المحامي خالد زبارقة للجزيرة نت: المحكمة الإسرائيلية في مأزق بعد رفض أهالي الشيخ الجراح التسوية وهذه خياراتها في القضية

يقول المحامي الخبير بقضايا القدس إن التسوية الوحيدة التي يمكن لأهالي حي الشيخ جراح القبول بها هي إعلان المحكمة العليا عن تجميد الوضع الحالي على ما هو عليه دون البت لا في موضوع الملكية، ولا الطلب من السكان دفع إيجارات للمستوطنين.

المحامي خالد زبارقة: المحاكم الإسرائيلية هي التي تعطي الشرعية لجرائم الاحتلال في مجمل القضايا الفلسطينية (الجزيرة نت)

القدس المحتلة- منذ تقديم أهالي حي "كرم الجاعوني" في منطقة الشيخ جراح بالقدس المحتلة، ردّهم قبل أيام برفض التسوية التي اقترحتها المحكمة الإسرائيلية العليا، تزايدت التساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة في المسار القضائي للقضية خلال الأيام المقبلة.

وتضمّنت التسوية المقترحة اعتبار أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية المسماة "نحلات شمعون"، وتُمهد لمصادرة حقهم في أراضيهم بشكل تدريجي.

المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة، أكد في حوار خاص مع الجزيرة نت، أهمية استمرار مناصرة أهالي الحي المهدد بالإخلاء والطرد لصالح المستوطنين، محذرا من قبول أية تسويات جديدة تطرحها المحكمة، قد تؤدي لخلخلة الموقف القانوني القوي للسكان أمام القضاء الإسرائيلي.

وهنا نص الحوار مع المحامي زبارقة، الذي استهله بالحديث عن الخيارات المطروحة أمام المحكمة الإسرائيلية العليا في الوقت الراهن:

عائلات حي الشيخ جراح ترفض "تسوية" المحكمة العليا الإسرائيلية
لافتة تدعو إلى استمرار مساندة حي الشيخ جراح وتشدد على صمود عائلاته (الجزيرة)

– بعد رفض أهالي "الشيخ جرّاح" بالإجماع التسوية التي تعتبرهم "مستأجرين محميين" عند إحدى الجمعيات الاستيطانية، ما الخيارات المطروحة أمام المحكمة الإسرائيلية الآن؟

المحكمة العليا ستكون أمام 4 خيارات في الأيام المقبلة؛ أولها تحديد جلسة جديدة لسماع مرافعات المحامين من الطرفين، أو اقتراح تسوية أخرى معدلة، أو طلب تلخيص للمرافعات السابقة للأطراف، والخيار الأخير إصدار قرار بناءً على المرافعات المتوفرة لديها في ملف طلب الاستئناف الذي قدمته عائلات الشيخ جراح ضد القرارين الصادرين عن محكمتي الصلح والمركزية بالإخلاء.

– هل لدى المحكمة العليا الجرأة الكافية لتجاهل القرارات الصادرة عن سابقاتها بإجلاء سكان الحي، واتخاذ قرارات لصالحهم؟

مساحة تدخُل المحكمة الإسرائيلية العليا الآن ضيقة جدا باتجاه قبولها الاستئناف المقدم من الأهالي، وإصدار أمر بإلغاء إجلائهم. وهو يخالف ما صدر عن المحاكم السابقة، لأن اعتبارات المحكمة الآن ليست اعتبارات قانونية بحتة، بل تأخذ بعين الاعتبار نظرة اليهود لها في حال أصدرت قرارا لمصلحة العرب. وتحذر أيضا من ردود الفعل التي ستنجم عن رد الاستئناف وإعطاء حق الملكية للمستوطنين بالأرض، وتبعات هذا القرار على المستويين الإقليمي والدولي.

– على ضوء ذلك، هل يمكننا القول إن المحكمة الإسرائيلية العليا في مأزق حقيقي الآن؟

بالفعل السلطة القضائية الأعلى في إسرائيل وُضعت في مأزق حقيقي، وكانت تتمنى أن يقبل الطرفان بمقترح التسوية لتخرج بأقل الخسائر.

من يدير قضية الشيخ جراح من الجانب الإسرائيلي هم عُتاة المستوطنين الذين يثيرون الشغب في باب العامود، وهم أيضا من يعملون على تهويد مقبرة اليوسفية الإسلامية في القدس، وهم من يعتدون على المزارعين الفلسطينيين في أراضيهم.

وينتمي هؤلاء لجهة سياسية متنفّذة، ويشكلون تهديدا لشرعية المحكمة العليا. وبالتالي تحسب الأخيرة لهؤلاء حسابا وتحاول ألا تصل إلى قرارات ضدهم خاصة في الملفات المصيرية.

– لماذا رفض المستوطنون التسوية أيضا، رغم أنها تُمهد لمصادرة حق الأهالي في أراضيهم بالشيخ جراح وبشكل تدريجي؟

المستوطنون يتعاملون مع الملف بنظرة سياسية لا قانونية، فهم لا يريدون أن يكون هناك أي مجال للشك بحقهم في ملكية الأرض.

ويستند هؤلاء على قرارات محكمتي الصلح والمركزية التي كانت لصالحهم بإصدار أوامر إخلاء وهذا ما كانوا ينتظرونه من العليا. لكن الأخيرة اقترحت تسوية وهم كانوا ينتظرون منها رد استئناف الأهالي وإصدار قرار بالإخلاء الفوري لصالحهم.

حسب الأصول القانونية قدّم أهالي الشيخ جراح ما يثبت عدم صدق المستندات التي قدمتها الجمعيات الاستيطانية، ويُفترض أن تُلزم الأوراق الثبوتية المقدمة القضاء الإسرائيلي باتخاذ قرار لصالح السكان، لكن الإجراءات القانونية تسير وفقا لمصلحة المستوطنين.

– إذاً، المستوطنون المتطرفون أصبحوا لا ينتظرون من المحاكم الإسرائيلية قرارات داعمة لها فحسب، بل اتخاذ خطوات أخرى لسلب حقوق الفلسطينيين بواسطة الجهاز القضائي؟

صحيح، لو أننا أمام جهاز قضائي عادل ونزيه ويتمتع بالأسس القضائية المتعارف عليها، لقلتُ فورا إن قضية الشيخ جرّاح محسومة لصالح سكان الحي من اللاجئين الفلسطينيين، لكن القضاء الإسرائيلي ليس كذلك.

هذا الجهاز لديه اعتبارات كثيرة جدا غير رد الحقوق إلى أصحابها، ولعلّ أبرزها نظرة اليهود لشرعية هذه المحكمة، خاصة أن المجتمع الإسرائيلي يتجه أكثر نحو اليمين والتطرف.

يمكننا القول إن المحاكم الإسرائيلية هي التي تعطي الشرعية للجرائم الاحتلالية في مجمل القضايا الفلسطينية. وعلى الجميع أن يفهم جيدا أن شرعية المحاكم وعلى رأسها "العليا" في مأزق على المستويين الإقليمي والدولي. ولذا، من المهم استمرار تفعيل الضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب استمرار الحراك الشعبي المناصر لقضية الشيخ جراح.

قضية الشيخ جراح أمام المحكمة الإسرائيلية العليا للبت في مصير مئات الفلسطينيين من أهالي الحي (الجزيرة)

– ما دمت ذكرت أهمية التفاعل معه، ما خطورة الفتور أو التراجع عن دعم ومناصرة أهالي الشيخ جراح؟

الخطر الحقيقي يكمن في أن المحكمة الإسرائيلية العليا تعتمد في قراراتها على التقارير المخابراتية التي ترِد إليها، وبالتالي تنتظر الوضع والوقت الملائمين من أجل إصدار قرار نهائي في الملف الذي أمامها.

وكلما بقيت قضية الشيخ جراح حيّة وحاضرة، زاد الضغط على المحكمة العليا، وتصاعد المناصرة الشعبية للسكان سيحرك المجتمع الدولي والمنظمات الدولية التي ستدفع باتجاه تأجيل الإخلاء أو منعه.

– قلت إن أحد الخيارات إصدار قرار نهائي بإجلاء السكان من الحي، في حال تم ذلك، هل تعتقد أنه سيكون قريبا أم سنشهد تكرارا لسيناريو الخان الأحمر الذي تطلب الحكومة الإسرائيلية تأجيل تنفيذه حتى الآن؟

أرى أن قرار المحكمة العليا بالإخلاء أو قرار تنفيذ الإخلاء، يعتمد على حجم التفاعل سواء المحلي أو الدولي مع قضية الشيخ جراح، واليوم الضامن الوحيد لمنع التعسف الإسرائيلي والتغوّل في حقوق الفلسطينيين ليس المحكمة العليا ولا القانون الإسرائيلي، بل التحرك الجماهيري والمجتمع الدولي المناصر لهذه القضايا، وهذا يعتمد على الحركة على الأرض بالأساس.

– في حال وافق الأهالي على أية تسوية قادمة، ما خطورة ذلك على قضايا الإخلاء المشابهة في حي بطن الهوى ببلدة سلوان وغيرها؟

يجب الحذر من أي طرح قادم من المحكمة، لأن أي خسارة قد تنسحب على أحياء أخرى مهددة بالإخلاء. فكل قرار أو نهج يصدر عن المقدسيين في القضايا المصيرية ستعتمد عليه المحاكم في القضايا المشابهة.

الشيخ جراح ليست قضية العائلات التي تسكن في الحي فحسب، بل قضية كل المقدسيين الذين يدفعون ثمن صمودهم في المدينة، وبالتالي لا يجوز التفرد بالقرارات المصيرية، لأن لها تبعات على كل القضايا الأخرى.

الحرب الآن تتركز على الوعي الفلسطيني لتحويله من عقل يقاوم الاحتلال على المستوى المعنوي إلى عقل يقبل بالاحتلال وممارساته.

الشيخ جراح، رجال وشباب الحي يتجمعون في الشارع لمراقبة تحركات المستوطنين(الجزيرة نت)
صمود أهالي حي الشيخ جراح والتضامن الفلسطيني والدولي معهم أفشل طردهم (الجزيرة)

– أخيرا، ما التسوية الوحيدة المناسبة لأهالي حي الشيخ جرّاح بما أن أحد الخيارات المطروحة هي اقتراح تسوية أخرى معدّلة؟

يجب عدم الموافقة على أي تسوية تعترف بشكل أو بآخر بحق الجمعيات الاستيطانية في ملكية الأرض. والتسوية الوحيدة التي يمكن للسكان القبول بها هي إعلان المحكمة العليا تجميد الوضع الحالي على ما هو عليه، دون البت لا في موضوع الملكية ولا الطلب من السكان دفع إيجارات للمستوطنين.

المصدر : الجزيرة