عام على معركة قره باغ.. معادلات إقليمية جديدة في جنوب القوقاز

Azerbaijan marks anniversary of 2020 Nagorno-Karabakh war's end
مواطنون أذربيجانيون يشاركون في إحياء الذكرى الأولى لانتصار بلادهم في الحرب بمعركة قره باغ (رويترز)

أنقرة- قبل عام هدأت أصوات المدافع جنوبي القوقاز، واليوم يعود ذاك الهدير من جديد؛ لكنه نتيجة إحياء الأذربيجانيين ذكرى انتصار قوات بلادهم على نظيرتها الأرمينية في إقليم قره باغ، حيث شهدت العاصمة باكو مسيرة شارك فيها المواطنون وفرسان حرس الحدود حاملين الأعلام الأذرية والتركية.

ومع حلول الذكرى الأولى للحرب الأرمينية الأذرية، تشهد منطقة جنوب القوقاز تبدلا واسعا في ملامح الجغرافيا السياسية وتوزيع النفوذ ومعادلات إقليمية جديدة.

وفي 27 سبتمبر/أيلول 2020، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه في إقليم قره باغ، وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوماً، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينصّ على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.

مؤتمر صحفي بين أردوغان وإلهام علييف في أذربيجان
أردوغان في مؤتمر صحفي مع نظيره الأذربيجاني ضمن زيارته لباكو في 18 يونيو/حزيران الماضي (الأناضول)

اللاعب التركي

يرى مراقبون أن تركيا باتت الحليف الإستراتيجي الإقليمي الأهم لأذربيجان عقب الدور التركي البارز والدعم الكبير الذي قدمته أنقرة لباكو إبان وبعد حرب إقليم قره باغ.

وسبق أن أشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى أنّ تلك الحرب أظهرت عمق الروابط بين بلاده وتركيا، وكان للشركات التركية أولوية في المناقصات المتعلقة بعملية إعادة إعمار إقليم قره باغ.

وصدرت أنقرة آليات إزالة ألغام إلى باكو، وأرسلت القوات المسلحة التركية فرقا مختصة بالبحث عن الألغام وإزالتها، بدءا من ديسمبر/كانون الأول 2020. وتواصل الفرق التركية أداء مهامها لدعم أذربيجان منذ نحو عام كامل.

وشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -خلال زيارة رسمية في الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم تلبية لدعوة تلقاها من نظيره الأذربيجاني- في مراسم افتتاح مطار فضولي الدولي، وتبع ذاك وضع حجر الأساس لطريق سريع في مدينة فضولي المحررة في قره باغ.

واستفادت تركيا من شق ممر "زنغازور" يحوي طرقا سريعة وخطوط سكك حديدية عبر الأراضي الأرمينية من أجل ربط أذربيجان بأراضيها الواقعة في منطقة نخجوان، حيث إن هذا الممر يُتيح لتركيا الوصول إلى أراضي أذربيجان، وبلوغ آسيا الوسطى.

وبعد 7 شهور من انتهاء حرب قره باغ، أعلنت كل من أذربيجان وتركيا التوقيع على "إعلان شوشة"، وهو بمثابة خريطة طريق لتعزيز التحالف الإستراتيجي بين البلدين، والتمهيد لآفاق جديدة من التعاون طويل الأمد بينهما مستقبلا في عدد من المجالات الحساسة.

وقع الإعلان كل من الرئيس علييف والرئيس أردوغان، وذلك خلال الزيارة الأولى من نوعها للرئيس التركي إلى مدينة شوشة العاصمة الثقافية لإقليم قره باغ.

ويتناول الإعلان بشكل أساسي استعداد الطرفين لتقديم الدعم العسكري اللازم في حال تعرض أي منهما لأي اعتداء خارجي أو تهديد لوحدة وسلامة وسيادة أراضيهما من قبل دولة ثالثة.

ووفقا للباحث في العلاقات الدولية بمركز ابن خلدون، الدكتور علي باكير، فتركيا تريد أن تقول إنها اللاعب الأكثر كفاءة وقوة ومصداقية وقدرة على الحد من نفوذ روسيا في المنطقة، بدليل دور أنقرة الحاسم في منع تفرد موسكو في سوريا وليبيا وقره باغ. تركيا أيضا بصفتها ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) قادرة على تفعيل دوره وإعطائه زخما وبُعدا جيوبوليتيكيا جديدا في عمق آسيا الوسطى، لا سيما مع تفاعل ملف أفغانستان وقرب انسحاب قوات الناتو من هناك.

وقال باكير للجزيرة نت "تركيا أصبحت قادرة أكثر على توسيع آفاق التفاهم والتعاون مع الدول الناطقة بالتركية في الإقليم، ودولة ملتزمة بتحالفاتها وقادرة على الموازنة مع القوى الكبرى وعلى إحداث الفارق حينما يجد الجد، وإن نموذج أذربيجان ليس استثنائيا في مجال التحالف مع أنقرة".

Azerbaijanis celebrate liberation of Kalbajar Region
أذربيجانيون يحملون أعلام بلادهم والأعلام التركية خلال احتفالات بانتصار قوات بلادهم على أرمينيا  (الأناضول)

تطبيع وتوتر

وفي السياق، اعتبر الكاتب الصحفي التركي إسماعيل ياشا أن "إيران تشعر حتى الآن بمرارة الهزيمة التي منيت بها مع انهزام الأرمن في معركة قره باغ، وتجد صعوبة بالغة في تقبل التوازنات التي غيرتها نتائج الحرب، لا سيما بعدما دعمت القوات الأرمينية بالأسلحة والذخائر".

وقال ياشا للجزيرة نت "ما يقلق طهران، والجديد في المعادلة، هو تعزيز باكو تعاونها مع أنقرة وإسلام آباد، والمناورات العسكرية المشتركة التي تجريها الدول الثلاث".

في المقابل، تركيا وأرمينيا تبديان بين الحين والآخر رغبة في تطبيع علاقاتهما -وفقا لياشا- الذي أضاف أن تركيا كانت تشترط لتطبيع علاقاتها مع أرمينيا أن تنسحب الأخيرة من الأراضي الأذربيجانية، وبعد تحرير معظم أجزاء إقليم قره باغ، تجددت المساعي الرامية إلى تطبيع العلاقات التركية الأرمينية، ومن المؤكد أن تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا سيسهل تطبيع علاقات الأخيرة مع أذربيجان، مما يؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني أكثر في تلك المنطقة.

Azerbaijan marks anniversary of 2020 Nagorno-Karabakh war's end
قوات أذربيجانية خلال احتفالات بالذكرى الأولى لانتصار بلادهم في الحرب حول إقليم قره باغ (رويترز)

نظام إقليمي جديد

وحسب دراسة لمعهد الدراسات الدولية، فقد ظهر نظام إقليمي جديد بعد معركة قره باغ، وهذه سماته:

  •  أظهرت روسيا أنها تبقى قوة رئيسية في محيطها حيث بات مركزها أكثر قوة، فلأول مرة في تاريخ هذا الصراع، تتمكن موسكو من نشر قوة عسكرية بألفي رجل، وهو أمر لم تكن لتطمح به في الماضي نظرا لتحفظات أذربيجان أمام أي حضور عسكري روسي في القوقاز.
  • تتوغل تركيا في القوقاز، إذ إن دعمها لأذربيجان كان أساسيا لانتصار باكو. وكمكافأة، حصلت أنقرة على ممر بين نخجوان وأذربيجان، أي على تواصل مع باقي العالم الناطق باللغة التركية، ليمتد طريق التواصل هذا من إسطنبول حتى سهول آسيا الوسطى، وهو تحقيق لحلم تركي قديم.
  •  إيران انكفأت، بينما أرمينيا وأذربيجان تسيران نحو التطبيع.
  •  يتراجع الغرب في المنطقة إذ لم يُسمع الكثير من بقية رؤساء دول مجموعة مينسك، أي فرنسا والولايات المتحدة، خلال الأسابيع الستة للصراع، ولم تتم دعوتهما إلى طاولة المفاوضات. في المقابل، أظهرت تركيا وروسيا أنهما قادرتان على العمل معا في مناطق عدة من العالم، مثل قره باغ وليبيا وسوريا وغيرها، لإدارة الصراعات رغم اختلافهما، وبذلك استبعاد الغرب، الذي يقتصر دوره على الاعتراف بتغيرات وضع دولي مختلف تماما عما كان عليه.
المصدر : الجزيرة