حوار سري ودعوات للتطعيم.. كورونا يفتك بالأسرى الفلسطينيين

عاطف دغلس- من فعالية تضامنية مع الأسرى بمدينة نابلس- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت1
من فعالية تضامنية مع الأسرى بمدينة نابلس (الجزيرة)

حالة قلق وخوف بل هلع، تكاد تكون القاسم المشترك بين جُل الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم هذه الأيام بشكل عام، وعند عائلتي الأسيرين خالد غيظان (59 عاما) من رام الله، والأسير المقدسي أيمن السدر (54 عاما)، على وجه الخصوص بعد إصابتهما بفيروس كورونا ووصولهما لمرحلة خطيرة.

وقرعت حالتا الأسيرين غيظان والسدر جرس معاناة الأسرى، لا سيما في سجن "ريمون" الإسرائيلي منذ أكثر من أسبوعين، بعد أن نقلا في وقت متزامن إلى مستشفى سوروكا بمدينة بئر السبع داخل إسرائيل، بعد تدهور خطير طرأ على وضعهما الصحي بفعل الفيروس.

منذ أسبوعين سمع الشاب محمد السدر، نجل الأسير أيمن، بوضع سجن ريمون، وانتشار فيروس كورونا داخله، وظل يُصِّبرُ نفسه ووالدته على هول المشهد ومعاناة الأسرى باتصال هاتفي يجريه والده من سجنه، ويطمئنهما به على صحته حتى قبل يومين، حين تلقوا خبرا مفاده إصابة والده بالفيروس، وتراجع حالته الصحية.

ولوهلة اعتقد محمد (26 عاما) وعائلته أن والده نجا من الفيروس بعد إصابة رفاقه داخل الغرفة به، ونقلهم إلى قسم عزل المصابين داخل السجن ذاته.

وأضاف أن الطبيب المختص الذي أحضروه لمعاينة والده والأعراض، التي أخذت تظهر عليه تدريجيا، لا سيما الارتفاع الكبير في درجة الحرارة وآلام الرأس والمفاصل، أكدت إصابته بالفيروس، وبالتالي نُقل صباح أمس إلى مستشفى سوروكا الإسرائيلي.

تكتيم ومنع التواصل

وأمام هذا كله، كما يقول محمد، وهو نجل الأسير أيمن الوحيد، لم تتلق العائلة أي اتصال من إدارة السجن أو المستشفى يفيد بآخر تطورات وضعه الصحي، وأنهم عرفوا خبر نقله للمشفى وخطورة حالته ثم "استقرارها لاحقا" عبر جهات تعنى بشؤون الأسرى، "ونحن عاجزون حتى اللحظة عن زيارته أو تقصي أخباره".

والسدر محكوم عليه بالسجن المؤبد و45 عاما إضافية، وما قضاه حتى الآن 26 عاما، وكانت آخر زيارة له قبل شهر ونيف بعد شهور طويلة من المنع والتذرع بفيروس كورونا.

ومثل الأسير السدر نقل صديقه في السجن ذاته خالد غيظان (59 عاما) إلى مستشفى سوروكا أيضا، بعد تردي وضعه الصحي ونقص الأكسجين بشكل مفاجئ وكبير لديه، إثر إصابته بفيروس كورونا.

ولم تعر إدارة سجن ريمون أي اهتمام لحال الأسير غيظان، المحكوم بالسجن مدى الحياة، رغم كل الشواهد على تفشي المرض هناك، وظلت -كما روى نجله طارق غيظان للجزيرة نت- أعراض المرض تفتك بوالده واحدة تلو الأخرى، بدءا بالسعال الشديد وارتفاع الحرارة المصحوبة بالصداع الحاد وكسل الجسم وترنحه.

ولم تكمل سلطات الاحتلال علاج الأسير غيظان داخل المستشفى، وأبقته 6 ساعات فقط، حيث أعادته لقسم 8 المخصص لعزل الأسرى المصابين بكورونا في سجن ريمون.

ويتابع طارق، الذي لم يزر والده المحكوم منذ اعتقاله الأخير عام 2014، أن حالته انتكست مجددا بعد إعادته للسجن، وتحت ضغط كبير قام الاحتلال بتزويده "بأنبوبة أكسجين" داخل القسم.

ومثل عائلتي غيظان والسدر تعيش أسر نحو 5 آلاف أسير فلسطيني رعبا حقيقيا بعد تفشي الفيروس وإصابة أكثر من 335 منهم به، خاصة في سجن ريمون الذي يشهد "أوضاعا كارثية"، وفق وصف نادي الأسير الفلسطيني، وهو مؤسسة أهلية تعنى بشؤون الأسرى.

في يوم واحد

وآخر إحصائيات النادي، وفق ما نقلته أماني سراحنة، مسؤولة الإعلام في النادي للجزيرة نت، تشير إلى إصابة 38 أسيرا بالفيروس في سجن ريمون أمس، الأربعاء، فقط، ليرتفع عدد الإصابات فيه إلى 111.

وبينت سراحنة أن نقل الأسرى من ذلك السجن للمستشفى يجري بشكل متكرر وخاصة في قسم 4، وأن أخطرها كان يومي الثلاثاء والأربعاء للأسيرين السدر وغيظان.

وحذّرت من انتقال عدوى الفيروس إلى بقية الأقسام، والتي يقبع فيها 650 أسيرا، بينهم ذوو المحكوميات العالية، وأسرى مرضى، وكبار في السن، ولفتت إلى أن مماطلة إدارة السجون في أخذ العينات والإعلان عن نتائجها، سارعت بنقل العدوى، إضافة لـ"احتكار" إدارة السجون للرواية حول الوباء، سواء من حيث نتائج الفحوصات أو أخذ العينات، ورفضها السماح لأي لجان طبية أو حقوقية الاطلاع على أوضاع الأسرى، وتحديدا المرضى منهم.

وأبدت تخوفها من تجاوز أعداد الإصابات الأرقام المعلنة، وازدياد الخطر على حياة الأسرى؛ نتيجة لعدم معرفة أوضاعهم الصحية، فالاحتلال "لم يوفر الحد الأدنى من إجراءات الوقاية منذ بداية انتشار الفيروس"، والأخطر من ذلك وفق سراحنة استخدام إدارة السجون الوباء كوسيلة لقمع الأسرى والتنكيل بهم خاصة في أقسام عزل المصابين.

وفوق ذلك، تعتقل إسرائيل يوميا عشرات الفلسطينيين، وتحتجزهم في ظروف سيئة للغاية بدون فحوصات، فضلا عن "الاكتظاظ" أصلا داخل السجون، التي توصف بأنها كبيئة و"محفزة لانتشار العدوى".

وفد دولي

وأمام ذلك، تداعت مؤسسات الأسرى ووزارة الصحة الفلسطينية عبر مؤتمر صحفي عقد أمس، الأربعاء، في رام الله؛ لمطالبة المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية بإرسال وفد طبي دولي، لإنقاذ حياة الأسرى المرضى والإفراج عنهم والإشراف على المصابين بكورونا.

واتهم المؤتمر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بـ"التقصير"، وطالبها بالقيام بدور حقيقي، ومتابعة الأسرى المصابين بالفيروس، وجمع معلومات كافية عنهم؛ "لكونها الجهة الوحيدة المخولة بزيارتهم حتى الآن".

وبدورها، نفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ذلك، وقالت إنها تقوم بزيارات أسبوعية للأسرى كالمعتاد عبر مندوبيها؛ لكن بدون لقاء مباشر معهم؛ حفاظا على سلامتهم، خاصة أن سبب انتشار الفيروس مجهول، وأسباب منع انتشاره كذلك مجهولة.

وقال يحيى مسودة، الناطق باسم الصليب الأحمر في الضفة الغربية والقدس، في تصريح للجزيرة نت "لا نريد التكهن بأن إسرائيل تعرقل عملهم أم لا؟"؛ لكن انتشار الفيروس عالميا أدى بهم لتقليل الزيارات بداية ومن ثم وقفها، وفق طلب مصلحة السجون الإسرائيلية، ثم العودة إليها مجددا، وبشكل مقنن ووفق إجراءات السلامة".

وفي ظل توقف الزيارات والتواصل بين الأسرى وعائلاتهم، عمد الصليب الأحمر عبر برنامجه "سلامات"؛ لطمأنة الأهالي على أسراهم، وأضاف أنهم مستمرون "بحوارهم السري" مع مصلحة السجون، لإيجاد طرق أخرى لتعزيز التواصل بين الأسرى وذويهم.

ورحب مسودة بشروع مصلحة السجون الإسرائيلية وتحت الضغوط المختلفة، بتطعيم مئات الأسرى ، معتبرا أنه "الحل الأمثل" للحد من انتشار الفيروس بينهم، وقال إنهم دافعوا عن ذلك بقوة، وطالبوا إسرائيل بلقاح مساو لمعايير الجودة والسلامة، الذي تمنحه لسكانها.

المصدر : الجزيرة