"موقعا بالمكان والزمان".. كيف هزّ لبنان اغتيال الناشط المعارض لحزب الله لقمان سليم؟

Lokman Slim, an activist and publisher who ran a research centre, speaks during an interview in Beirut
لقمان سليم خلال مقابلة سابقة معه (رويترز)

"لن أبحث عن القاتل؛ لأنني أعرفه، بعد أن جاء اغتيال شقيقي موقعا بالزمان والمكان الواضحين"، بنبرة حزينة، تتحدث الكاتبة والناشرة رشا الأمير للجزيرة نت، بعد أن فقدت الاتصال ليلا مع شقيقها الناشط السياسي، لقمان سليم، ثم تبين صباح الخميس أنه ضحية عملية اغتيال.

وبعد ساعات من اختفائه بالقرب من قرية العدوسية (جنوب لبنان)، وُجد لقمان داخل سيارته جثّة مضرجة بالدماء، بعد أن أصيب بـ4 طلقات نارية برأسه وواحدة بظهره، مما هزّ الرأي العام، وأحيا في ذاكرة اللبنانيين حقبة التصفيات بعد الحرب الأهلية.

كانت رشا أول من أثار التساؤلات عن سبب فقدان الاتصال بشقيقها بعد خروجه من منزل أحد أصدقائه في قضاء صور (بالجنوب).

وفي البدء، نشرت رشا على فيسبوك منتصف الليل أن شقيقها "لا يجيب على هاتفه منذ أكثر من 5 ساعات"، ثم كتبت أنه تم العثور على هاتفه الجوال مرميا بأحد الحقول على طريق فرعي.

وشهد لبنان انقساما حول خلفيات الجريمة، فاعتبره البعض امتدادا لسيناريو اغتيال أصحاب الرأي في العراق، كما وجه كثيرون أصابع الاتهام لحزب الله باعتبار أن لقمان "شيعي معارض" لطالما اشتهر بمواقفه المناهضة للحزب، ما أدى لاتهامه أحيانا بـ"العمالة".

من هو لقمان سليم؟
نشأ في بيت متنوع ثقافيا بحارة حريك في الضاحية الجنوبية، شبهه البعض بـ"المثقف العضوي"، الذي يمثل حالة متقدمة ضمن بيئته المجتمعية، وهو من مواليد 1962.

لم يغادر حارة حريك، فتجرأ على التحرك داخلها، وتزوج من المخرجة الألمانية مونيكا بورغمان، وحاز على شهادة في الفلسفة من جامعة السوربون في فرنسا.

أسس عام 1990 دار الجديد للنشر في لبنان، الذي تديره شقيقته، وهو مهتم بنشر الأدب العربي وإصدارات ذات محتوى مثير للجدل ثقافيا وفكريا ودينيا. ومنها مثلا كتاب "أين الخطأ؟" للشيخ عبد الله العلالي.

وفي 2004، شارك لقمان بتأسيس مركز "أمم للأبحاث والتوثيق" قرب منزله بالضاحية، وهو يهتم بإنشاء أرشيف مفتوح للمواد المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي والسياسي، ويعمل على أرشفة ذاكرة الحرب اللبنانيّة، وتوثيق ملف المفقودين اللبنانيين في سجون النظام السوري، كما أخرج مع زوجته مونيكا عدة أفلام مرتبطة بلبنان وسوريا "عن مجزرة شاتيلا وصبرا" (1982)، "مَقَاتل" (2004)، "المُنجز" (2009) و"تدمر" (2016).

وأعلن لقمان مرات عدة تلقيه سلسلة تهديدات بالقتل، ألصق بعضها على جدران منزله، وهي تتعلق بمواقفه السياسية.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، أي خلال الاحتجاجات التي عمّت لبنان، تم الاعتداء على منزله تزامنا مع اعتداء مؤيدي حزب الله وحركة أمل على خيمة لنشطاء ببيروت كان يشارك فيها.

وهنا، تتابع رشا حديثها معتبرة أن اغتياله هو اغتيال فكري وسياسي لسيرة متنوعة توثّق الذاكرة وتسجل الأحداث، موضحة أن عائلته تتوقع مقتله منذ أكثر من 10 سنوات.

وقالت رشا للجزيرة نت "أنت تعرف أنهم قتلة، بينما أنت أعزل لا تملك إلا فكرك وقلمك؛ لكن كان لديه جانب قدري لا يكترث للموت، ويستعد أن يذهب للنهاية من أجل مواقفه".

وأكدت رشا أن عائلته لا تريد اتهام أحد وأنهم لا يحتاجون إلى اللجوء للمحاكم؛ لأن هوية القاتل بالنسبة لهم معروفة.

Rasha, the sister of Lokman Slim, a prominent Lebanese Shi'ite critic of Iran-backed Hezbollah who was found killed, talks on the phone in Beirut
رشا تدير دار النشر التي أسسها لقمان (رويترز)

تفاعلات سياسية وشعبية
تسبب اغتيال لقمان بتباين في المواقف على منصات التواصل الاجتماعي بين من يتهمون حزب الله بارتكاب الجريمة، وبين مؤيدي الحزب الذين يرفضون الاتهامات بوصفها باطلة وسياسية بدون أي دليل حسي.

لكن تغريدة جواد نصرالله نجل الأمين العام لحزب الله، والتي قال فيها "خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب #بلا_أسف"، أثارت جدلا كبيرا، ثم سرعان ما حذفها ناشرا تغريدة أخرى.

وفي السياق نفسه، طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من المدعي العام التمييزي إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات الجريمة، وشدّد على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء ظروف الجريمة والجهات التي تقف وراءها.

وكلف رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، وزير الداخلية والبلديات، محمد فهمي، بالإيعاز إلى الأجهزة الأمنية للإسراع في تحقيقاتها، وملاحقة الفاعلين، وإحالتهم للقضاء.

وشهدت الساحة السياسية سلسلة من المواقف المنددة أعلنتها مختلف الأحزاب والتيارات. فندد التيار الوطني الحرّ (برئاسة جبران باسيل) بالجريمة داعيا إلى "عدم استغلالها لإثارة الفتنة". وأدان تيار المستقبل (برئاسة سعد الحريري) اغتيال سليم، وحذر من مخاطر العودة إلى مسلسل الاغتيالات واستهداف الناشطين.

وقال النائب السابق باسم السبع إن الاغتيال "رسالة مباشرة لكل الناشطين والكتاب والسياسيين من ‏أبناء الطائفة الشيعية، الذين يتحركون وينشطون ويعبرون عن أفكارهم خارج المدار ‏السياسي لحزب الله".

أبعاد سياسية
من جهته، استغرب الكاتب المقرب من حزب الله فيصل عبد الساتر توجيه الاتهامات للحزب، مذكرا بأنه لا بد من الاستناد لعلم الجريمة بالسؤال "من المستفيد منها؟"، وقال للجزيرة نت إن هناك حملات مفبركة يقودها بعض الإعلاميين ومعارضي حزب الله لتشويه صورته بشتى الطرق، كما سبق أن اتهموه باغتيال الحريري وغيره، وفق تعبيره.

وأضاف "عاش لقمان في عقر دار بيئة المقاومة بدون التعرض له، ولا أحد يستطيع الجزم بأن التهديدات التي كانت تصل له هي من حزب الله".

ووفق رأي عبد الساتر، فإن لقمان لم يشكل أي تأثير على حزب الله، وتساءل عن سبب عدم الذهاب لفرضية أن تكون إسرائيل وحلفاؤها وراء الجريمة للضغط على حزب الله داخل بيئته، داعيا لانتظار التحقيقات.

ويخشى مراقبون من أن تدفع الجريمة لرفع سقف التوترات في لبنان، الذي يتشظى بالانقسامات السياسية، ويمرّ بمرحلة دقيقة اقتصاديا وأمنيا، وهذا ما يرجحه المحلل السياسي مصطفى فحص، الذي كان صديقا للقمان.

 

ويعتبر فحص أن خطورة الاغتيال تكمن بكونه طال كائنا سياسيا حقيقيا وعنيدا، كان يؤرخ للبنان والمنطقة على طريقته، ويجسد شخصية المعارض الشرس الذي يدرك حدود تأثيره.

ورأى فحص أن توجيه الاتهامات ما زال مبكرا؛ لكنه يتفهمها انطلاقا من طبيعة سليم السياسية، وقال للجزيرة نت إن لقمان كان صاحب فكرة سياسية تقدمية؛ نظرا لعلاقاته المفتوحة علنا، ولم يستبعد أن أطرافا داخلية وخارجية أرادت خلط الأوراق في لبنان عبر مقتله.

وعن المعارضين داخل الطائفة الشيعية، لفت فحص إلى أن البيئة الشيعية بلبنان مؤيدة لفكرة المقاومة؛ لكنها ليست محصورة بهم، فبعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 لم تعد البيئة الشيعية كما كانت وباتت تتساءل "إلى أين نتجه؟ هل نستطيع أن نحارب العالم ونعادي الجوار العربي والإسلامي؟ من يستطيع أن يحل أزماتنا المعيشية؟".

واعتبر المحلل أن الخوف بات يلاحق كل اللبنانيين لا المعارضين الشيعة فقط، وأن لبنان ربما دخل مرحلة جديدة من الاغتيالات، بدأت بلقمان سليم؛ "لكنها حتما ستؤجج الأزمات ولن تحلها".

المصدر : الجزيرة