في الذكرى الـ33 للفاجعة.. تعرف على القصة الكاملة لقصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية

قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية خلّف آلاف القتلى معظمهم من النساء والأطفال

اعتبرت هذه الصورة لرجل مسن يدعى عمر خاور وهو يحتظن حفيده لانقاذه اثناء وقوع القصف
رجل مسن يحتضن حفيده لإنقاذه أثناء وقوع القصف على حلبجة (مواقع التواصل)

دقائق قلائل كانت كافية لتكتب حياةً جديدة لزانا أحمد على عكس ما حصل مع أبيه وشقيقه الأكبر اللذين دُفنا في حفرةٍ كبيرة تحوّلت لمقبرة جماعية لم يعرف مكانها بعد، وتضم أشلاءً لـ1500 شخص من الشيوخ والنساء والأطفال أسكتتهم صواريخ الأسلحة الكيميائية عند الساعة 11:20 دقيقة من صباح يوم 16 مارس/آذار عام 1988 بمدينة حلبجة في إقليم كردستان العراق.

زانا احمد الجزيرة
زانا أحمد فقد والده وشقيقه في قصف حلبجة (الجزيرة)

ابتسامة الوداع

غادر زانا مدينته قبل قصفها برفقة خالته متوجها إلى السليمانية، لكنه لم يعرف بأنّ ابتسامته بوجه أبيه ستكون الأخيرة، ولن تبقى له من أخيه إلا ذكريات اللعب فوق السطح، "سمعنا أنه تم دفن أبي أحمد علي الذي كان عمره 46 عاما وشقيقي الأكبر جواد أحمد الذي كان عمره 16 عاما داخل حفرة كبيرة حفرها أحد الصواريخ الذي سقط بإحدى المناطق مع جثث 1500 شخص من الشيوخ والنساء والأطفال من قبل المسلحين الأكراد، إلا أننا لم نعثر على المقبرة حتى الآن".

قتل القصف الكيميائي في الأشهر الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) أكثر من 5 آلاف شخص من أهالي المدينة، أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وأصيب 7 آلاف – 10 آلاف آخرين، ومات آلاف من المدنيين في السنة التي تلت القصف نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخلقية، وما يزال الكثير من عوائل الضحايا تحاول العثور على جثث أطفالها وشيوخها ورجالها الذين فقدوا أثناء القصف.

واعتبر الهجوم الكيميائي بأنّه الأكبر الذي وُجّه ضد سكان مدنيين من عرقٍ واحد حتى اليوم، وهو أمر يتفق مع وصف الإبادة الجماعية في القانون الدولي والتي يجب أن تكون موجهة ضد جماعة أو عرق بعينه بقصد الانتقام أو العقوبة.

مدونات - حلبجة الكرد مذبحة الأنفال
آلاف الأكراد قتلوا في قصف حلبجة (رويترز)

إبادة جماعية

حكمت محكمة هولندية في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 2005 على فرانس فان رجل الأعمال الذي اشترى المواد الكيميائية من السوق العالمية وقام ببيعها لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالسجن 15 عاما.

وقضت المحكمة الهولندية أن صدام ارتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد سكان حلبجة، وكانت هذه المرة الأولى التي تصف محكمة هجوم حلبجة كفعل من أفعال الإبادة الجماعية.

أما المحكمة العراقية الخاصة فوجهت اتهامات لصدام حسين وابن عمه علي حسن المجيد الذي قاد قوات الجيش العراقي في كردستان في تلك الفترة بتهمة جرائم ضد الإنسانية المتصلة بالأحداث التي وقعت في حلبجة.

وقدّم المدعي العام العراقي أكثر من 500 وثيقة من الجرائم خلال نظام صدام حسين أثناء المحاكمة وكان منها مذكرة عام 1987 من المخابرات العسكرية للحصول على إذن من مكتب الرئيس باستخدام غاز الخردل وغاز السارين ضد الأكراد، ووثيقة ثانية ردا على ذلك أن صدام أمر المخابرات العسكرية دراسة إمكانية ضربة مفاجئة باستخدام هذه الأسلحة ضد القوات الإيرانية والكردية، ومذكرة داخلية كتبتها المخابرات العسكرية أنها قد حصلت على موافقة من مكتب رئاسة الجمهورية لضربة باستخدام الذخيرة الخاصة، وشددت على أن لا يتم إطلاقها دون إبلاغ صدام.

بعد إدانته بتدبير مجزرة حلبجة، حُكم على علي حسن المجيد بالإعدام شنقا بمحكمة عراقية في يناير/كانون الثاني 2010. وحكم أولاً على المجيد بالإعدام شنقا في عام 2007 لدوره في حملة عسكرية عام 1988 ضد الأكراد، والتي يطلق عليها اسم "عملية الأنفال".

وفي عام 2008 أيضا حكم مرتين بالإعدام على جرائمه ضد العراقيين في جنوب العراق، منها انتفاضة عام 1991، ومشاركته في أعمال القتل عام 1999 في منطقة مدينة الثورة (الصدر حاليا) ببغداد. وتم إعدامه يوم 25 يناير/كانون الثاني 2010.

وكان صدام حسين أعدم أواخر عام 2006 بعد إدانته في ما يعرف بمجزرة الدجيل التي قتل فيها 148 شخصا. وانتهت بذلك الملاحقات ضده في ما يعرف بقضية الأنفال حيث كان يحاكم بتهمة الإبادة بحق الأكراد.

Halabja 16 Years Later
معاناة عوائل ضحايا قصف حلبجة ما زالت مستمرة  (غيتي)

غور الجرح

وفي كلمة له لإحياء الذكرى الـ33 لقصف حلبجة، دعا رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني الحكومة العراقية إلى تنفيذ واجباتها القانونية والأخلاقية تجاه حلبجة، وضرورة أن يعمل المجتمع الدولي على منع استخدام أسلحة الدمار الشامل. وشبّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ما حصل مع حلبجة في حديثٍ له بمناسبة ذكرى الهجوم، بـ"غور الجرح وفداحة البغي والظلم".

وفي الأشهر الأخيرة للحرب، تمكنت القوات الإيرانية من اقتحام الحدود العراقية والوصول إلى حلبجة، ليوجه نظام صدام حسين اتهامات لسكان المدينة بتسهيل دخول الإيرانيين. ولا تزال هذه الاتهامات تشكل جزءًا من جدل مستمر، بشأن حقيقتها فعلاً، وما إذا كان ثبوتها يبرّر للنظام العراقي استخدام السلاح الكيميائي.

بسبب هذا الجدل، تعدّدت الروايات حول الجهة المسوؤلة عن القصف، ومن تلك الروايات أن القوات العراقية هي التي نفذت القصف الكيميائي في محاولة منها لاستعادة المدينة بعد دخول القوات الإيرانية إليها، بينما حمّلت رواية أخرى الطرف الإيراني مسؤولية الهجوم بعد اضطراره للانسحاب تحت ضغط القوات العراقية، مستندة في رأيها هذا على بعض الإصابات تعرّض لها جنود عراقيون بالسلاح الكيميائي.

المحلل السياسي عبدالله ريشاوي- الجزيرة
ريشاوي: نظام صدام لجأ للسلاح الكيميائي لعدم قدرة الجيش العراقي على إخراج القوات الإيرانية بالطرق التقليدية (الجزيرة)

قرارات خاطئة

ويؤكد زانا أحمد أن القوات الإيرانية كانت موجودة فعلا أثناء وقوع القصف الكيميائي داخل حلبجة لكنها كانت ترتدي الأقنعة، مؤيدا الرواية التي تحمّل القوات العراقية مسؤولية القصف، لكون أمه كانت شاهدة على الحادثة أثناء وقوعها، وهي من الناجيات التي كتبت لها الحياة عكس زوجها وابنها البكر.

ويرى المحلل السياسي عبدالله ريشاوي أن صدام حسين تسرع كثيرا بإصداره قرار القصف بالأسلحة الكيميائية كما عُرف بقراراته العسكرية الخاطئة، لوقوعه تحت الأمر الواقع وقناعته التامّة بعدم قدرة الجيش العراقي آنذاك على إخراج القوات الإيرانية بالطرق التقليدية المتبعة في الحروب في وقتٍ كان الجيش الإيراني أكثر بأضعاف من حيث العدد.

وفي رده على سؤالٍ للجزيرة نت في ما إذا كان التوغل الإيراني داخل حلبجة سببا رئيسا في إصدار قرار قصفها بالسلاح الكيميائي من قبل صدام أم لا؟

يؤكد ريشاوي أن وجود القوات الإيرانية داخل المدينة أرعب الجيش العراقي كثيرا بعد انسحابه من المعركة على الحدود، وهذا ما دفع لاستخدام السلاح الكيميائي لإيقاف التمدّد الإيراني وقطع الطريق عنه.

ويستغرب ريشاوي من لجوء صدام لهذا الخيار بدلاً من الخيارات العسكرية المفتوحة، مثل طلب المدد العسكري واللوجستي من الدول العربية كما فعلها سابقا.

عدنان الكناني
الكناني يؤيد الرواية التي تحمّل صدام حسين مسؤولية القصف الكيميائي على حلبجة (الجزيرة)

جدل المسؤولية

ويؤيد الخبير العسكري عدنان الكناني الرواية التي تحمّل صدام حسين مسؤولية القصف الكيميائي على حلبجة الذي نفذه ابن عمه علي حسن المجيد، مؤكدا أن الأسلحة الكيميائية كانت تخضع حصرا لأمر صدام نفسه ضمن دائرة تسمى عسكريا بـ"صنف الكيماوي"، معزّزا رأيه باستفسار عن سبب عدم قيام النظام العراقي السابق برفع دعوى قضائية في المحاكم الدولية ضد إيران بتهمة قصف إحدى المدن العراقية بالسلاح الكيميائي لو كانت فعلاً هي التي نفذت الهجوم؟

ويتفق الكناني -الذي كان يحمل رتبة عميد في الحرس الجمهوري بنظام صدام حسين- مع ريشاوي بوصف قرارات صدام بأنها انفعالية وآنية ويشوبها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب بل تكون في أحيان كثيرة متسرعة، أبرزها القرار المتعلق بقصف حلبجة بالسلاح الكيميائي.

بدوره، يرى المحلل السياسي إدريس مال الله -وهو من الكوادر الإعلامية التي عملت مع حزب البعث المنحل- أن التركيز على نظام صدام واتهامه بضرب مدينة حلبجة تبرره الأهداف الأميركية في مارس/آذار 1988 وترويج المعلومة عبر تقارير للجهات الدولية لتشويه صورة النظام العراقي بسبب نزاعها معه حول حقوق الشعب الكردي وتقرير المصير.

ويشير حديث مال الله للجزيرة نت إلى أن المتابع للمعلومات حول قضية حلبجة يُصاب بالدوار بعد كشف الوثائق السرية في أميركا والتي تتناقض والمواقف أو التقارير في حينه حول حلبجة والمجزرة الرهيبة للمدنيين المسالمين، مؤكدا أن الغازات السامة التي استخدمت في الضربة لم تكن لدى العراق القدرة على تصنيعها أو امتلاكها.

المصدر : الجزيرة