصرية، وبالمناسبة هي لا تزال موجودة في ليبيا وإن كانت بأعداد أقل".

وحسب تقديرات مصرية، فإن السوق الليبي ستحتاج لمليون عامل مصري، مع إعادة فتح الطيران وعودة حركة العمالة المنتظمة بين البلدين.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة قدرت في نهاية عام 2013 أن يكون عدد المصريين الذين يعملون في ليبيا بما بين 700 ألف و1.5 مليون.

رئيس الحكومة الليبية (يمين) ونظيره المصري عقدا مؤتمر صحفيا بطرابلس وتعهدا بتطوير علاقات بلديهما (الفرنسية)

التخلي عن الإمارات

أما الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف، فاعتبر أن الزيارة "مشهد إيجابي غير معهود ناتج عن رؤية بعض العقلاء في النظام المصري بضرورة التعاون مع تركيا في موضوع الأزمة الليبية بشكل سلمي وسياسي، وغيرها من الملفات بدل التورط في صراع مسلح لا طائل من ورائه"، مشيرا إلى أن "ما حدث هو أشبه بفك الارتباط عن التوجه الإماراتي".

وأضاف للجزيرة نت أنه بعد سنوات من التورط في النزاع المسلح من قبل الإمارات، أدركت مصر أن عليها تغيير نهجها ودعم المسار السلمي للأزمة، والاستفادة بقوة من إعادة الإعمار في ليبيا التي دمرتها الحرب، "وهو ما توفر لها بعد التعاون مع تركيا بشكل بناء".

ويرى يوسف أن الزيارة رضوخ لصوت العقل في نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "الذي يدعو للاستقرار في المنطقة وفتح آفاق التعاون في كافة المجالات بين مصر وليبيا".

ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي إن "هناك حالة من عدم الاستقرار السياسي الحقيقي في ليبيا، رغم وجود عدد من الإجراءات الدافعة نحو التسوية السياسية، كما أن الأشهر الأخيرة شهدت مزيدا من الحضور السياسي المصري في الغرب الليبي، بعد أن كان التركيز خلال السنوات السبع الماضية على الشرق ودعم الجنرال المنشق خليفة حفتر".

ورقة قائمة

لكن ما يجب التأكيد عليه هو إشكالية عدم استقلالية عملية صنع السياسة الخارجية للنظام الحاكم في مصر، ورهن إدارته لهذه السياسة لعدد من الأطراف الإقليمية، بما يؤثر على مصداقية مقاربته للملف الليبي، حسب تعبيره.

ويرى أن ورقة حفتر وداعميه ما زالت قائمة وتشكل تهديدا حقيقيا للتسوية في ليبيا، والنظام في مصر ليس بعيدا عنها.

لكن "هذا الوضع لا ينافي البعد الاقتصادي في التحرك الحالي للنظام في مصر تجاه ليبيا، والدليل هذه الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها أثناء الزيارة، خاصة أنها مع حكومة شرعية، وبالتالي يمكن الاستناد إليها مستقبلاً في ملف إعادة الإعمار، في حال تم التوافق الحقيقي دوليا على ذلك".

وتابعت وسائل الإعلام المصرية زيارة الوفد باهتمام كبير، وسط ترحيب سياسي وبرلماني؛ باعتبارها ثمرة جهود الدولة في إرساء الاستقرار في ليبيا ونقطة تحول جديدة في العلاقات بين البلدين.

وفي تصريحات صحفية، قال عضو مجلس الشيوخ ياسر الهضيبي إن زيارة مدبولي تعكس المنظور المصري للتعامل مع الملف الليبي بشكل عام.

المصدر : الجزيرة