في بريطانيا.. هل يؤدي تحطيم تماثيل رموز العبودية إلى إعادة كتابة التاريخ؟

إزالة تمثال روبرت ميليغان مالك العبيد الذي أسس مركزا تجاريا عالميا في لندن (وكالة الأناضول)

قامت الشرطة البريطانية بحراسة تمثال تاريخي لزعيم الحرب البريطاني الشهير ونستون تشرشل، منذ أن صار واحدا من عشرات الأهداف بالنسبة للناشطين المناهضين للعنصرية، والمطالبين بإنهاء التكريم العام للأشخاص الذين لعبوا أدوارا رائدة في تجارة الرقيق والإمبريالية.

ويبدو تمثال تشرشل آمنا في الوقت الحالي، إلا أن هناك الكثير من الأسماء الشهيرة الأخرى التي يمكن أن تنضم إلى إدوارد كولستون، تاجر الرقيق في القرن الثامن عشر، وروبرت ميليغان، مالك العبيد الذي أسس مركزا تجاريا عالميا في لندن، من حيث فقدانهم لأماكنهم التذكارية في المدن البريطانية.

ويعتبر الكثيرون -ومن بينهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون- زعيم الحرب العالمية الثانية تشرشل بطلا وقف في وجه ألمانيا النازية وألقى خطبا تاريخية للأمة في لحظات محورية أثناء تلك الحرب.

كما يُتهم تشرشل باعتناق وجهات نظر بشأن سيادة الجنس الأبيض والإشراف على سياسات وحشية في الهند، "درة تاج" الإمبراطورية البريطانية السابقة.

ويتصاعد أيضا رد الفعل العنيف تجاه مطالب حركة "حياة السود مهمة"، التي تحتج على عنف الشرطة تجاه الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، وجماعات أخرى.

وقد نظم اليمينيون احتجاجات مضادة، في حين دافع علماء وسياسيون محافظون عن تشرشل وكولستون وغيرهما من الشخصيات المثيرة للجدل.

وقد تم إسقاط تمثال كولستون في ميناء بمدينة بريستول الواقعة في جنوب غرب البلاد، التي كانت تعد أحد أهم موانئ تجارة الرقيق في بريطانيا.

ووقّع نحو عشرين ألف شخص عريضة إلكترونية لاستبدال تمثال آخر به، على أن يخصص لبول ستيفنسون، ناشط الحقوق المدنية من أصول أفريقية خلال ستينيات القرن الماضي، في بريستول.

سابقة

ومن جانبه، قال ريمي جوزيف ساليسبري، وهو عالم اجتماع مختص في الأعراق بجامعة مانشستر "أعتقد أن المتظاهرين في بريستول قد قاموا بسابقة يجب أن تجعلنا نشكك في فهمنا للتاريخ، وكيفية الربط بين آثارنا وهندستنا المعمارية وبين الاستعمار".

وفي محاولة لاسترضاء أصحاب العريضة، وعدت مدينة بليموث في جنوب البلاد بإضافة "نص توضيحي يشير إلى الدور الذي قام به في تجارة الرقيق"، إلى جانب تمثال شهير للبحار والسياسي المعروف فرنسيس دريك الذي يعود تاريخه للقرن 16.

وكان دريك -الذي ساعد الملكة إليزابيث الأولى في عام 1588 على هزيمة الأسطول الإسباني- رائدا في تجارة الرقيق البريطانية.

وفي البداية، ركز المتظاهرون البريطانيون -الذين احتشدوا بعد مقتل الأميركي جورج فلويد على أيدي الشرطة في الولايات المتحدة- على عنصرية الشرطة ووحشيتها.

ومن بين أبرز المشاهير البريطانيين من ذوي البشرة السمراء الذين شاركوا بقوة في دعم الحملة، الممثل الشاب جون بويغا (28 عاما)، وبطل العالم في سباقات سيارات "فورمولا 1" لويس هاميلتون (35 عاما)، ولاعب كرة القدم رحيم ستيرلنغ (25 عاما).

ومع تزايد أعداد المتظاهرين وانتشار الاحتجاجات في العديد من المدن، حوّل الكثيرون غضبهم إلى مشاكل العنصرية الأوسع نطاقا في بريطانيا، والتي تتضمن تاريخ البلاد المثير للجدل.

وقال جوزيف ساليسبري "لقد أثلج صدري رؤية أعداد الشباب المشاركين، ويبدو أن هذه الاحتجاجات قد تعمل على تشجيع جيل جديد من النشطاء".

Protest against the death of George Floyd, in London (رويترز)
مهاجمة تمثال الزعيم البريطاني ونستون تشرشل على خلفية اتهامه بالعنصرية (رويترز)

تحدي الرواية الرسمية

من ناحية أخرى، ترى أيضا جاكلين جينكينسون، وهي مؤرخة بجامعة ستيرلنغ في أسكتلندا، أن ثمة نقلة نوعية محتملة ناجمة عن الاحتجاجات.

وقالت جينكينسون "إن التصرف المباشر الذي تم مع تمثال إدوارد كولستون، والدعوة من أجل اتخاذ إجراءات بشأن التماثيل الأخرى، يمثل تحديا للرواية المقبولة وغير المتغيرة على نطاق واسع، للماضي الإمبراطوري ببريطانيا".

وأوضحت أن التحدي الرئيسي للإمبراطورية البريطانية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواخر القرن العشرين، جاء من "شعوب واقعة تحت الحكم الاستعماري، تسعى إلى الحكم الذاتي والاستقلال"، مدعومة جزئيا من جانب "سياسيين وناشطين ينتمون لليسار في المعترك السياسي البريطاني".

وأضافت جينكينسون أن "الحملات والاحتجاجات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، قد نقلت الآن مثل هذا النقد من التاريخ إلى المعاصرة، ومن النشاط الراديكالي إلى التيار الرئيسي السائد ، لدرجة أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تصف كولستون الآن بأنه "تاجر الرقيق كولستون"، و(سيسيل) رودس بأنه "رودس الإمبريالي".

من ناحية أخرى، حذر جوزيف ساليسبري من أن إزالة التماثيل، وإعادة تسمية الشوارع والمباني لا يجب أن يعتبر نقطة النهاية للحركة.

وقال ساليسبري إن مجتمعات السود في بريطانيا ربما تكون صارت أكثر استعدادا للاحتجاج، لأن التأثير غير المتناسب للوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا "قد زاد من إحساسهم بالحرمان والإحباط".

المصدر : وكالة الأنباء الألمانية