ارتدادات محاولة اغتيال الكاظمي وأزمة الانتخابات.. هل يتجه العراق نحو اقتتال داخلي أم اتفاق سياسي؟

غليان الشارع تعكسه محاولة اغتيال الكاظمي والمواجهات بين الأمن والرافضين لنتائج الانتخابات، ويرى مراقبون أن جهات خارجية وداخلية تسعى إلى فوضى سياسية وشعبية في البلاد

Drone attack targets residence of Iraqi premier in Baghdad
تأهب أمني في بغداد عقب محاولة الاغتيال الفاشلة للكاظمي (الأناضول)

عاد العراق إلى واجهة الأحداث العالمية خلال الأيام القليلة الماضية، إثر تطورات متسارعة أعقبت إعلان النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأثارت مخاوف من أن تكون مقدمة لأعمال عنف واسعة النطاق.

بخلاف الأزمات السابقة التي شهدها العراق بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، تنحصر الأزمة الراهنة بين القوى والفصائل الشيعية، مما يثير مخاوف من احتمال اندلاع اقتتال بينها. وبدأت بوادر الأزمة إبان إعلان النتائج الأولية للانتخابات، التي حملت مفاجآت أبرزها التراجع الكبير لتحالف "الفتح"، وهو مظلة سياسية للفصائل الشيعية المقربة من إيران، مما قلل بشكل كبير من قوتها في البرلمان.

وتصَّدرت "الكتلة الصدرية"، التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، النتائج بـ73 مقعدا من أصل 329، في حين حصلت كتلة "تقدم"، بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي على 38 مقعدا، وفي المرتبة الثالثة حلت كتلة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بـ34 مقعدا، بينما يعد تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري أبرز الخاسرين، بحصوله على 16 مقعدا فقط، بعد أن حل ثانيا برصيد 48 مقعدا في انتخابات عام 2018.

ويقول ما يعرف بالإطار التنسيقي للقوى الشيعية إن نتائج الانتخابات "مفبركة" وجرى "التلاعب" بها، وأطلقوا تهديدات مبطنة بأن المضي قدما بهذه النتائج المعلنة من شأنه "تعريض السلم الأهلي إلى الخطر"، وواصل المئات من أنصارهم الاعتصام للأسبوع الثالث أمام إحدى بوابات المنطقة الخضراء وسط بغداد، لكنه تطور يوم الجمعة الماضي إلى مواجهات مع القوات الأمنية حينما حاول المحتجون اقتحام تلك المنطقة التي تضم مقارا حكومية، منها المفوضية العليا للانتخابات وسفارات أجنبية، خاصة سفارة الولايات المتحدة.

وقتل متظاهر بعد إصابته بالرصاص وفق ما أفاد مصدر أمني، وأصيب 125 آخرون بجروح "أغلبيتهم من القوات الأمنية" -وفق وزارة الصحة- إثر تلك الصدامات، في حين قال مصدر في كتائب حزب الله (أحد فصائل الحشد الشعبي) إن متظاهرَين على الأقل قتلا، وهو ما أثار غضب الفصائل الشيعية التي حملت حكومة مصطفى الكاظمي المسؤولية.

وغداة ذلك نجا الكاظمي فجر الأحد الماضي من محاولة اغتيال فاشلة بـ3 طائرات مسيرة مفخخة، محملة بالمتفجرات. وأُصيب العديد من حراسه الشخصيين بجروح، وأعقب ذلك انتشار أمني مكثف في محيط المنطقة الخضراء، وسط إدانات محلية ودولية واسعة لمحاولة الاغتيال.

ويخشى كثير من العراقيين أن يتحول التوتر بين الفصائل الشيعية الرئيسية، التي تهيمن على الحكومة ومعظم مؤسسات الدولة وتتباهى أيضا بأذرعها المسلحة، إلى صراع أهلي واسع إذا وقع مزيد من هذه الحوادث.

Protests in Iraq after election results
أنصار القوى الرافضة لنتائج الانتخابات يواصلون الاعتصام قرب بوابات المنطقة الخضراء وسط بغداد (الأناضول)

غليان الشارع

وقال المحلل السياسي سعد الزبيدي للأناضول إن "التطورات الأخيرة، سواء المواجهات المباشرة بين قوات الأمن والمتظاهرين (أنصار القوى والفصائل الخاسرة بالانتخابات) أو محاولة اغتيال الكاظمي، تعكس الغليان الموجود في الشارع".

ولم يستبعد تورط دول إقليمية (لم يسمها) في محاولة الاغتيال، بهدف "إثارة اقتتال شيعي- شيعي وإرباك الأوضاع في العراق قبيل إعلان النتائج النهائية والبدء في مرحلة تشكيل الحكومة". ورأى أن "المعطيات الحالية تدل على وجود غليان وشق كبير داخل البيت الشيعي على جميع الأصعدة، سواء السياسي أو الأمني". وتابع: "التصعيد من قبل الحكومة سيعكس رسالة سلبية عن الأوضاع والانفلات الأمني في العراق، وبالتالي ستحاول حكومة الكاظمي عدم الانجرار وراء التصعيد".

وأثارت محاولة اغتيال الكاظمي فجر الأحد الماضي صدمة في العراق وتنديدا إقليميا ودوليا واسع النطاق، وزادت من مخاوف انجرار البلد مرة أخرى إلى الفوضى وأعمال العنف. وقال الكاظمي إنه يعلم من يقف وراء الهجوم، وتوعد بالكشف عن المتورطين.

وقال أحد المسؤولين الأمنيين العراقيين لوكالة "رويترز" إن الطائرات المسيرة التي استُخدمت في الهجوم كانت من ذوات الـ4 مراوح، وإن كل واحدة منها كانت تحمل مقذوفا يحتوي على مواد شديدة الانفجار قادرة على تدمير المباني والمركبات المدرعة.

وأضاف المسؤول أن هذه الطائرات من نوع الطائرات المسيرة إيرانية الصنع والمتفجرات التي استُخدمت هذا العام في هجمات على القوات الأميركية في العراق، والتي حملت واشنطن مسؤوليتها لفصائل مدعومة من إيران، من بينهم كتائب حزب الله.

وعادة ما تتهم الولايات المتحدة فصائل شيعية عراقية مرتبطة بإيران بالوقوف وراء هذه الهجمات. وبين واشنطن وطهران ملفات خلافية عديدة، أبرزها سياستهما الخارجية في منطقة الشرق الأوسط والملف النووي الإيراني.

واستهدفت الولايات المتحدة الشهر الماضي برنامج الطائرات المسيرة الإيراني بعقوبات جديدة قائلة إن الحرس الثوري الإيراني نشر طائرات مسيرة ضد القوات الأميركية وحلفاء واشنطن الإقليميين والملاحة الدولية.

Destruction at Iraqi PM residence following drone attack, in Baghdad
محللون: الهجوم رسالة من الفصائل بأنها على استعداد للجوء إلى العنف إذا استُبعدت من تشكيل الحكومة (رويترز)

رسالة الهجوم

وقال مسؤولون عراقيون ومحللون إن الهجوم كان رسالة من الفصائل بأنها على استعداد للجوء إلى العنف إذا استُبعدت من تشكيل الحكومة أو إذا تم تحدي هيمنتها على أجزاء واسعة من أجهزة الدولة.

وقال المتخصص في شؤون الفصائل الشيعية العراقية في معهد واشنطن، حمدي مالك، لرويترز إن الهجوم رسالة واضحة مفادها "يمكننا إثارة الفوضى بالعراق، لدينا الأسلحة ولدينا الوسائل".

وقالت مصادر في جماعة مسلحة إن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني سافر إلى العراق -أمس الأحد- بعد الهجوم للاجتماع مع زعماء الفصائل المسلحة وحثهم على تجنب أي تصعيد آخر للعنف.

ولم تعلن أي جماعة بعد مسؤوليتها عن الهجوم.

وأوضح مالك أن الهجوم يشير إلى أن الفصائل المدعومة من إيران تضع نفسها في مواجهة الصدر، الذي يتبعه أيضا فصيل مسلح، وهو سيناريو من شأنه أن يضر بنفوذ إيران، وبالتالي من المرجح أن تعارضه طهران.

وقال "لا أعتقد أن إيران تريد حربا أهلية بين الشيعة. ذلك سيضعف وضعها في العراق ويسمح لفصائل أخرى بأن تصبح أقوى".

ويراقب العديد من الجماعات المتحالفة مع إيران صعود الصدر السياسي بقلق، خوفا من إبرامه اتفاقا مع الكاظمي وحلفائه الشيعة المعتدلين، وحتى مع السنة والأكراد، وهو ما من شأنه أن يبعدها عن السلطة.

وتنظر الجماعات المدعومة من إيران إلى الكاظمي باعتباره رجل الصدر، كما تعتبره صديقا للولايات المتحدة، الخصم اللدود لطهران.

Vote counting continue in Iraq
المفوضية انتهت الأحد الماضي من إعادة الفرز والعد اليدوي للأصوات المطعون فيها (الأناضول)

احتواء الأزمة

ووفق المحلل السياسي علي فضل الله -في حديث للأناضول- فإن "هناك جهات خارجية وداخلية (لم يسمها) تسعى إلى إدخال العراق في فوضى سياسية وشعبية، عبر استهداف منزل الكاظمي، والمتظاهرين التابعين للحشد الشعبي".

ورأى فضل الله أن "المعطيات الحالية، بعد تشنج الأوضاع الأمنية والسياسية، تذهب صوب العودة إلى الهدوء والجلوس إلى طاولة الحوار بين الجهات المتنازعة". وأضاف أن "توصل القوى الشيعية المتنازعة إلى اتفاق سياسي بشأن الحكومة المقبلة سيكون كفيلا بعودة الهدوء".

ويطالب المعترضون على النتائج بإعادة فرز جميع الأصوات يدويا، بينما تقول مفوضية الانتخابات إن القانون يتيح فقط لها إعادة فرز وعد الأصوات التي قُدمت بشأنها طعون مدعمة بأدلة.
وبالفعل، انتهت المفوضية الأحد الماضي من إعادة الفرز والعد اليدوي للأصوات المطعون فيها. ووفق بيانات سابقة للمفوضية، فإن نتائج الفرز اليدوي لجزء من الأصوات المطعون بشأنها مطابقة لنتائج الاقتراع الإلكتروني المعلنة سابقا.
وللمرة الأولى في العراق، مرر الناخبون بطاقات الاقتراع على أجهزة إلكترونية، قبل وضع البطاقات في الصناديق، وفور إغلاقها، جرى إرسال النتائج عبر الإنترنت إلى مقر المفوضية في بغداد، كما حمَّلت اللجان النتائج على شرائح تخزين، وأرسلتها إلى المفوضية للتأكد من عدم التلاعب بها.

وفي حال أصر الرافضون على موقفهم، فإن الأوضاع قد تتأزم بصورة أكبر في الأسابيع والأشهر المقبلة.

وقال المحلل السياسي صباح العكيلي للأناضول إن "العراق يعيش الآن أزمة انتخابية نتيجة رفض كتل سياسية عديدة لنتائج الانتخابات". ورأى أن "الأوضاع الحالية تدل على إمكانية تصعيدها والدخول في أزمة أكبر خلال الفترة المقبلة". وحذر من أن "تمسك الكتل السياسية برفضها نتائج الانتخابات سيذهب بالعراق نحو اقتتال داخلي ستكون عواقبه كبيرة".

المصدر : وكالات