الصدر والحراك الشعبي في العراق.. تسريح بإحسان أم إمساك بمعروف؟

التيار الصدري أكد عزمه خوض الانتخابات بهدف الحصول على رئاسة الحكومة المقبلة

Protesters gather to support Iraq's Sadr
أنصار الصدر أثناء مظاهرة سابقة دعما له (رويترز)

".. كلا للماخذ مالاته ويتاجر باسم الحرية"، أشعلت أنشودة أداها فنان مؤيد للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر خلافًا حادا بين هذا التيار وبين أنصار الحراك الاحتجاجي بسبب تضمنها اتهاما صريحا لأحد قادة المتظاهرين بتنفيذ أجندات خارجية، وقوبلت بهجوم مضاد من المحتجين على المنشد وأنصار الصدر نجح في الضغط عليهم لحذف الإنشودة من بعض مواقع التواصل الاجتماعي.

لم تكن هذه الحادثة هي الأولى التي يشتد فيها الصدام بين الطرفين اللذين تقاسما في وقت ما ساحات الاحتجاج، بل ذهبا إلى أبعد من ذلك من خلال التحالف سياسيا عبر ائتلاف "سائرون" الذي حصد أعلى الأصوات في انتخابات عام 2018، قبل أن ينفرط ويتحوّل إلى خلافات عميقة وصل بعضها إلى صدام مسلح في بعض ساحات الاحتجاج كالنجف وبغداد والناصرية.

غيّر مقتدى الصدر خطابه المناصر للحراك الاحتجاجي بعد مقتل أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي وقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع يناير/كانون الثاني 2020.

باسم خشان سياسي مقرب من المحتجين
خشان قال إن الصدر غيّر خطابه السياسي تجاه المحتجين عقب اغتيال المهندس وسليماني (مواقع التواصل)

تغيير الخطاب

يقول باسم خشان، وهو سياسي مستقل قريب من الحراك الاحتجاجي، إن "الصدر عمد إلى تغيير خطابه السياسي تجاه المحتجين في أعقاب اغتيال المهندس وسليماني، في محاولة لخطب ود الجمهور المتردد من أتباع الفصائل المسلحة لتعويض ما سيخسره من جمهور الحراك أو الجمهور المدني الذي انتخبه في عام 2018 قبل أن ينقلب الرجل على جميع وعوده الإصلاحية التي أطلقها قبل الانتخابات".

وكان تيار الصدر قد حصل على 54 مقعدا من خلال تحالف "سائرون" في انتخابات عام 2018 مقابل 32 مقعدا في انتخابات عام 2014.

ويضيف خشان في حديث للجزيرة نت "تعمّد الصدر زيادة الفجوة مع الحراك الشعبي وأصر على تبني خطاب عدائي لعزل التأثير الذي بدت عليه الاحتجاجات، الأمر الذي تناغم مع رغبة أغلب القوى الشيعية التي دفعت لإثارة هذا الصراع وتعزيزه لتجريد الصدر من تأثيره الذي حظي به قبل الاحتجاجات بهدف إضعافه، وهو كالعادة لم يتعامل بحنكة سياسية مع هذا المتغير الجوهري".

وأعلن التيار الصدري في وقت سابق عزمه خوض الانتخابات بهدف الحصول على رئاسة الحكومة المقبلة، وفي تصريح مثير للنائب الصدري غائب العمري أكد فيه أن "رئيس الوزراء المقبل سيكون سائق بطة"، والبطة هي تسمية يستخدمها العراقيون لسيارة تويوتا كراون (Toyota Crown) استخدمتها الجماعات المسلحة أيام العنف الطائفي عام 2006 لشن هجماتها، الأمر الذي أثار حفيظة شرائح عديدة من المجتمع العراقي.

جيش أضحكني

مقابل ذلك، واصل المحتجون هجوما يبدو منظما على الصدر وأنصاره، استخدمت فيه كافة الوسائل لا سيما مواقع التواصل للرد على تغريدات الصدر والتصدي لأنصاره، وبقي وسم (هاشتاغ) "جيش أضحكني" متصدرا الترند المحلي في تويتر لمدة يومين، وهي واحدة من الطرق التي ابتكرها مدونون للتصدي للهجوم الصدري، وغرد بهذا الوسم مدونون بارزون في موجة من موجات الصراع المستعر بين الجانبين منذ مدة ليست بالقصيرة.

وكتب بركات كريم في صفحته على تويتر "حين يتم التجاوز على رمزية احتجاجات تشرين وضحاياها من قبل أحزاب السلطة وأنصارها، لا يملك المتظاهرون سوى الاستهزاء وتصغير الرأي المقابل وتعريته أمام المجتمع من خلال الضغط على زر أضحكني".

وكتب محمد الباسل "السخرية هي الملاذ الأخير لشعوب البسطاء، جيش أضحكني أنموذجا"، في حين أكد معن الجيزاني أن القوة الناعمة للمحتجين تثبت فعاليتها وتنجح في صناعة الرأي العام من خلال النقد الساخر.

وكان عناصر ما يعرف بـ"سرايا السلام" الذراع المسلحة للتيار الصدري استعرضوا الأسبوع الماضي بترسانتهم العسكرية في شوارع العاصمة بغداد ومحافظتي النجف وكربلاء، قاطعين بذلك الأزقة والشوارع، وفارضين طوقا مسلحا على هذه المناطق، في مشهد وضع الحكومة والقوات الأمنية في مأزق.

 

المتحدث باسم زعيم التيار الصدري - صلاح العبيدي.
العبيدي اعتبر أن بعض المحتجين انحرفوا باتجاهات غير محمودة كالعنف والتخريب (الجزيرة)

أجندات خارجية

ويقول المتحدث باسم التيار الصدري صلاح العبيدي في حديث للجزيرة نت إن "أنصار الصدر كانوا وما زالوا يدعمون الحراك الاحتجاجي الذي يستهدف الفاسدين ويدعو إلى الإصلاح، لكننا نعتقد أن زخم الاحتجاجات في جزء منه انحرف باتجاهات غير محمودة كالعنف والتخريب والاعتداء على كل الممتلكات العامة، وذلك يدعوننا إلى الوقوف ضد هذه الظواهر".

ويضيف العبيدي أن الحراك الشعبي لم يحافظ على صفائه الذي بدأ به، بل اختُرق من قبل قوى سياسية وأجندات خارجية، وهي من تدفع بل تقود في بعض الأحيان إثارة الفوضى واستهداف جهات محددة، مؤكدا أن التيار الصدري لم ولن يطمع بجمهور الحراك من أجل التكسب السياسي، بل يحاول مواصلة زخم الإصلاح دون الإساءة للدولة وسيادة القانون، وفق تعبيره.

ويعتقد مراقبون أن ثمة قوى إقليمية وداخلية تحاول أن تغذي هذا الصراع المستعر بين الطرفين لأن الأمر سيفضي بالضرورة إلى إضعاف دور الصدر في المرحلة المقبلة وسيجبره على العودة للحجم الطبيعي لعدد مقاعده الذي يتراوح بين 30 و35 مقعدا.

ويستبعد الباحث في علم النفس السياسي الدكتور فارس كمال نظمي هذه الفرضية، ويقول للجزيرة نت إنه لا يميل لوجود طرف ثالث، بل يعتقد أن ثمة ديناميكيات ومفاهيم سياسية تفسر جوهر هذه الظواهر، أهمها بروز الحراك الشعبي منافسا شرسا للصدر في إشغال جزء كبير من الفضاء الاحتجاجي الذي كان يسيطر عليه الرجل في السنوات الماضية.

ويشير نظمي إلى أن هذه الكتلة الاحتجاجية تميل إلى إلغاء المقدس والتقديس والإيمان بالمنهج الوطني ورفض جميع مخرجات النظام السياسي، بل إنها لا تثق في أي سلوك يبرز من القوى السياسية حتى وإن كان قريبا منهم أو يصب في صالحهم.

ويضيف نظمي "لم يستوعب الصدر بعد مضي الشهر الأول من الاحتجاجات المطالبات الواضحة للمتظاهرين في تغيير النظام السياسي والانقلاب على شعار الإصلاح الذي يرفعه، وهي لحظة فاصلة بالنسبة له لأنه يصر على مفردة الإصلاح مع الإبقاء على بنية النظام السياسي الذي يكسب منه قوته وتأثيره وربما بقاءه في شكل من الأشكال".

وساهم الحراك الاحتجاجي في تأسيس عدد من الكيانات السياسية والأحزاب الجديدة التي تستعد لخوض الانتخابات المقبلة، وهي كيانات ممولة من تبرعات أعضائها وبعض المتعاطفين معها، لكن من غير الواضح ما إذا كانت قادرة على منافسة الأحزاب النافذة التي تسيطر وتتحكم بالسلطة السياسية والإعلام والمال السياسي، وبعضها يقبض على السلاح والفصائل المسلحة التي تبدو في أحيان كثيرة أقوى من القوات النظامية.

المصدر : الجزيرة