أزمة ماليزيا السياسية تحت سيف الوقت.. هل تهرب إلى الأمام بالانتخابات المبكرة؟

رئيس الوزراء الماليزي محيي الدين ياسين ألقى بثقله في انتخابات ولاية صباح واعتبر النتيجة استفتاء على شرعيته وشعبيته
رئيس الوزراء الماليزي محيي الدين ياسين ألقى بثقله في انتخابات ولاية صباح، واعتبر النتيجة استفتاء على شرعيته وشعبيته (الجزيرة)

نشر زعيم المعارضة الماليزية أنور إبراهيم مقطع فيديو في توتير لقيادة سيارته الكلاسيكية، وأرفقه بتغريدة قال فيها إنه يتحقق من صلاحية السيارة بعد مدة طويلة من عدم قيادتها، وذلك بعد يوم من إعلانه الحصول على الأغلبية البرلمانية بما يمكنه من تشكيل حكومة جديدة.

ويحمل فيديو السياسي المخضرم إيحاء واضحا لطموحه في العودة لقيادة دفة الحكم، وقد ترمز السيارة القديمة إلى موقعه السابق في الحكومة نائبا لرئيس الوزراء، قبل الإطاحة به عام 1998 على يد رئيسه حينها مهاتير محمد.

وقد أثار إعلان أنور إبراهيم جدلا دستوريا وسياسيا، ما جعل مراقبين يؤكدون أن ادعاء تأييد الأغلبية البرلمانية غير كاف لإسقاط حكومة محيي الدين ياسين، وهي الحكومة التي شُكلت في بداية مارس/آذار الماضي على أنقاض حكومة تحالف الأمل، وحجتهم في ذلك أن تغيير الحكومة لن يخرج البلاد من أزمتها السياسية المستعصية.

تحالف تكتيكي
كان لافتا تأكيد أنور إبراهيم أنه يحظى بتأييد الأغلبية الملايوية، وأعقبه تصريحات قيادات في حزب المنظمة الملايوية القومية المتحدة "أمنو" تؤكد دعمها تشكيل حكومة جديدة؛ لكن شخصيات مقربة من قيادة أمنو أكدت للجزيرة نت أنها تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام حكومة محيي الدين ياسين، التي تحظى بدعم مؤسسة الملك.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، عبد الرزاق أحمد، أن الانتخابات المبكرة سوف تحسن من وضع حزب أمنو في البرلمان وترفع من شعبيته، وهو الحزب الذي خسر السلطة في انتخابات 2018 لأول مرة منذ أكثر من 60 عاما.

وبرأي أحمد، وهو خبير في شؤون أمنو، أن قيادات أمنو الرئيسية، التي تواجه محاكمات فساد، ترى في الانتخابات هروبا إلى الأمام يجنبها دخول السجن، وهو ما يفسر دفعها باتجاه إسقاط حكومة محيي الدين ياسين، التي لم تحمها من سيف القضاء.

ويرى رئيس جمعية متقاعدي البرلمان الماليزي عبد الرزاق عبد الرحمن، وهو قيادي سابق في أمنو، أن حكومة محيي الدين ياسين تعاني من أزمة شرعية، حيث إنها وصلت إلى السلطة بسبب تغيير ولاءات أعضاء البرلمان، وليس من خلال اقتراع شعبي مباشر بناء على برنامج انتخابي.

ويعتقد عبد الرحمن أن أمنو يمكنه العودة بقوة من خلال صناديق الاقتراع، وبما يجنب قيادته؛ لا سيما رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، الذي أدين بالفعل في واحدة من 5 قضايا ضده، ورئيس الحزب الحالي زاهد حميدي، الذي ينتظر البت في إحدى أبرز القضايا المرفوعة ضده في أي وقت.

ويقول عبد الرحمن للجزيرة نت إن البنية الأساسية لحزب أمنو قوية ومتماسكة، مستشهدا بأن عدد منتسبي الحزب يتجاوز 3 ملايين عضوا؛ لكنه يعاني من أزمة قيادة، وأن الوقت ليس في صالح القيادة الحالية سواء بسبب المحاكمات أو الاستعداد للمؤتمر العام للحزب، الذي سيعقد في الأسبوع الرابع من أكتوبر/تشرين أول المقبل، والذي قد يفضي إلى استبعاد متهمين في المحاكم من قيادة الحزب.

Malaysia's members of parliament attend a session of the lower house of parliament, in Kuala Lumpur
خيار الهروب نحو انتخابات مبكرة قد يعيد رسم خارطة التحالفات البرلمانية من جديد (رويترز)

خيارات صعبة
حمل بيان للقصر الملكي تلميحا إلى عدم قدرة الملك "عبد الله رعاية الدين المصطفى بالله شاه" على استقبال السياسيين؛ بسبب وعكة صحية ألمت به، ونظرا للقلق الذي يسببه تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا.

لكن مراقبين للشأن الماليزي يرون أن تريث الملك في استقبال أنور إبراهيم رهان على الوقت؛ نظرا لأن الحكومة الحالية فقدت الأغلبية، وأن رجالات الحرس القديم ترفض حكومة يتزعمها أنور إبراهيم.

ويقول عبد الرزاق عبد الرحمن للجزيرة نت إن أمام أنور إبراهيم طريقتين لإثبات أنه يملك تأييد الأغلبية البرلمانية، الأولى بأن يتقدم بمشروع في البرلمان لحجب الثقة عن الحكومة الحالية، ويثبت قدرته على ذلك، وهذا متعذر في ظل إجازة البرلمان التي تستمر حتى منتصف نوفمبر/تشرين ثاني. والثانية التوجه إلى الملك وإطلاعه على قائمة المؤيدين له من أعضاء البرلمان، وإذا ما استطاع إقناع الملك يمكن أن يكلفه بتشكيل الحكومة.

أما الحكومة فلا يمكنها المراهنة على الوقت طويلا، وإذا ما تمكنت من تفويت الفرصة على المعارضة بتأجيل انعقاد البرلمان في السابق عدة مرات، فإنها ستجد نفسها مضطرة لعقد البرلمان لهدف إقرار الميزانية السنوية، التي تأخرت عن موعدها؛ لذلك فقد تلجأ إلى الطلب من الملك حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.

انعكاسات انتخابات صباح
يسود اعتقاد إلى حد واسع بأن الانتخابات التشريعية، التي عُقدت في ولاية صباح السبت الماضي تعكس تصورا عاما عن أي انتخابات عامة مقبلة، فرئيس الوزراء اعتبر نتائج الانتخابات استفتاء على شعبيته وشرعيته؛ لكنها في المقابل أظهرت تصدعات في الائتلاف الحاكم، خاصة الخلاف الذي أثير على تسمية رئيس الحكومة المحلية في الولاية.

ويقول المحلل السياسي، عزمي حسن، إن انتخابات صباح بمثابة اختبار لقوة وتماسك الائتلاف الحاكم، ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن التعاون، الذي سبق الانتخابات، كان مشجعا لأن يكون مثالا في الانتخابات العامة المقبلة التي تدفع أحزاب في الائتلاف باتجاهها؛ لكن الأمر اختلف بعد النتائج، حيث ظهرت تناقضات بين التحالفات التي تشكل الحكومة المركزية، منها تحالف (الجبهة الوطنية)، الذي يضم أمنو وشركاءه التقليديين، وتحالف (العقد الوطني)، الذي رفض أمنو الانضمام تحت لوائه، ويقوده رئيس الوزراء الحالي محيي الدين ياسين.

ويضيف أن المعارضة ليست أحسن حالا حيث ظهر منافس جديد لأنور إبراهيم، وهو رئيس الحكومة المحلية المنتهية ولايته "شافعي أفضال"، الذي بدأ يتطلع لمنصب رئيس الوزراء وبدعم واضح من رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد.

لعل الإيحاء بقيادة عربة كلاسيكية مثال جيد للعودة للماضي وإصلاحه؛ لكن تقرير نيكي آسيان ريفيو الياباني حمل عنوانا يقول (سيد ماليزيا الأمس الرجل الخطأ ليوم غد)، وطالب أنور بأن يفسح المجال أمام جيل جديد من القيادة، وهو ما ينطبق على الحرس القديم من الساسة الماليزيين.

وأشار التقرير في ثناياه إلى عنوان رئيسي لمجلة تايمز الأميركية صدر في أكتوبر 1997 حمل عنوان " أنور إبراهيم مستقبل آسيا"، وأسهب في شرح اختلاف الواقع اليوم في ماليزيا وآسيا.

المصدر : الجزيرة