من الإسرائيلي الذي استعان به جنرالات ميانمار لتحسين صورتهم بأميركا؟

آري بن ميناشي ضابط سابق بالاستخبارات الإسرائيلية ويدير شركة ضغط كندية لجأ إليه عدد من القادة لتلميع صورتهم في الولايات المتحدة وأوروبا، ومن هؤلاء قادة الانقلاب العسكري في ميانمار

آري بن ميناشي عمل سابقا ضابطا بالاستخبارات الإسرائيلية وأسس شركة علاقات بكندا عملت على تلميع صورة عدد من القادة (مواقع التواصل)

قال عضو "اللوبي" (مجموعة ضغط) الإسرائيلي الكندي الضابط السابق بالموساد آري بن ميناشي، الذي استعان به القادة العسكريون للانقلاب في ميانمار؛ إن هؤلاء القادة يريدون ترك السياسة وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والنأي بأنفسهم عن الصين.

وفي معرض دفاعه عن القادة العسكريين، قال بن ميناشي إن زعيمة المعارضة في ميانمار أونغ سان سوتشي التي أطاح العسكر بحكومتها في الأول من فبراير/شباط الماضي حاولت التقرب من الصين، وذلك خلافا لرغبة جنرالات الجيش، الأمر الذي أثار حفيظتهم واستياءهم.

ويرجح بن ميناشي -المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية- أن جنرالات ميانمار حريصون على ترك السياسة بعد انقلابهم، ويسعون إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والنأي بأنفسهم عن الصين، وفقا لتصريحات أدلى بها لوكالة رويترز.

وأكد أن جنرالات ميانمار كلفوه هو وشركته "ديكنز آند مادسون"، ومقرها كندا، للمساعدة في التواصل مع الولايات المتحدة والدول الأخرى، التي قال إنها "أساءت فهمهم"، كما أوضح أن حكومة زعيمة المعارضة أونغ سان ميانمار باتت قريبة جدا من الصين لدرجة لا تعجب الجنرالات.

Anti-coup protests continue in Myanmar
مظاهرات ضد الانقلاب العسكري في ميانمار (الأناضول)

بن ميناشي والجيش الإسرائيلي

هاجر آري بن ميناشي (69 عاما) إلى إسرائيل في مطلع ستينيات القرن الماضي في سن مبكرة من إيران، حيث ولد في العاصمة طهران لوالدين يهوديين من أصول عراقية، وبسبب إجادته اللغة الفارسية خدم مترجما فوريا في الجيش الإسرائيلي.

وفي السبعينيات وأوائل الثمانينيات انخرط في الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، ولاحقا في وحدة العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي.

وبعد أن أنهى بن ميناشي خدمته العسكرية لجأ إلى الأعمال التجارية الخاصة، وحاول في النصف الثاني من الثمانينيات بيع أسلحة أميركية لإيران، وتشير تقارير إلى أنه كان ضالعا في صفقة "إيران كونترا" عام 1986.

صفقات أسلحة واعتقال بأميركا

واعتقل في الولايات المتحدة عام 1992 بتهمة التورط في بيع طائرات عسكرية لإيران عام 1989، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وفي نهاية المطاف برأته محكمة في نيويورك من التهم الموجهة إليه.

وبعد إطلاق سراحه، أصبح بن ميناشي مصدرا للعديد من كبار الصحافيين والباحثين بأميركا، حول الأحداث في إيران وأجهزة المخابرات الإسرائيلية.

بين أستراليا وكندا

أصدر بن ميناشي العديد من الكتب حول عدد من الملفات، وظهر بوصفه شاهدا وخبيرا أمام العديد من لجان التحقيق في الكونغرس.

وبعد دحض الكثير من معلوماته بالولايات المتحدة، انتقل بن ميناشي إلى أستراليا عام 1993، ولكنه طُرد منها بعد رفض طلبه باللجوء السياسي.

انتقل بعد ذلك إلى كندا، وهناك عُرف بأنه الشخص الذي يقف وراء حملة رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي ضد خصومه من المعارضة وتثبيته في الحكم حتى تنحيه عام 2017.

وخلال وجوده بكندا، ترأس بن ميناشي شركة استشارية "ديكنز آند مادسون"، وهي شركة علاقات وظيفتها تقديم خدمات لعدد من البلدان حول العالم، ومعظمها في أفريقيا وآسيا.

خدمات واستشارة لحكام أفارقة

في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وحسب ما نقلته صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية على لسان بن ميناشي، كانت تل أبيب -التي تدهورت علاقاتها مع معظم أنحاء أفريقيا- حريصة على إيجاد قناة مع رئيس زيمبابوي موغابي الذي لم يتسامح مع إسرائيل، ويرجع ذلك جزئيا إلى الدور المشكوك فيه الذي لعبته تل أبيب في تمديد حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، حيث تم انتدابه من قبل الموساد للوساطة لدى موغابي.

وقدم بن ميناشي على مدار عقدين من الزمن خدمات لموغابي، وكذلك قال إنه قدم الخدمات الاستشارية للمجلس العسكري السوداني، الذي تولى السلطة إثر الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، لكنه رفض بشكل قاطع الكشف عن طبيعة هذه الخدمات.

2019 Moscow Conference on International Security
قائد الانقلاب العسكري مين أونغ هلينغ سبق أن زار إسرائيل عام 2015 ووقع اتفاقات لتوريد أسلحة (الأناضول)

صفقات أسلحة مشبوهة

وورد اسم بن ميناشي، وفقا للمحلل العسكري يوسي ميلمان، في وسائل الإعلام الدولية في سياق صفقات أسلحة مشبوهة وتقديم استشارة سياسية لدكتاتوريين في أفريقيا.

وأوضح ميلمان أن وسائل إعلام كندية كشفت عن أن أحد شركاء بن ميناشي كان قبل 10 سنوات محتالا دوليا ومطلوبا للقضاء الأميركي بتهمة الاحتيال، وتم الكشف عن صفقة أخرى مشبوهة في كندا كانت مرتبطة بطبيب كندي من أصل سيراليوني، حيث حاول الاثنان تقديم صفقة أسلحة بقيمة 120 مليون دولار إلى دول أفريقية.

إسرائيل وميانمار

ويعتقد رئيس قسم الأخبار الدولية في موقع "والا" الإلكتروني الإسرائيلي غاي الستير أن المجلس العسكري في ميانمار -الذي تربطه علاقات وطيدة بإسرائيل- يتجه فعلا للابتعاد عن الصين والانفتاح على أميركا والغرب، وقد تكون علاقاته المميزة مع إسرائيل عاملا مساعدا له في ذلك.

وذكر أن العلاقات بين إسرائيل وميانمار تعززت أكثر في عام 1988، بعد الانقلاب والاستيلاء على السلطة من قبل المجلس العسكري الذي حكم البلاد حتى عام 2010، وفعليا حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وتميزت هذه الفترة بتكثيف تبادل زيارات الوفود الأمنية والعسكرية بين البلدين.

ومباشرة بعد الانقلاب، يقول الصحفي الإسرائيلي إنه "تم فرض حظر أوروبي على ميانمار، التي انضمت إليه الولايات المتحدة لاحقا، حيث توجه المجلس العسكري، الذي كان يبحث عن موردي أسلحة جدد للجيش والشرطة إلى إسرائيل، وفي أغسطس/آب 1989، وصلت سفينتان إلى ميانمار كانتا محملتين بأسلحة إسرائيلية، بما في ذلك صواريخ 55 مليمترا مضادة للدبابات وقاذفات قنابل 40 مليمتر، وهذه كانت بداية الصفقات".

علاقات وصفقات

وعن طبيعة العلاقة التي تربط بين إسرائيل وميانمار، تحدث المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار آيخنر بالقول "تركزت العلاقة في الأساس حول المساعدة الإسرائيلية في مجالات الأمن والزراعة والصحة والابتكار".

وقبل الانقلاب العسكري بأشهر -كما يقول الصحفي الإسرائيلي- "توسعت القنوات التجارية الجديدة بين الجانبين، بإقامة هيئة وغرفة تجارية رائدة، حيث تم اتخاذ هذه الخطوة بالتعاون مع السفارة الإسرائيلية في يانغون العاصمة الاقتصادية لميانمار".

وأوضح آيخنر أن هدف الغرفة التجارية المشتركة يتمثل في مضاعفة التجارة المحدودة بين البلدين بـ3 أضعاف، حيث تبلغ حاليا 4 ملايين دولار سنويا، مع التركيز على الزراعة والصحة والمساعدة في إنشاء بيئة ابتكار في ميانمار، وبدأت الاتصالات مع الشركات الإسرائيلية بدعم من قسم الاقتصاد بوزارة الخارجية.

أميركا وأوروبا

وعزا آيخنر تدشين الغرفة التجارية المشتركة إلى توقع إسرائيل بأن اهتمام العديد من الدول الأوروبية وأميركا ومجتمع الأعمال الدولي بميانمار سيكون كبيرا، لدرجة أن التوقعات ترجح أنها ستكون النمر الآسيوي القادم في جنوب شرق آسيا.

وأشار إلى أن إسرائيل وميانمار، حافظتا على علاقات دبلوماسية وثيقة منذ عام 1953، وفي عام 1955 قام رئيس وزراء ميانمار أونو الذي كان رئيس أول دولة آسيوية تعترف بإسرائيل بزيارة تل أبيب، وفي عام 1961 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون ميانمار.

ومنذ الستينيات، يقول آيخنر "زودت إسرائيل ميانمار بالأسلحة، لكن ومنذ عام 2018 توقفت تل أبيب عن تقديم المساعدة الأمنية تماشيا مع قرار حظر دولي على ميانمار بسبب اتهامها بارتكاب جرائم حرب ضد أقلية الروهينغا المسلمة.

المصدر : الجزيرة