لبنان.. ما السيناريوهات المحتملة بعد الخميس الدامي؟ وما مصير تحقيقات انفجار المرفأ؟

يرى مراقبون أن لبنان أمام وضع سياسي صعب ومفتوح على كل الاحتمالات، وبعد تشييع ضحايا الاشتباكات أمس الخميس ينتظر أن تعلن الأطراف السياسية مواقفها لتحديد المسؤوليات ومصير التحقيق القضائي.

Beirut In Mourning the Day After Deadly Protest Violence
مؤيدون لحزب الله يشيعون أحد قتلى الاشتباكات أمس الخميس (غيتي)

يخيم الهدوء الحذر على شوارع بيروت بعد إعلان اليوم الجمعة يومَ حداد عام إثر سقوط نحو 7 قتلى وعشرات الجرحى، وسط خشية من تجدد التوترات أثناء التشييع.

وعاش اللبنانيون نحو 5 ساعات دامية حفرت في ذاكرتهم مشاهد الحرب الأهلية وخطوط التماس بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، وتخلل المواجهات إطلاق نيران الرشاشات والقذائف الثقيلة وانتشار القناصة على سطوح الأبنية.

ويرى مراقبون أن المعركة السياسية حول ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، ومطالبة حزب الله وحركة أمل وتيار المردة الحكومة بعزل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار؛ قد يغرقان البلاد في مخاطر طائفية وسياسية وأمنية تكشف عن هشاشة السلم الأهلي.

واستدعت أحداث أمس الخميس مواقف محذرة من الاقتتال الأهلي، واتهم ثنائي حزب الله وحركة أمل مجموعات من حزب القوات اللبنانية (من أكبر الكتل المسيحية) بقتل وجرح مؤيدين لهما، رغم نفي القوات ذلك.

وتطرح الجزيرة نت أسئلة عن سيناريوهات ما بعد الخميس الدامي -مع عجز حكومة نجيب ميقاتي عن الاجتماع بسبب مطالبة حزب الله باتخاذها قرار عزل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار- على الكتاب والمحللين السياسيين حسين أيوب وقاسم قصير وجورج العاقوري، والخبير الدستوري بول مرقص.

  • هل سينتهي التوتر الأمني بعد المواجهات الدامية في شوارع بيروت؟

يجد حسين أيوب أن التوتر الأمني انتهى بمعناه الكبير، وذيوله قد تستمر كردات فعل عشائرية وسياسية وأمنية، والفترة الفاصلة عن موعد انتخابات الربيع المقبل في 2022، ستكون -حسب رأيه- حافلة بالأحداث الأمنية المتنقلة، تبعا لحسابات اللاعبين الأساسيين وحاجتهم لشد أعصاب جمهورهم، ويطرح التساؤل حول إذا كانت مصلحة القوى السياسية حاليا أن تجري الانتخابات أم تدفع نحو تأجيلها؟

ويرى جورج العاقوري أن اشتباكات الخميس "نتيجة مسار تراكمي لانتشار السلاح غير الشرعي بيد حزب الله، وغياب الدولة وعجزها عن فرض سيادتها على أراضيها". ويرجح أن تأخذ البلاد إلى حالة ضبابية وسوداوية أمنيا بانتظار بلورة مخرج لحقن الدماء.

ويتوقع قاسم قصير تراجع التوتر الأمني من دون انتهاء الأزمة بسبب الخلافات السياسية والقضائية، ويقلق من تجدد التوترات بسياقات أخرى، رغم حرص جميع الأطراف على عدم الانزلاق إلى ما يشبه الحرب.

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في منطقة الاشتباكات في حي الطيونة بالضاحية الجنوبية لبيروت (الأوروبية)
  • من يتحمل مسؤولية الدماء في بيروت؟

يذكر جورج العاقوري أن مناصري حزب الله جالوا بسلاحهم وقذائفهم، في حين وُجد سلاح فردي مع أهالي عين الرمانة، دفاعا عن أملاكهم في وجه مجموعات من "الشياح" دخلت منطقتهم وليس العكس.

وأضاف أن ما شهدته بيروت الخميس في النطاق الجغرافي بين الشياح وعين الرمان يتكرر "منذ انتهاء الحرب الأهلية، مرورا بمرحلة "الاحتلال السوري" من بداية التسعينيات حتى جلاء جيش النظام في 2005، إلى فرز البلاد بعد اغتيال الحريري بين قوى 8 و14 آذار، وصولا لانتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

ويرفض العاقوري تحميل القوات مسؤولية القتلى، "لأن الجيش والقضاء يحددان المسؤوليات".

يرفض قاسم القصير هذه المقاربة، لأن من أطلق النار على المتظاهرين يتحمل المسؤولية المباشرة لسقوط قتلى وجرحى. وقال إن الثنائي حركة أمل وحزب الله مدعوين لضبط عناصرهم، من دون أن يحملهما مسؤولية ما جرى، لأنهم تعرضوا لكمين مسلح من قبل القوات، على حد وصفه؛ مضيفا أن الثنائي عمل على امتصاص الوضع المتفلت، وحذرا من مخاطر عدم معالجة ما حصل.

من جهته، يلفت حسين أيوب إلى أن مبدأ تحميل المسؤولية ينطلق من الجهة التي دعت إلى التظاهر، أي حزب الله وحركة أمل وتيار المردة.

والقوات اللبنانية -في رأي أيوب- تريد أن تستثمر مسيحيا في الواقع المهتز، لأسباب انتخابية ومصالح خليجية، وتحديدا بعلاقتها مع السعودية (سياسيا وماليا)، كما يتحمل الجيش -في رأيه- المسؤولية، لأنه المعني الأول بالأمنن ولم يستعد كفاية لمنع المساس بالسلم الأهلي، رغم المعطيات بحوزته.

وانتهاء الواقعة بقتلى وجرحى من جهة واحدة -وفق أيوب- من دون أن يسقط جريح واحد من القوات "يعني أن الجهة الأخيرة مارست سياسة القنص المكشوف والمفتعل".

وتابع أن استمرار إظهار حزب الله كضحية لكمائن متنقلة "يؤدي إلى اهتزاز صورته ويشجع آخرين على تكرار العمل نفسه معه".

  • هل ستتمكن الحكومة من الانعقاد بعد أحداث الخميس؟

يشير قاسم قصير إلى أن ثمة جهودا تبذل لعقد جلسة حكومية، "لكنها مشروطة بمعالجة حاسمة لمصير المحقق العدلي، والأمر يستغرق وقتا".

ويجد حسين أيوب أن "الحكومة باقية لأسباب داخلية وخارجية، والكل يتجنب سقوطها بعد مصاعب ولادتها على مدار عام، ويرجح اجتماعها لاحقا، "لكن الزخم السياسي المرافق لولادتها داخليا وخارجيا انتهى بلا رجعة".

ويرى جورج أن الكرة في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون، وعليه إما أن يقوم بواجباته كرئيس لجميع اللبنانيين ويصر على فصل السلطات ولا يسمح بعزل البيطار، أو ينصاع لحليف فريقه السياسي حزب الله".

وقال إن من الصعب اجتماع الحكومة قريبا، لأن المسألة مرتبطة بسطوة حزب الله على قرارها.

  • هل ستؤدي أحداث الخميس إلى تنحية البيطار؟

سياسيا، يتوقع حسين أيوب أن يصبح البيطار أكثر تهيبا قبل إصدار مذكرة توقيف جديدة. ويشير إلى أن العبرة بالرسالة السياسية الموجهة إليه، مفادها "إذا كانت وظيفة القاضي تحصين السلم الأهلي بأحكامه فإن العكس قد حصل، ولن يتوفر السلم إلا بتنحيته".

ويرى قاسم قصير أن مصير القاضي غامض، وأحداث الخميس مؤشر خطير لانعكاسات أدائه الذي يتطلب علاجا فوريا.

ويقول جورج العاقوري إن حزب الله يريد الضغط بالدماء لتنحية قاضي التحقيق، بعد أن تداول تهديده بقصر العدل وافتعال وزرائه الأزمة بالحكومة.

دستوريا، يوضح بول مرقص أن الحكومة لا يحق لها التدخل في القضاء والتذرع بأن الإحالة إلى المجلس العدلي قد تمت بمرسوم حكومي، ولا يجوز التراجع عنه بالصيغة عينها.

والحالة الوحيدة التي تشكل مخرجا دستوريا للسلطة -وفق مرقص- بعد سقوط دعاوى العزل والارتياب، هي: أن يدرج بند على جدول أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب، التي ستعقد الثلاثاء القادم أو سواها، تسمح بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، للنظر في مدى إخلال الوزراء السابقين ورؤساء الوزراء المتعاقبين بقضية انفجار المرفأ؛ ويتطلب البند تصويت أكثرية عادية من البرلمان.

وقال إن البرلمان سيتذرع حينها بأن صلاحيته انعقدت، ونشهد تزاحما سلبيا مع المحقق العدلي، الذي قد يتمسك بصلاحياته ما دام باشر إجراءات التحقيق قبل البرلمان.

وإذا وجد النواب أن نتيجة التحقيق تضع الوزراء أو رؤساء الوزراء في دائرة الاتهام، يمكن عقد جلسة أخرى للهيئة العامة لإحالة القضية إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (لم ينعقد منذ تأسيسه بالتسعينيات)، ويتطلب تصويت ثلثي أعضاء البرلمان.

وشهد لبنان مطالبات لنقل الملف من المجلس العدلي إلى المحكمة العسكرية، لكن الخيار غير ممكن -وفق مرقص- بعد أن وضع المجلس العدلي يده على الملف، وقال إن أي إجراء آخر سيكون سياسيا ولن يكون قانونيا.

People evacuate a casualty after gunfire erupted in Beirut
إخلاء أحد الجرحى أثناء اشتباكات بيروت أمس الخميس (رويترز)
  • هل أسست أحداث الخميس لمأزق سياسي جديد في لبنان؟

يرى قاسم قصير أن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، رغم عدم مصلحة أحد في العبث أمنيا، ويتوقع أن تدخل جهات خارجية مثل فرنسا وإيران ومصر لمعالجة التوتر وتخفيف مستوى الاحتقان.

ويرى المحلل أن لبنان أمام وضع سياسي صعب، وبعد تشييع الضحايا ننتظر مواقف الأطراف السياسية لتحديد طبيعة المسؤوليات ومصير التحقيق القضائي. وقال قصير إن الأزمة السياسية والأمنية ستنعكس حتما على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي".

ويتوقع جورج العاقوري أن تؤسس أحداث الخميس لمأزق كبير عنوانه التحريض والاحتقان بالشارع، مقابل خلل كبير في موازين القوى، وغياب الدولة لصالح بسط نفوذ حزب الله بالسياسة والسلاح.

ويخشى حسين أيوب على السلم الأهلي، نتيجة التجربة التاريخية للانسداد السياسي والقضائي. ويذكر أن المحكمة الدولية عام 2005 قادت البلد إلى الاستقالة من الحكومة ومحاصرة السرايا وصولا إلى السابع من مايو/أيار 2008.

والمحكمة نفسها أدت إلى استقالة حكومة سعد الحريري عام 2010، والأزمة المالية أطاحت بحكومة الحريري عام 2019، وانفجار مرفأ بيروت عام 2020 أطاح بحكومة حسان دياب.

أما هذه المرة، فالحكومة غير مرشحة للسقوط -حسب أيوب- "لكن النظام السياسي يتداعى، ولم يعد قادرا سوى على إنتاج الأزمات، والسؤال عن الصيغة السياسية للنظام مطروحا أكثر من أي وقت مضى".

ويرى أن المفارقة هي الاشتباك الأمني الأول من نوعه بين حزب الله والقوات، و"الأخطر أن حركة أمل (رئيسها نبيه بري) غير قادرة على التمايز عن الحزب بموقفها الإيجابي عادة من القوات".

وعليه، "فالكل رابح إلا لبنان والجيش ونجيب ميقاتي، وإذا استثمر فريق عون السياسي مسيحيا بالدفاع عن البيطار، ستكبر الهوة مع الحليف الوحيد حزب الله، وسيفتح البلاد على انعكاسات أشد تعقيدا وخطورة"، وفق أيوب.

المصدر : الجزيرة