بعد إعلان 96% من نتائج الانتخابات.. تعرف على الخارطة السياسية الجديدة في العراق

انتهت مرحلة الانتخابات التشريعية المبكرة بالعراق مع إعلان مفوضية الانتخابات النتائج الأولية بنسبة 96%، حيث شهد العراق الأحد الماضي خامس انتخابات تشريعية منذ الغزو الأميركي عام 2003.

وجاءت نتائج الانتخابات صادمة لكثير من الكتل السياسية والسياسيين في آن واحد، إذ فقدت كتل سياسية حضورها القوي في البرلمان العراقي، مقابل صعود كتل أخرى وتحقيقها نتائج لافتة.

مفاجآت النتائج

بحسب الموقع الرسمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، حصل التيار الصدري -الذي يتزعمه مقتدى الصدر- على الحصة الأكبر من مقاعد البرلمان بـ73 مقعدا، يليه في الصدارة تحالف تقدم الوطني برئاسة محمد الحلبوسي بـ38 مقعدا، ثم كتلة دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بـ37 مقعدا، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ32 مقعدا، يليه تحالف الفتح برئاسة هادي العامري بـ14 مقعدا، وذلك وفقا للنتائج الأولية.

واللافت في النتائج الأولية للانتخابات أن التيار الصدري حصد المرتبة الأولى بفارق كبير عن الدورة البرلمانية السابقة التي نال فيها 54 مقعدا فقط، إضافة إلى تحالف تقدم الذي حقق تقدما كبيرا بـ38 مقعدا.

فيصل اعتبر أن الانتخابات أحدثت تغييرا واضحا لصالح الأحزاب ذات الطابع الوطني مقارنة بالأحزاب ذات الميول الإقليمية (الجزيرة )

وفي هذا الصدد، يقول مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل إن 18 عاما من التجربة السياسية في البلاد أفرزت هذه النتائج، سيما أن الانتخابات الأخيرة أحدثت تغييرا واضحا في نتائج الأحزاب ذات الطابع الوطني مقارنة بالأحزاب الأخرى التي تتبنى ميولا سياسية وصفها بـ"الإقليمية".

ويتابع فيصل -في حديثه للجزيرة نت- أن الناخبين العراقيين عكسوا طبيعة الوعي السياسي الجديد الذي أفرزته معاناة العراقيين، وما تمخضت عنه مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، مما قد يعني أن العراق دخل في مرحلة سياسية قد تكون مغايرة عن سابقاتها.

أما فيما يتعلق بتحالف تقدم الوطني في المناطق الشمالية والغربية (السنية)، فأوضح فيصل أن محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وجزءا من ديالى وكركوك أفرزت نوابا بعيدين عن الأحزاب الإسلامية التقليدية، بما قد يفسر على أنه خروج من العباءة التي كانت تتهم بها هذه المناطق بعد تجربة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة منها.

من جهتها، أوضحت المفوضية العليا للانتخابات العراقية أن ما أعلنت عنه المفوضية يمثل 96% من النتائج، وأن هناك نحو 60 ألف ناخب لم تطلع المفوضية على أصواتهم بعد بانتظار فرزها في العاصمة بغداد، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير طفيف في النتائج.

أحزاب تشرين

لا تقتصر مفاجأة الانتخابات الأخيرة على التيار الصدري وتحالف تقدم، فرغم قصر عمر التجربة السياسية للأحزاب التي انبثقت عن المظاهرات الشعبية، ورغم مقاطعة كثير من المتظاهرين للانتخابات، فإنها حصدت ما يقرب من 15 مقعدا في مدن وسط وجنوب البلاد، وهو ما أكدته مفوضية الانتخابات العراقية عبر قوائم الأسماء التي نشرتها على موقعها الرسمي أمس الاثنين.

وفي هذا الصدد، يقول الناشط العراقي حسين علي إن قوى تشرين السياسية المتمثلة في حركة "امتداد" وكتلة "إشراقة تشرين" حصدت 15 مقعدا، بواقع 9 للأولى و6 للثانية، لافتا إلى أن حركة امتداد حازت 5 مقاعد في محافظة ذي قار ومقعدين في النجف ومقعدا عن كربلاء وآخر في بابل.

أما ما يتعلق بإشراقة تشرين، فيرى حسين -في حديثه للجزيرة نت- أن حصولهم على 6 مقاعد مع عدم تبنيهم لأي حملة إعلامية دعائية واسعة يعد نجاحا باهرا غير مسبوق في العملية السياسية في البلاد، وهو ما قد يعني بداية مرحلة جديدة في العراق عمادها الشباب، سيما أن جميع الفائزين عن أحزاب تشرين هم من الوجوه الشابة التي لم يسبق لها دخول المعترك السياسي.

هاشم أعرب عن خشيته من لجوء الأحزاب الخاسرة إلى خطوات خارج الأطر القانونية (مواقع التواصل)

أبرز الخاسرين

من جهته، يرى الباحث السياسي رعد هاشم أن فوز التيار الصدري كان متوقعا، لافتا إلى أن الماكنة الانتخابية للصدريين أجادت العمل في هذه الانتخابات وفق القانون الانتخابي الجديد رقم (9) لعام 2020 رغم عدم توقع الكثير بتجاوزه عدد مقاعد الدورة السابقة البالغ 54 مقعدا.

ولفت هاشم -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الكتل السياسة الخاسرة ومن بينها كتلة الفتح عبرت عن رفضها النتائج رغم عدم تقديمها أي دلائل على ذلك، سيما أن التحالف كان قد حصل على 47 مقعدا في انتخابات 2018.

ويرى هاشم أن الكتل السياسية الخاسرة من الأحزاب التقليدية الشيعية متمثلة بتحالف الفتح رفضت النتائج، وستلجأ أولا إلى الطرق القانونية للطعن بها، وأعرب عن خشيته أن تكون الخطوة اللاحقة خارج الأطر القانونية؛ مع الأخذ بعين الاعتبار وجود عدد كبير من الفصائل التي تملك السلاح خارج إطار الدولة، والتي يقابلها في ذلك امتلاك التيار الصدري للعديد من الجهات المسلحة، وهو ما قد ينذر بأخطار جمة تحيط بالعراق.

ورغم ذلك يستبعد هاشم لجوء الكتل الخاسرة إلى السلاح، معللا ذلك بأن الجهة المقابلة تملك السلاح أيضا، وبالتالي لا يمكن الجزم بالوضع الذي قد يشهده العراق في الأسابيع القادمة، سيما أن القيادات السياسية الشيعية حاولت في الفترات السابقة تجنب اللجوء للسلاح تفاديا لحرب أهلية لا يتمناها العراقيون.

زنكنه رجح أن يعمد كل من التيار الصدري وتقدم والحزب الديمقراطي إلى تشكيل تحالف بهدف صياغة الحكومة القادمة (الجزيرة نت)

أبرز الخاسرين من الكرد

كرديا، كانت المفاجأة كبيرة أيضا، وذلك بحسب الباحث السياسي الكردي محمد زنكنه، حيث يرى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الحزب الوحيد الذي حافظ على وجوده السياسي في البرلمان العراقي، مشيرا إلى أن النسبة المتوقعة للحزب كانت بين (29 -32) مقعدا وهو ما حصل فعليا.

ويضيف زنكنه -للجزيرة نت- أن كتلة التغيير الكردية لم تحظى بأي تمثيل نيابي، معللا ذلك بالخلافات الداخلية التي اعترت الكتلة مع وفاة مؤسسها -نشروان مصطفى- قبل أشهر، مقابل حصول كتلة الجيل الجديد في محافظة السليمانية على 9 مقاعد، لافتا إلى أن الكتل السياسية الكردية الأخرى حافظت على وجودها مع تراجع أعداد مقاعدها البرلمانية، بحسبه.

ويخلص زنكنه إلى أن فوز الكتل السياسية -التيار الصدري وتحالف تقدم والحزب الديمقراطي- بأكبر عدد من المقاعد قد يهيئ لتحالف هذه القوى قريبا من أجل صياغة الحكومة الائتلافية القادمة، مع عدم استبعاد تعثر تشكيل الحكومة لفترة قد لا تكون قصيرة.

اعتراض على النتائج

لم تمض ساعات على إعلان النتائج، حتى بدأت الأصوات تتعالى رافضة لما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات في العراق، وهو ما ترجم فعليا عبر الاجتماع الذي جرى أمس الاثنين، إذ أصدر "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى سياسية وفصائل من الحشد الشعبي في العراق بيانا أكد فيه رفضه النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية.

وجاء في بيان الإطار التنسيقي -الذي يضم تحالف الفتح ودولة القانون وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله- "حرصا على المسار الديمقراطي ولتحقيق موجبات الانتخابات المبكرة التي دعت إليها المرجعية الدينية وأكدت على أن تكون حرة وآمنة ونزيهة، قدمنا جميع الملاحظات الفنية (على عملية الاقتراع) لمفوضية الانتخابات، وقد تعهدت المفوضية بمعالجة جميع تلك الإشكالات بخطوات عملية".

ونص البيان على أن "المفوضية لم تلتزم جميع ما تم الإعلان عنه من قبلها من إجراءات قانونية، وبناء على ذلك، نعلن طعننا بما أعلن من نتائج وعدم قبولنا بها، وسنتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين" من دون التطرق لمزيد من التفاصيل.

وحاول مراسل الجزيرة نت التواصل مع باحثين وسياسيين مقربين من تحالف الفتح والكتل السياسية الأخرى التي تراجعت مقاعدها للاطلاع على موقفهم من الانتخابات، إلا أن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.

التميمي يرى أن المنطق هو أن الكتلة الأكثر عددا هي التي تفوز بأكثر الأصوات مع إعلان النتائج وهي التي تشكل الحكومة (الجزيرة)

الكتلة الأكبر

لا يزال الجدل قائما حول الكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة العراقية، إذ نص الدستور العراقي المقر عام 2005 على أن الكتلة الأكبر (لم يحدد تفاصيلها) لها الحق في تشكيل الحكومة مع وجوب أن تحظى بالأغلبية التي تمثل 165 مقعدا نيابيا من مجموع مقاعد البرلمان العراقي 329 مقعدا نيابيا.

وفي هذا الصدد، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن "المادة 76/أولا من الدستور" تنص على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتل النيابية الأكثر عددا لتشكيل مجلس الوزراء، إلا أن تفسيرات المحكمة الاتحادية العليا عامي 2010 و2014 جاءت لتؤكد أن الكتلة الأكثر عددا هي إما التي تتشكل بعد الانتخابات من قائمة واحدة أو التي تتكون من قائمتين أو أكثر فتصبح الكتلة الأكثر عددا في الجلسة الأولى بعد أداء النواب اليمين الدستورية.

وفي ما يتعلق بالوضع الحالي، أوضح التميمي -للجزيرة نت- أنه بعد صدور قانون الانتخابات (9) لعام 2020، فإن المادة 45 تنص على منع الكتل والأحزاب والكيانات من الانتقال إلى كتلة أو حزب آخر إلا بعد تشكيل الحكومة، غير أن هذه المادة أجازت الائتلافات بين الكتل، بما يعني أن الشرط الثاني من تفسير المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة 45 من قانون الانتخابات أصبح معطلا.

ويتابع التميمي أن الإشكالية القانونية تكمن في أن الشطر الثاني من المادة القانونية ذاتها أجاز الائتلاف بين الكتل والأحزاب، وهو ما يعد مغايرا للكتل المؤتلفة التي يشير إليها تفسير المحكمة الاتحادية العليا عام 2014.

ويخلص التميمي إلى أن التفسير المنطقي لهذه التفاصيل يشير إلى أن معنى الكتلة الأكثر عددا هي التي تفوز بأكثر الأصوات مع إعلان النتائج وهي التي سيخرج منها رئيس مجلس الوزراء، مضيفا أن لرئيس الجمهورية أن يستفتي المحكمة الاتحادية العليا بعد هذه التطورات وفق المادة (93) من الدستور، وبذلك سيكون لها الكلمة الفصل.

أما الباحث في الشأن القانوني صفا دريد، فيرى -في حديثه للجزيرة نت- أنه حتى لو ذهبت المحكمة الاتحادية لتفسير الكتلة الأكبر على أنها الكتلة التي تتشكل بعد الانتخابات، إلا أن وقائع النتائج الأولية تشير إلى صعوبة تشكيلها باستبعاد التيار الصدري الذي بات من الواضح أنه متجه للتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم الوطني وبعض الأحزاب الصغيرة التي ستمكنه من تحقيق النصاب القانوني وهو 165 مقعدا لتأليف الحكومة العراقية القادمة.

المصدر : الجزيرة