صفحة جديدة في العلاقات.. أي انعكاس لسياسة إدارة بايدن على الانتخابات الإسرائيلية؟

مع عودة السياسة الأميركية التقليدية في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتمسك بحل الدولتين والانحياز للحوار في الملف النووي الإيراني، يجمع محللون على أن نتنياهو يجد نفسه وقبيل انتخابات الكنيست مضطرا لافتعال أزمة وحرب تصريحات بمواجهة سياسة واشنطن الجديدة

نتنياهو وعقيلته سارة لحسم الصندوق للمرة الرابعة بغضون عامين. تصوير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي التي عممته على وسائل الإعلان للاستعمال الحر)
نتنياهو وعقيلته سارة يأملان حسم الصندوق للمرة الرابعة بغضون عامين (الجزيرة)

حصلت الثلاث جولات انتخابية السابقة بغضون عامين التي جرت بإسرائيل على عطايا وهدايا من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي عجز طيلة هذه الفترة عن تشكيل ائتلاف حكومي مستقر يضمن تجنب محاكمته بتُهَم فساد، ويتوجه الآن لانتخابات رابعة للكنيست مع تولي الرئيس جو بايدن زمام الأمور في البيت الأبيض.

تعددت وتنوعت عطايا وهدايا ترامب لنتنياهو، سواء الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للشعب اليهودي ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب، واعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

فضلا عن ذلك كانت القضية الفلسطينية محورا رئيسا للهدايا والعطايا، إذ سعى ترامب من خلال "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق مكاتب منظمة التحرير بواشنطن، ومحاصرة السلطة الفلسطينية والتنكر لحل الدولتين، عبر إطلاق قطار التطبيع بين تل أبيب ودول عربية، بموجب "اتفاقيات أبراهام" لحسم الصراع لصالح إسرائيل.

هدية أخيرة

لم تتوقف عطايا وهدايا ترامب رغم خسارته لانتخابات الرئاسة الأميركية، فقبل أن يغادر ترامب البيت الأبيض ومع الإعلان عن حل الكنيست الإسرائيلي والتوجه لانتخابات رابعة، وصل الجاسوس جوناثان بولارد إلى إسرائيل كهدية أخيرة لنتنياهو.

ومع عودة السياسة الأميركية التقليدية بكل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتمسك بحل الدولتين والانحياز للحوار في الملف النووي الإيراني، يجمع محللون على أن نتنياهو يجد نفسه وقبيل انتخابات الكنيست التي ستجري في 23 مارس/آذار المقبل، مضطرا لافتعال أزمة وحرب تصريحات قبالة سياسة واشنطن الجديدة.

ويرجح المحللون أن كافة المؤشرات تشير إلى تغيير بالسياسة الخارجية الأميركية التي ستكون إلى حد ما أشبه بسياسة الرئيس الأسبق أوباما، وهي السياسة التي عارضها نتنياهو بصرامة وخاض بسببها صداما ومواجهة مع البيت الأبيض، وهو السيناريو المحتمل أن يتكرر قريبا بين نتنياهو وبايدن.

تدخل غير محدود

ويعتقد الإعلامي الإسرائيلي يواف شتيرن، أن الوضع الطبيعي والسليم الذي يجب أن يسود العلاقات بين الدول الحليفة هو عدم التدخل في شؤونها الداخلية بما في ذلك الانتخابات، وهو التدخل المتبادل الذي كان سائدا بين تل أبيب وواشنطن خلال ولاية ترامب وحكومة نتنياهو.

وقال شتيرن للجزيرة نت إن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن تميزت بالتدخل غير المحدود في القضايا والسياسات الداخلية للبلدين، سواء عطايا وهدايا ترامب لنتنياهو خلال 3 جولات انتخابية للكنيست الإسرائيلي بغضون أقل من عامين، وإطلاق العنان للجيش الإسرائيلي لشن غارات على سوريا، وتنسيق بالتصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني.

ولفت إلى أن الحلف بين ترامب ونتنياهو تعزز بشكل لم يكن معهودا بين زعماء وقادة الدول، مؤكدا أنهما من خلال هذا الحلف عمدا إلى استغلال بعضهما بعضا، كل لمصالحه الشخصية واعتباراته السياسية، وهو النهج الذي كرّسه ترامب، حيث انحاز بشكل واضح لصالح نتنياهو وحزب الليكود، وهو تدخل غير مسبوق بالجولات الانتخابية السابقة.

نتنياهو وبايدن

لكن مع عودة بايدن، يستبعد شتيرن إمكانية أن يستمر هذا النهج والانحياز والتدخلات في القضايا الداخلية للبلدين، لافتا إلى أن الرئيس بايدن يعمل على إعادة مسار العلاقات إلى سابق عهدها وترميم كافة الثوابت بالعلاقات الدبلوماسية والتي كسرها نتنياهو وترامب.

وعن التصريحات الصادرة عن القيادات في إدارة بايدن والمتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، والنووي الإيراني، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يعتقد شتيرن أن "ذلك ينم عن توجه وتغيير جذري بالسياسة الأميركية، وذلك خلافا للسياسة التي اعتمدها ترامب".

وأوضح أن إدارة بايدن تخاطب الشعب اليهودي أو الشعب الفلسطيني أو حتى الشعب الإيراني، لكن قبل ذلك "هم يخاطبون أنفسهم بشأن تحديد البوصلة التي توجه السياسة الخارجية وسلم الأولويات".

ترامب ونتنياهو.. عطايا وهدايا وحلف شخصي. تصوير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي التي عممته على وسائل الإعلان للاستعمال الحر)
ترامب ونتنياهو.. عطايا وهدايا وتحالف شخصي (الصحافة الإسرائيلية)

مكاسب وخسائر

وفي محاولة للربط بين تغير إدارة البيت الأبيض والانتخابات الإسرائيلية والمكاسب والخسائر في ظل عودة مسار الدبلوماسية الأميركية التقليدية من وجهة النظر الإسرائيلية، يقول شتيرن إن كافة الأطراف في تل أبيب وواشنطن وحتى الإقليمية منها تعي جيدا أن تحديد معالم السياسة الأميركية الجديدة للشرق الأوسط سيستغرق عدة أشهر، وستكون مغايرة لنهج ترامب، وعليه من استفاد من انحياز ترامب سيكون هو الخاسر.

ويجزم شتيرن أن نتنياهو قد يتناغم مع سياسات واشنطن الجديدة بالشرق الأوسط في كافة الملفات والقضايا باستثناء النووي الإيراني، وعليه لا يستبعد الصحفي الإسرائيلي أن يفتعل نتنياهو أزمة دبلوماسية مع واشنطن قبيل الانتخابات، ليظهر للناخب الإسرائيلي بأنه هو الزعيم والقائد الوحيد الذي يتصدى لبايدن وإيران، ويوفر الحماية للإسرائيليين من إسقاطات وتداعيات أي تحديث للاتفاق النووي.

سياسات وملفات

من جانبه، يعتقد نمرود غورن مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المتخصص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط، أن ما يراه البعض هدايا ترامب لنتنياهو بالسنوات الأخيرة وخلال الانتخابات الإسرائيلية على وجه الخصوص يمكن اعتبارها تضخيما وتحديثا للرواية الدبلوماسية الأميركية في عهد ترامب.

وأوضح أن نتنياهو وظّف دبلوماسية ترامب لصالحه بالحملات الانتخابية بالترويج لنفسه إسرائيليا وإقليميا على أنه زعيم ودبلوماسي من مستوى آخر، علما أن نتنياهو حظي بعطايا وامتيازات أخرى من قادة دول أوروبية وعالمية، ومنها على وجه الخصوص التقارب والامتياز من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ووصف غورن في حديثه للجزيرة نت التعاون والتدخلات المتبادلة بين ترامب ونتنياهو بالتحالف الشخصي والعلاقات الوطيدة والشراكة التي مكّنت من صياغة رواية دبلوماسية كانت متماسكة لسنوات وفرض وقائع على الأرض إقليميا وحتى داخليا بتل أبيب وواشنطن، وهي الرواية والأجندات التي تصطدم بها إدارة بايدن وتسعى لتفكيكها للعودة للمسار التقليدي للسياسة الخارجية الأميركية.

epaselect epa08987636 US President Joe Biden makes a foreign policy speech at the State Department in Washington, DC, USA, 04 February 2021. Biden announced that he is ending US support for the Saudi?s offensive operations in Yemen. EPA-EFE/JIM LO SCALZO (وكالة الأنباء الأوروبية)
محللون إسرائيليون توقعوا أن يعيد بايدن مسار العلاقات مع إسرائيل إلى سابق عهدها (الأوروبية)

صراعات وانتخابات

وخلافا لترامب الذي منح الكثير من العطايا وتمادى بالتدخل بمجريات الانتخابات الإسرائيلية لضمان حسم الصندوق لصالح نتنياهو الذي يواجه ملفات فساد، يقول مدير المعهد الإسرائيلي إن بايدن ينأى بنفسه عن التدخل بالانتخابات الإسرائيلية الوشيكة، ويسير على نهج الإدارات الأميركية السابقة التي حافظت على مسافة واحدة من جميع المعسكرات والتيارات السياسية بإسرائيل.

وعلى الرغم من هذا الموقف الذي يمكن اعتباره حياديا للبيت الأبيض، فإن قيادة الإدارة الأميركية الجديدة، -يقول غورن- "توضح للإسرائيليين مواقفها من الصراعات الإقليمية، والعودة للاتفاق النووي الإيراني، والتمسك بحل الدولتين لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، وهي ملفات انحازت بها الإدارة الأميركية السابقة لإسرائيل وتبنت بالكامل رواية نتنياهو".

وعزا غورن هذا الحياد لإدارة بايدن من الانتخابات الإسرائيلية إلى كون التنافس هو داخل معسكر اليمين الذي لا تختلف أطروحاته وأجندته ومواقفه من القضايا الإقليمية الحارقة، وإلى الفوارق بالمواقف بين بايدن ونتنياهو واليمين الإسرائيلي من مجمل هذه الملفات، وسط تراجع لقوى معسكر المركز (الوسط) واليسار الصهيوني واستحالة أن يترأس الحكومة المقبلة أي زعيم إسرائيلي محسوب على معسكر المركز واليسار.

المصدر : الجزيرة