عنان نجيب.. مقدسي أنهكه الاحتلال بالإبعاد عن القدس وشرد أسرته

أسيل جندي، العيزرية شرقي القدس المقدسي المبعد عن القدس عنان نجيب(الجزيرة نت)
عنان نشأ في منزل والديه بشارع الواد بالبلدة القديمة (الجزيرة)

للمرة الثالثة يتعمد الاحتلال الإسرائيلي سلخ الشاب المقدسي عنان نجيب عن محيطه الاجتماعي والبيئة التي ولد وترعرع بها، بإصدار قرار بإبعاده لمدة ستة أشهر عن مدينة القدس إلى الضفة الغربية.

أبصر عنان (47 عاما) النور في شارع الواد بالبلدة القديمة بالقدس، ونشأ في منزل عائلته هناك قرب المسجد الأقصى المبارك، وتعلق بالمكان عاطفيا منذ نعومة أظفاره.

كبر الطفل وشهد على انتهاكات الاحتلال اليومية بحق المدينة وسكانها، وبدأت رحلة اعتقاله وتوجيه تهم له بقيادة الحراك الشعبي الشبابي في القدس، وغيرها من التهم.

عنان نجيب يبدأ حياته من الصفر بتأثيث منزل استأجره في العيزرية شرقي القدس(لجزيرة نت) (الجزيرة)
بدأ حياته من الصفر بتأثيث منزل استأجره في العيزرية شرقي القدس (الجزيرة)

وغيبته هذه التهم نحو خمسة أعوام في السجون الإسرائيلية قبل أن يتحرر عام 2015، وتم إبعاده عن المدينة المقدسة لخمسة أشهر ألحقتها مخابرات الاحتلال بستة أخرى فور انتهائها.

توجه حينها إلى بلدة العيزرية شرقي القدس خلف الجدار العازل، وتمنى ألا تتكرر التجربة التي أنهكته وأسرته بسبب البعد القسري عنهم، لكنه يجد نفسه الآن يكابد العناء ذاته الذي لطالما حاول دفنه بين ثنايا الذاكرة.

خلف الجدار العازل
إلى بلدة العيزرية توجهت الجزيرة نت للقائه، بدا منهمكا في إعادة ترتيب حياته اليومية التي بعثرها الاحتلال، إذ أجبره على مغادرة القدس فور تسلمه قرار الإبعاد ولم يمهله أي مدة لترتيب الاحتياجات اليومية التي تلزمه للمغادرة.

يرد على مكالمات شقيقيه وشقيقاته المتكررة للاطمئنان عليه، ثم يتواصل مع زوجته وابنته لحثهما على زيارته لترتبا معه المنزل الصغير الذي استأجره وسيضطر للعيش فيه وحده لستة أشهر.

تزدحم الأفكار في ذهنه وتقفز الكلمات على لسانه مستذكرا قسوة إبعاده الماضي، وقال إن زوجته كانت حاملا في طفلهما الثالث جود، وكانت أمنيته أن يقف إلى جانبها في ساعات الولادة القاسية، لكن إبعاده حال دون ذلك.

أسيل جندي، العيزرية شرقي القدس، المقدسي المبعد عن القدس عنان نجيب(الجزيرة نت) (الجزيرة)
يفضّل أن يقضي عقوبة الإبعاد وحيدا (الجزيرة)

يعيش عنان منذ زواجه بالقدس في منازل مستأجرة، واضطر الآن لاستئجار منزل آخر في بلدة العيزرية بسبب إبعاده، ويقول إن الاحتلال يضرب حياة المقدسي من كافة النواحي في عقوبة الإبعاد.

ويضيف "مصدر رزقي أصيب في مقتل لأنني أعمل في مجال الإنتاج الإعلامي من القدس وأبيع المواد الإعلامية للفضائيات، وأنا الآن مبعد خارج القدس ولا يمكنني العمل، كما أنني مضطر لدفع إيجار منزلين، ومبعد قسريا عن روتين حياة أبنائي الثلاثة".

ولا يمكن لزوجته وأطفاله الثلاثة شريفة وعيسى وجود الانتقال للعيش معه في الضفة الغربية، لأن ذلك يعرضهم لسحب الهويات بعد ملاحقة مؤسسة التأمين الوطني لهم وإثبات أن مركز حياتهم بات خارج القدس، كما لا يمكن لعنان الوصول للقدس طيلة فترة إبعاده وسُلم خارطة مع الإبعاد تحدد له المسار الذين يمكنه التحرك به حتى نهاية العام الجاري.

جذورنا تبقى في القدس
يرفض عنان بدوره فكرة اقتلاع جذور أسرته من القدس، ويفضّل أن يقضي عقوبة الإبعاد وحيدا على أن تغادر أسرته المدينة التي تسير كالدم في أوردته حسب تعبيره.

سبق قرار إبعاده الأخير جولات من الاستدعاء والتحقيق، لكن مع عجز مخابرات الاحتلال تثبيت أي تهمة عليه وجدت أن أسهل الطرق معاقبة عنان بالإبعاد، وهو ما لم يكن يتوقعه هذه المرّة.

رغم صغر سنها عبّرت ابنته شريفة (16 عاما) بطلاقة عن مشاعرها تجاه إبعاد والدها قسرا عنهم، وقالت "أذكر تماما أنني كنت في الصف السادس خلال إبعاد والدي الأول والآن أنا في الصف الـ 11، وأفكر طيلة الوقت فيه وكيف سيقضي هذه الشهور وحده بعيدا عنا".

المقدسي عنان نجيب يبدأ حياته من الصفر في المنزل المستأجر في بلدة العيزرية شقي القدي(الجزيرة نت) (الجزيرة)
يعيش عنان منذ زواجه في منازل مستأجرة (الجزيرة)

وعند سؤالها عن أكثر ما ستفتقده خلال الفترة القادمة، قالت "يكفي أنني لن أراه يدخل منزلنا ستة أشهر كاملة، أهناك أقسى من ذلك؟".

بنبرة حزينة تحدثت شريفة عن باكورة أحزانها منذ إبعاد والدها، فقالت إنها احتفلت بيوم ميلادها في 12 من الشهر الجاري دون أن تحظى باحتضان وقبلة من والدها المبعد، وعن أمنيتها في ذكرى ميلادها هذا العام قالت "ماذا ستكون أمنيتي سوى أن تتحرر أرضنا ويزول الاحتلال عنها؟".

لن يمرّ عيد الأضحى الشهر المقبل كالأعياد الماضية على شريفة وعيسى وشقيقهم الأصغر جود ذي الأربعة أعوام الذي لا يتوقف عن السؤال عن والده وموعد عودته إلى المنزل، وتشعر شريفة أنها تحملت بإبعاد والدها مسؤولية كبيرة مع والدتها تجاه شقيقيها الأصغر، متمنية أن تمضي الأشهر القادمة بلمح البصر ليلتم شمل أسرتها التي يصمم الاحتلال على شتاتها.

المصدر : الجزيرة