هل شكل الإعلان عن تحالف للمعارضة واتفاق بين كتل سنية بالعراق مفاجأة سياسية؟

وكالة الأنباء العراقية (واع) الإعلان عن كتلة تضم 28 فائزاً بالانتخابات في بغداد
الإعلان في بغداد عن كتلة برلمانية معارضة من تحالفي امتداد وكتلة الجيل الجديد (وكالة الأنباء العراقية)

بعد أكثر من شهرين على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة بالعراق، يبدو أن الكتل السياسية العراقية بمختلف مشاربها بدأت ترسم طريقها المستقبلي للعمل البرلماني القادم، إذ أُعلن أمس الأربعاء عن تشكيل تحالف سياسي جديد أطلق عليه تحالف "من أجل الشعب" والذي أعلن عن نفسه تحالفا معارضا داخل قبة البرلمان، كما أسفرت التفاهمات بين تحالفي تقدم وعزم عن اتفاق يفضي بدخول الكتلتين في مفاوضات موحدة مع بقية الكتل السياسية.

وتأتي هذه التحركات والتحالفات مع اقتراب موعد المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة بالعراق، إذ أعلنت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية بالبلاد) أن موعد المصادقة على النتائج قد يكون في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ما يمهد الطريق لرئيس الجمهورية الدعوة لانعقاد أول جلسة برلمانية في الدورة التشريعية الجديدة.

*** للاستخدام الداخلي ** حصرية - المتحدث باسم تحالف امتداد - منار العبيدي
العبيدي: التحالف يهدف لتشكيل كتلة جديدة بعيدة عن المكونات والاصطفافات الطائفية (الجزيرة نت)

تحالف المعارضة

وفيما يتعلق بالكتلة السياسية المعارضة، أُعلن أمس عن تشكيل كتلة برلمانية معارضة من تحالفي امتداد (التي تعتبر نفسها منبثقة عن الاحتجاجات الشعبية) وكتلة الجيل الجديد (الكردية المعارضة)، وهما كتلتان تضمان 9 مقاعد برلمانية لكل منهما.

وفي هذا الصدد، يقول منار العبيدي المتحدث باسم كتلة امتداد إن فكرة التحالف لا تهدف للمعارضة البرلمانية بالدرجة الأولى قدر تعلقها بتشكيل كتلة سياسية جديدة بعيدة عن المكونات والاصطفافات الطائفية، وهو ما نادت به الاحتجاجات الشعبية.

ويتابع العبيدي، أن التحالف الجديد وبما أنه لن يستطيع تشكيل حكومة سياسية لقلة عدد مقاعده، فإنه ارتأى الذهاب للمعارضة بعد أن استطاع التحالف جمع 28 مقعدا في الخطوة الأولى، بعد تحالف كتل امتداد والجيل الجديد بزعامة شاسوار عبد الواحد وبعض المستقلين.

ويتوقع العبيدي في حديثه للجزيرة نت أن التحالف سيصل إلى 30 مقعدا، لا سيما أن هناك مباحثات مع بعض النواب المستقلين الفائزين في الانتخابات الأخيرة، بما يعني أن التحالف سيعمل على تصويب العمل البرلماني على اعتبار أن أعضاءه من شمال العراق، مبينا أن التحالف لا يسعى للبقاء في المعارضة على الدوام.

إحسان الشمري
الشمري رأى في إعلان تحالف للمعارضة أنه سيمكن من تفعيل الدور الرقابي للبرلمان (الجزيرة نت)

خطوة بالاتجاه الصحيح

من جانبه، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن تشكيل هذا التحالف يعد خطوة سياسية بالاتجاه الصحيح، لا سيما أنه يعد معارضة الفائزين وليس الخاسرين في البرلمان، مبينا أن هذه الجبهة أعلنت خلال تشكيلها أنها لن تدخل في الحكومة والمحاصصة بما سيمكنها من تفعيل الدور الرقابي داخل البرلمان، في سابقة لم يشهدها البرلمان العراقي من قبل.

الشمري وفي حديثه للجزيرة نت، بين أن جميع من ادعوا المعارضة من قبل كانت تحركاتهم نتيجة عدم استطاعتهم الدخول في الحكومة والحصول على المكاسب الحكومية أو عدم فوزهم بمقاعد برلمانية، وبالتالي، فإن هذا التحالف قد يمهد لعمل سياسي جديد مغاير للسابق، وبما قد يؤدي إلى زيادة عدد أعضائها.

ويذهب في هذا المنحى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو الذي يرى أن تشكيل مثل هذه الجبهة قد يكون بادرة أولى لتشكيل جبهة معارضة حقيقية تسهم في المراقبة والمحاسبة البرلمانية إضافة لواجباتها التشريعية.

وعن إمكانية نجاحها، يضيف عزو للجزيرة نت أنه يعتمد على قدرتها في توظيف إمكانياتها لإقرار بعض القوانين المهمة والرقابة البرلمانية، فضلا عن ضرورة توظيفها للخبرات المتوفرة في معالجة المشكلات التي تواجه الواقع العراقي.

على الجانب الآخر، يرى المحلل السياسي غانم العابد -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا يمكن البت بمدى نجاح التحالف المعارض من عدمه، لا سيما أن التجارب السابقة أثبتت أنه لا يمكن الوثوق بالكتل السياسية من خلال شعاراتها، مبينا أن العمل البرلماني سيحدد نجاعة هذا التحالف من عدمه.

لقاء بين محمد الحلبوس زعيم تقدم وخميس الخنجز زعيم عزم
لقاء سابق جمع الحلبوس (يسار) والخنجر (الجزيرة نت)

تحالف سني

ومع سعي مختلف الأطراف لنيل نصيبها من الحكومة القادمة أُعلن أول أمس الثلاثاء عن اتفاق بين تحالف "تقدم" برئاسة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وبين تحالف "عزم" برئاسة السياسي خميس الخنجر، وذلك بغية خوض مباحثات تشكيل الحكومة القادمة بوفد مشترك، فيما أكد الجانبان على تقديم شخصيات كفوءة للمشاركة في الحكومة وفق مبدأ الشراكة لا المشاركة، وفق بيان صادر عن التحالفين.

وأوضح البيان أن أبرز مقررات الاجتماع كانت إعداد ورقة مشتركة تُعرض على الشركاء السياسيين، ومعالجة عدة ملفات إستراتيجية من بينها قضايا المختفين قسرا وإعادة النازحين، ومراعاة حقوق المحافظات التي وقعت تحت سيطرة تنظيم الدولة في سنوات ماضية ماليا لإعادة إعمارها.

*** للاستخدام الداخلي ** حصرية - القيادي والمتحدث باسم تحالف عزو - صلاح الجبوري 2
الجبوري اعتبر أن اتفاق تحالفي عزم وتقدم جاء في الوقت المناسب (الجزيرة نت)

وفي هذا الشأن، يقول المتحدث باسم "تحالف عزم" صلاح الجبوري إن اتفاق تحالفي عزم وتقدم جاء في الوقت المناسب ضمن المفاوضات الرامية لتشكيل الحكومة، مبينا أن الهدف يتمثل بإعداد ورقة تفاوضية محددة تخص المكون السني والمحافظات "المحررة من تنظيم الدولة" وهي في جميع شروطها مطابقة للقانون والدستور، بما يجعلها برنامجا حكوميا لكلا التحالفين، وفق رأيه.

وعن مباحثات تحالف عزم مع كتلة الإطار التنسيقي الرافض لنتائج الانتخابات قبل أيام، أكد الجبوري للجزيرة نت على أنه لم يحصل أي اتفاق بين عزم والإطار التنسيقي، وكانت هناك مباحثات بينية مع الإطار لا أكثر، وفيما يتعلق بعدد مقاعد التحالف، أكد أنه يبلغ 34 نائبا بعد انضمام بعض المستقلين للتحالف، لافتا إلى أن الأيام القادمة قد تشهد زيادة العدد إلى 37 نائبا.

واختتم الجبوري أن تحالفه لن يذهب مع كتلة شيعية دون أخرى، بما يعني انتظار حسم الخلافات داخل البيت الشيعي الذي يضم التيار الصدري المتصدر للانتخابات والإطار التنسيقي والكتل الأخرى.

أما عن تحالف تقدم، فوفق النتائج النهائية الصادرة عن مفوضية الانتخابات، فإن التحالف حصد 37 مقعدا نيابيا، إلا أن التحالف أكد أن عدد أعضائه تجاوز 40 مقعدا بعد انضمام عدد من المستقلين.

وكان مراسل الجزيرة نت قد حاول التواصل مع المتحدث باسم تحالف تقدم النائب الفائز يحيى المحمدي للوقوف على الاتفاق مع تحالف عزم، إلا أن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.

استاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل - محمود عزو
عزو اعتبر أن اتفاق تحالفي عزم وتقدم استنساخ للتجربة الكردية (الجزيرة نت)

إمكانية استمرار التحالف

وفيما يتعلق بالتحالف الأخير، وبالعودة إلى رئيس مركز التفكير السياسي، فإنه يرى أن اتفاق تحالفي تقدم وعزم سيوحدهما مرحليا لكن ليس على المستوى الإستراتيجي المستمر، لا سيما أنه لا مشتركات سياسية بين الطرفين، مؤكدا على أن تحالفهما سيعطي انطباعا على أن السنة في جبهة سياسية واحدة.

وعن مدى استمرارية هذا التحالف، يعتقد الشمري أن هذا التحالف سيتصدع بعد تشكيل الحكومة وتحديد الشخصيات التي ستتبوأ المناصب الرئاسية الثلاثة المتمثلة برئاسة الجمهورية والبرلمان ورئاسة الحكومة.

من جانبه، اعتبر محمود عزو أستاذ العلوم السياسية بجامعة الموصل أن اتفاق تحالفي عزم وتقدم يعد استنساخا للتجربة الكردية، بما يعني أن البيت السني سيتفاوض في جبهة واحدة لأجل تشكيل الحكومة، دون مقدرتهما على توحيد البيت السني، خاصة أن الاتفاق بين الطرفين جاء في حيثياته أنه يسعى لاستحصال المنافع السياسية والحكومية للمناطق التي يمثلها التحالف.

وعن مدى تأثير الاتفاق في تشكيل الحكومة، يوضح عزو للجزيرة نت أن الاتفاق لا يتعلق باختيار رئيس الوزراء على اعتباره من حصة البيت الشيعي، لافتا إلى أن جميع الأطراف (السنية والكردية) تنتظر توافق البيت الشيعي من أجل الدخول في المفاوضات.

من مواقع التواصل الاجتماعي - الباحث السياسي - غانم العابد
العابد: اتفاق تقدم وعزم جاء بتوصية من طرف خارجي وبضمان طرف داخلي (مواقع التواصل)

وبالعودة إلى غانم العابد، حيث يرى أن اتفاق تقدم وعزم جاء بتوصية من طرف خارجي، في إشارة إلى تركيا، في حين أن الضامن السياسي للاتفاق طرف داخلي، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وعن مدى استمرارية الاتفاق، يضيف العابد للجزيرة نت أن الاتفاق يعد مصلحيا أكثر من كونه لخدمة المكون السياسي، عازيا ذلك لمحاولتهما تقاسم المناصب إضافة إلى تعدد القيادات السياسية داخل تحالف عزم الذي يضم العديد من القوى، بما قد يمهد لتفكك تحالف عزم بعد تشكيل الحكومة أو تشظيه وفق مصلحة أقطابه، وفق العابد.

ويتابع أن كلا الطرفين -تقدم وعزم- سيحاول سحب الآخر لطرفه وداعميه، لا سيما أن توجهات الطرفين السياسية مختلفة تماما من خلال قربهما من الكتل السياسية الشيعية والدول الإقليمية الفاعلة في البلاد.

المصدر : الجزيرة