مأساة عابرة للحدود.. اشتباكات قبلية في تشاد تفجر أزمة إنسانية بدارفور

توزيع مواد إغاثة
مواد إغاثة (الجزيرة)

إسماعيل تيسو-الخرطوم

بداية المعاناة كانت الأربعاء 12 فبراير/شباط عندما شنَّت عناصر من قبيلة الزَّغَاوَة في تشاد هجوماً بالأسلحة البيضاء على عشائر من ذات القبيلة في معسكر "زَغَاوة مَاي كَبَلُّو" للاجئين السودانيين شرق تشاد.

وقبيلة الزَّغَاوَة تضم عدة عشائر، وتنشط ما بين السودان وتشاد، وكانت جزءا من النزاع الذي نشب في دارفور منذ عام 2003.

وهي تتمتع بإمكانيات مالية وقدرات لوجستية كبيرة، وضعتها في مصاف القبائل الأغنى في دارفور وتشاد على حد سواء، ومنها ينحدر الرئيس التشادي إدريس ديبي، وجبريل إبراهيم ومني أركو مناوي وهما من أبرز قادة الحركات المسلحة في دارفور.

ولم يسفر هجوم معسكر "زَغَاوة مَاي كَبَلُّو" عن وقوع قتلى وسط "الحدَاحيد" وهي أقلية تنتمي لقبيلة الزَّغَاوَة، ولكن الذعر أجبرهم على ترك ممتلكاتهم والفرار بأرواحهم، ليحتموا بمنطقة الطينة السودانية بولاية شمال دارفور.

‪سودانيون عائدون من تشاد إلى منطقة الطينة‬  (الجزيرة)
‪سودانيون عائدون من تشاد إلى منطقة الطينة‬  (الجزيرة)

والطينة السودانية -التي تقع بالجزء الشمالي الغربي لولاية شمال دارفور- تبعد عن الفاشر عاصمة الولاية بحوالي 418 كلم، ويفصلها عن الطينة التشادية واد صغير، وتعتبر " الطينتان" معقلاً رئيساً لقبيلة الزَّغَاوَة في كل من السودان وتشاد.

نزوح مستمر
ومنذ وقوع الهجوم على معسكر اللاجئين شرق تشاد، ظلت حالة النزوح مستمرة بشكل يومي حتى وصل عدد الذين وصلوا من تشاد إلى الطينة السودانية 839 أسرة، وما يفوق خمسة آلاف شخص بينهم نساء وأطفال وعَجَزَة ومسنون.

ويمثل العدد -الذي وصل الطينة السودانية وفقا لآخر إحصائية الأحد- ما نسبته 20% من العدد الموجود بمعسكر "زَغَاوة مَاي كَبَلُّو" والذين يتوقع نزوحهم بشكل مستمر في ظل حالة الرعب والخوف التي تسيطر على سكان معسكرات شرق تشاد عقب وقوع الهجوم.

ولما لم تكن السلطات المختصة بولاية شمال دارفور مستعدة لهذه العودة القسرية المفاجئة، فقد عانى العائدون للوهلة الأولى من مشاكل كبيرة تتعلق بالماء والمأوى والغذاء.

العراء الذي افترشه العائدون بات لهم سكناً مما أدى إلى تردي الأوضاع الصحية، فترتب على ذلك ظهور حالات إسهال وسط الأطفال وصفتها وزارة الصحة الولائية بأنها غير مقلقة.

فرق صحية
ويقول دكتور سليمان آدم إدريس المدير العام لوزارة الصحة بولاية شمال دارفور إن الوضع الصحي مستقر وإن وزارته أرسلت فرقاً من الكوادر الصحية محملة بالأدوية والعقاقير الطبية، بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، بهدف احتواء حالات الإسهال والطوارئ التي قد تحدث جراء حالة النزوح المستمر.

وأعلن للجزيرة نت عن فتح عيادات وسط مخيم اللاجئين وتهيئة مستشفى الطينة الريفي لاستقبال الحالات الحرجة، مشيرا إلى وجود فريق دائم من إدارة الطوارئ لتقييم الوضع ومتابعة الموقف لحظة بلحظة.

‪استمرار بناء مساكن بلدية في ظل عدم وجود مخيمات إيواء‬ (الجزيرة)
‪استمرار بناء مساكن بلدية في ظل عدم وجود مخيمات إيواء‬ (الجزيرة)

وأكد دكتور إدريس عن قـدرة ولاية شمال دارفور على التصدي للوضع الصحي بتوفير مياه الشرب وإصحاح البيئة، وإيجاد معالجات للصرف الصحي بإنشاء مرافق صحية.

خيم وأغذية
وكانت مفوضية العودة الطوعية بولاية شمال دارفور قامت بتوزيع ألف مشمع للاجئين المقيمين في ساحة محلية الطينة كدفعة أولى، ومن جانبها شرعت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في توزيع الأغذية.

ووصفت الأوضاع هناك بأنها تحت السيطرة "ولا توجد مشكلات صحية أو أمنية" وفق ما قال مفوض العودة الطوعية بولاية شمال دارفور الصادق دُوسَة والذي اتخذ من الطينة مقراً.

وكشف دُوسَة -في حديثه للجزيرة نت- عن التنسيق الذي يجري بين الولاية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتجاوز أي مشكلات متوقعة في ظل استمرار تدفق اللاجئين.

شكاوى بانتهاكات
وتشكو أقلية الحداحيد المشهورة بحفظ تراث الزغاوة مما أسمته انتهاكات ظلت تمارسه عليها مجموعة بيري إحدى عشائر قبيلة الزَّغَاوَة في تشاد.

ويقول أحمد سليمان تيمان أحد اللاجئين العائدين من تشاد إن أقلية الحَدَاحيد التي ينتمي إليها "ظلت تعاني من انتهاكات واسعة تمارسها عشيرة بيري في تشاد مستغلين ضعفهم وخلو أيديهم من نفوذ السلطة والجاه، سواء في الحركات المسلحة أو حتى على صعيد السلطة في السودان أو تشاد".

وأقر اللاجئ -في حديثه للجزيرة نت من مدينة الطينة- بقدرة الحكماء في قبيلة الزَّغَاوَة على معالجة المشكلة التي وصفها بالأسرية لكونها حدثت في قبيلة واحدة، ولكنه طالب بتدخل السلطات لحماية "الحداحيد الذين مازالوا موجودين بمعسكرات اللجوء شرق تشاد".

ويناشد عائد آخر من تشاد (يس حسين وردخو) السلطات المختصة شمال دارفور بتأمين حركة اللاجئين العائدين وإغاثتهم.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى تهديدات قال إنها وصلتهم من عشيرة بيري تطالبهم بالعودة إلى مناطق إقامتهم بالمعسكرات الواقعة شرق تشاد.

المصدر : الجزيرة