فلسطينيو 48 وانتخابات الكنيست.. انقسام القائمة المشتركة يعمّق الجدل حول جدوى المشاركة

استمرار تردي أوضاع فلسطينيي 48 سياسيا وخدميا رغم وجود 15 نائبا في الكنيست عزز من خطاب الداعين لمقاطعة الانتخابات الإسرائيلية والبحث عن بدائل لتمتين الصف الداخلي

فلسطينيو 48.. التمسك بالهوية الوطنية والتأكيد على الانتماء للشعب الفلسطيني (الجزيرة)

يرقب فلسطينيو 48 انتخابات الكنيست الإسرائيلي وسط حالة من التشرذم والانقسام وتفكك القائمة المشتركة، الممثلة في الكنيست الأخير بـ15 مقعدا، بينما تتعالى الأصوات التي تدعو لمقاطعة الانتخابات، وتجددت المبادرات الداعية لتنظيم الجماهير العربية وإعادة بناء وانتخاب لجنة المتابعة العربية.

وتأتي انتخابات الكنيست 2021، وهي الرابعة بغضون عامين، لتكون مكرسة للانقسامات والانشقاقات وتشتيت قوة وتأثير نحو مليون و100 ألف من أصحاب حق الاقتراع من فلسطينيي 48، فقد انقسمت المشتركة على نفسها لتخوض الانتخابات بقائمة ممثلة بالجبهة وحلفائها من التجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير، ضمن تحالف المشتركة برئاسة أيمن عودة، وفي المقابل الحركة الإسلامية الجنوبية اختارت الانفصال وخوض الانتخابات بقائمة موحدة برئاسة منصور عباس.

تفكيك وتشتيت

ومع انشقاق المشتركة وتشتت القوة الانتخابية لفلسطينيي 48 أتت مبادرات جديدة لخوض الانتخابات ضمن تحالف معا برئاسة محمد دراوشة والحزب الديمقراطي العربي، بينما استغلت الأحزاب الصهيونية حالة التشرذم وعادت إلى البلدات العربية بحثا عن أصوات الناخبين العرب المشتتة.

وفي متاهة مغازلة الأحزاب الصهيونية للصوت العربي، أضحى التنافس بين الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست على دعم معسكر اليسار-المركز الصهيوني أو التقرب من معسكر اليمين ومغازلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في مشهد عكس الانقسام السياسي والاختلاف بالنهج والتوجهات، بينما تعالت الأصوات لمقاطعة انتخابات الكنيست، وتجددت المبادرات لفكرة ومشروع برلمان عربي من خلال انتخاب لجنة المتابعة.

وحيال هذا الواقع، تعيش الطبقة السياسية بالداخل الفلسطيني أزمة حقيقية تعكسها القيادات التي تدير الأحزاب العربية الممثلة بالكنيست، بحيث إن السياسات الإسرائيلية المعادية لفلسطينيي 48 التي ازدادت عدوانية بعد هبة القدس والأقصى باتت تجني ثمارها بتفتيت وتفكيك الداخل الفلسطيني.

قوة وخطر

تنبهت المؤسسة الإسرائيلية بعد هبة القدس والأقصى إلى القوة السياسية الكامنة لدى فلسطينيي 48، ويقول الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبدالفتاح "تعاملت المؤسسة الإسرائيلية معهم من منظور أنهم يشكلون خطرا أمنيا وديمغرافيا، وهذا الجزء من الشعب الفلسطيني فضح ممارسات الدولة كنظام فصل عنصري، وليس كدولة طبيعية، لكن اتفاقية أوسلو أظهرت إسرائيل كدولة طبيعية".

ويوضح عبدالفتاح للجزيرة نت أن التيار الوطني بالداخل كان لزاما عليه التمرد على أوسلو، ورفض موقف القيادة الفلسطينية المهادن، الذي قبل التسوية، وترك فلسطينيي 48 كشأن إسرائيلي داخلي، ومواصلة النضال لنيل الحقوق المدنية والقومية، مع تكريس حقيقة أن الداخل الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني.

ويعتقد عبدالفتاح أن هذا التمرد والتأكيد على الثوابت الوطنية وتحدي خطاب الصهيونية العنصرية أسهم بإشعال النضال وبناء الأحزاب والحركات والأطر والقوى والفعاليات السياسية والوطنية، وهو ما قوبل بهجمة شرسة من قبل إسرائيل ضد فلسطينيي 48، والسعي لتصنيفهم بين متطرف ومعتدل من المنظور الإسرائيلي.

عوض عبدالفتاح: التيار الوطني بالداخل كان لزاما عليه التمرد على أوسلو (الجزيرة)

تمرد وتحدٍّ

ويشير عبدالفتاح إلى أنه مع ملاحقة التجمع الوطني الديمقراطي، وحظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، "تكيفت قيادات بعض الأحزاب مع المعادلة الإسرائيلية وتصنيف المتطرف والمعتدل، واعتقدت أنه بتخليها عن خطاب التحدي لمشروع يهودية الدولة وخفض السقف السياسي بالقضية الفلسطينية، يمكن الحصول على الحقوق المدنية".

مهادنة وتنازلات

يعتقد عبدالفتاح أن قيادات الأحزاب الممثلة بالكنيست اختارت التنازل عن خطاب التحدي والعودة إلى الوراء، إلى أيام الحكم العسكري، واختزال الخطاب في حقوق مدنية مقابل التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية، "وبات الاختلاف بين الأحزاب العربية المشاركة بانتخابات الكنيست، يدور حول مع أي يمين إسرائيلي نتحاور، وأي معسكر صهيوني ندعم؟".

ويجزم بأن الأحزاب العربية الممثلة بالكنيست وعلى رأسها الجبهة ارتكبت خطأ إستراتيجيا عندما اختارت التمسك بكرسي الكنيست، وتنازلت عن مشروع تنظيم وإعادة بناء الجماهير والمؤسسات والجمعيات العربية وانتخابات لجنة المتابعة، الذي من المفروض أن يكون البوصلة بالعمل السياسي، علما أن مشروع دخول الكنيست أثبت فشله وهمّش وأضعف المواطنين العرب.

خطاب مقاطعة انتخابات الكنيست يتعزز بأوساط فلسطينيي 48 (الجزيرة)

تنظيم ومقاطعة

الموقف ذاته عبر عنه القيادي في الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، الشيخ كمال الخطيب، الذي أكد أن الحركة الإسلامية تتمسك بثوابتها ومبادئها منذ انطلاقتها في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بمقاطعة انتخابات الكنيست، ودعوتها إلى ضرورة تبني البديل، وهو بناء لجنة المتابعة وإعادة تنظيم الجماهير العربية. فيقول "المرحلة الحالية والأجواء التي تسبق انتخابات الكنيست غير مسبوقة، وتأتي في ظل خيبة الأمل من الأحزاب العربية وفقدان الثقة بالكنيست".

ويوضح الخطيب للجزيرة نت أنه عندما انطلقت المشتركة عام 2015 وانضوت تحت مظلتها كافة الأحزاب والقوى التي تشارك بالكنيست، رفعت سقف التوقعات كمشروع سياسي سيتم من خلال تحقيق الإنجازات وتذليل الصعوبات لنيل المطالب وإجبار إسرائيل على الرضوخ للحضور العربي في البرلمان الذي تمثل بـ15 مقعدا، لكن لم يتحقق شيء.

الشيخ كمال الخطيب: تجربة الكنيست أثبتت فشلها وتأكد صحة خيار المقاطعة والبحث عن البدائل (الجزيرة)

وما زاد الطين بلة، برأي الخطيب "حالة التشرذم والانقسام بين من رفعوا شعار المشتركة (إدارة شعب، وسد في وجه الفاشية)، فقد ثبت أن الهدف من تشكيل المشتركة في حينه رغبة ومحاولة الهروب من رفع نسبة الحسم للعودة للكنيست، بل إن الأصعب من ذلك أن هذه القوائم التي كان هدفها إسقاط نتنياهو، ذهبت مجتمعة إلى غانتس، وبعضها الآن يغازل معسكر المركز واليسار وآخر يتقرب من نتنياهو".

ويؤكد الشيخ الخطيب أن تجربة الكنيست أثبتت فشلها، وتأكد أن خيار المقاطعة والبحث عن البدائل هو الطريق الصحيح، "فيجب على الجماهير الفلسطينية بالداخل العودة لإعادة بناء المؤسسات الوطنية والجمعيات وانتخاب لجنة المتابعة من قبل الجمهور، لتكون أشبه ببرلمان عربي، وإقامة صندوق قومي، وهو الطرح الذي ترفضه الجبهة والموحدة"، مشددا على ضرورة الخروج عن بوتقة الأسرلة والتمرد على سياساتها.

النائب الدكتور يوسف جبارين
يوسف جبارين يعتقد أن الكنيست من ساحات نضال فلسطينيي 48 لنيل حقوقهم الوطنية والمعيشية (الجزيرة)

الكنيست.. من ساحات النضال

من جانبه، يولي النائب بالكنيست عن تحالف القائمة المشتركة، الدكتور يوسف جبارين، وهو أستاذ القانون الدولي، أهمية بالغة لتمثيل الأقلية الفلسطينية بالداخل في الكنيست الإسرائيلي، ويعتبره ساحة نضال أخرى تضاف إلى مختلف ميادين النضال الجماهيري والشعبي والدولي.

ويعتقد جبارين أن "المرحلة تقتضي رصّ الصفوف والوحدة لمواجهة السياسات العنصرية والتمييزية للمؤسسة الإسرائيلية والممثلة بحكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على أن يكون العمل لمختلف الفعاليات بالداخل الفلسطيني تكامليا سواء على مستوى البرلمان والحراك الشعبي والعمل الجماهيري الميداني".

وعن انشقاق القائمة المشتركة وخوض الانتخابات بقائمتين منفصلتين، يقول جبارين "لا شك أن وحدتنا ضمن قائمة تجمع جميع الأحزاب السياسية العربية التي تتمثل بالكنيست، وإلى جانب العمل والتنسيق حتى مع الحركات والقوى التي تقاطع الانتخابات، خلق حالة من الوحدة الوطنية في انتخابات مارس/آذار 2020، فرضت حضورها على المشهد السياسي الإسرائيلي وكذلك على المحافل الدولية".

المصدر : الجزيرة