سقالات نقابة الصحفيين بمصر.. ظاهرها صيانة المبنى وباطنها منع الاحتجاجات

سلم نقابة الصحفيين في مصر المصدر: الجزيرة
السقالات تحتل سلم نقابة الصحفيين المصريين وتكاد تغلق مدخله (الجزيرة)

ظل كمال -وهو صحفي مصري شاب فضل عدم ذكر اسمه كاملا- يتابع الانتخابات الرئاسية الأميركية حتى اطمأن لترجيح كفة المرشح الديمقراطي جو بايدن على منافسه الرئيس الحالي دونالد ترامب، ثم خلد إلى النوم مرتاح البال، وهو يمني نفسه بتوالي سقوط قطع "الدومينو" بمنطقة الشرق الأوسط المرتبطة بوجود ترامب.

وفي حديثه للجزيرة نت امتدت أحلام كمال إلى عودة الحريات الإعلامية، وسقوط "سقالات" نقابة الصحفيين التي قال إنه يعتبرها مع زملائه من الصحفيين رمزا على مرحلة حصار النقابة والمهنة والعاملين فيها.

ولما استغربنا من علاقة "السقالات" -وهي تلك القطع الخشبية أو المعدنية التي يتم نصبها لمساعدة العمال في عمليات البناء أو التشطيب للمناطق المرتفعة من واجهات المباني- قال إن هذه السقالات تم نصبها في مدخل النقابة بعد أشهر معدودة من تولي ترامب رئاسة أميركا قبل نحو 4 سنوات، وتوالي دعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي حد وصفه بالدكتاتور المفضل.

ولطالما كان مدخل مقر نقابة الصحفيين الواقع بقلب القاهرة والسلم المؤدي إليه مقرا للاحتجاجات والتعبير عن الرأي، ولذلك طاله ما طال حرية التعبير عن الرأي في مصر خلال الأعوام الأخيرة حيث تمددت السقالات في مساحات أكبر سواء على السلم أو في بهو النقابة لتحول دون وجود أي مكان للاحتجاج أو حتى التجمع.

وارتبط تمدد السقالات في مساحات أكبر بالبهو والسلم عكسيا مع انحسار دور النقابة في الشأنين المهني والعام، وكلما تقلص دور النقابة، احتلت السقالات مساحات أكبر، حتى باتت من معالم نقابة الصحفيين، وكثيرا ما أقدم المارة على التقاط صور "السيلفي" معها ونشرها على منصات التواصل مصحوبة بعبارات ساخرة، وتساؤلات عن مغزى استمرار وجودها لسنوات.

حصار المهنة قبل النقابة

وبعد هزيمة تيار الاستقلال النقابي بسقوط أحد رموزه وهو نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش في انتخابات عام 2017، برزت السقالات فجأة داخل النقابة أثناء عقد اجتماع دفاعا عن الصحفيين السجناء، وقام الصحفيون ومعهم أعضاء بمجلس النقابة بتعليق اللافتات على السقالات احتجاجا.

وقبل عامين، فوجئ الصحفيون بالسقالات تحتل حتى السلم المؤدي لداخل النقابة بدعوى القيام بتجديد الواجهة وطلائها، وهو ما لم يحدث حيث بقيت الواجهة كما هي منذ ذلك الحين.

وظلت السقالات جاثمة على مدخل النقابة طوال فترة النقيب السابق عبد المحسن سلامة، ثم تواصلت مع النقيب الحالي ضياء رشوان، بل إنها تتزايد لتزيد غضب الصحفيين وإن قال بعضهم إنهم غير متفاجئين من ذلك خاصة أن رشوان من المقربين جدا للسلطة وهو يتولى أيضا رئاسة الهيئة العامة للاستعلامات أحد الأجهزة الإعلامية الرئيسية في مصر.

ويبرر مقربون من رشوان استمرار السقالات لسنوات أنه "تسلمها هكذا من النقيب السابق، فضلا عن أن شؤون المبنى المعمارية هي من اختصاص السكرتير العام ومدير المبنى"، بينما يؤكد معارضوه بالنقابة أنه "لولا رضاه عنها، وإدراكه لتبعات محاولة إزالتها على موقعه كمسؤول حكومي، لأزالها".

ولا يعتبر مراقبون للشأن الصحفي أن مسألة السقالات تخص النقابة والصحفيين وحسب، بل تتخطاها ليمثل وجودها المتطاول والمتمدد ارتباطا وثيقا بانحسار وتراجع مناخ الحريات في البلاد والصحافة، وتظل الإجابة المتوافرة حتى الآن عن لغز وجود السقالات هي ما يردده صحفيون ونشطاء من أنها "لمنع الوقفات الاحتجاجية، إلى أن ينسى الجميع رمزية سلم النقابة كمكان للاحتجاج الرمزي".

خشية النظام

واعتاد صحفيون السخرية من تزايد أعداد السقالات بالقول إنها -للمفارقة- تزيد واحدة مع كل اعتقال جديد بين الصحفيين، حيث تسجل مصر واحدة من أسوأ دول العالم تجاه حرية الصحافة، إذ يقبع في السجون نحو 60 صحفيا، بحسب تقارير حقوقية.

ويعتبر صحفيون معارضون ومؤيدون للنظام أن وجود السقالات بات أمرا عبثيا، لأن"المناخ العام حاليا لا يشجع على إقدام محتجين للاحتجاج أمام النقابة، وبالتالي فحتى لو لم تكن السقالات موجودة لتردد كثيرون قبل الإقدام على الاحتجاج!".

لكن حسين -وهو صحفي آخر رفض الكشف عن اسمه الكامل- يختلف مع الرأي السابق، مؤكدا في حديثه للجزيرة نت أن الغضب بلغ بالمصريين مبلغه.

وأشار إلى واقعة قيام مواطن بحرق نفسه في ميدان التحرير مؤخرا احتجاجا على اضطهاد لاقاه بسبب كشفه للفساد بمحل عمله، "ما يعني أن إتاحة السلم للتظاهر يمكن أن تجعله يعود كوجهة مفضلة للاحتجاج مهما كان الثمن"، بحسب الصحفي المصري.

أما أمجد -وهو اسم مستعار لناشط رفض ذكر اسمه- فيذهب في اتجاه آخر قائلا إن السقالات يمكن أن تتحول لسلاح في يد المتظاهرين لو أرادوا الاحتجاج، حيث يمكن بسهولة تفكيكها حال حدوث اشتباكات مع الشرطة، ويمكن ساعتها للمتظاهرين الدفاع عن أنفسهم بها في مواجهة هراوات الأمن المركزي.

سلم نقابة الصحفيين في مصر المصدر: الجزيرة
السقالات تحتل بهو نقابة الصحفيين (الجزيرة)

تاريخ من النضال

وتاريخيا، كانت فكرة إنشاء السلم نفسه إحدى أدوات السلطة لمنع تجمع الصحفيين، كما يقول ابراهيم -صحفي بالمعاش اكتفى بذكر اسمه الأول فقط- إذ بني المبني الجديد في تسعينيات القرن الماضي على أنقاض مبنى قديم كان يضم حديقة واسعة مسورة بسور حديدي، وظلت الحديقة مأوى الصحفيين المحتجين واجتماعاتهم المتوالية ضد السلطة أو مجالس النقابة المتعاقبة، ما دفع السلطة لإلغاء الحديقة عند تصميم المبنى الجديد.

وتابع ابراهيم بحديثه للجزيرة نت أن المبنى الحديث الذي أشرفت القوات المسلحة على بنائه، التهم كامل مبنى الأرض المخصصة للنقابة، ومع ضخامة حجمه، كان السلم كبيرا بالتبعية، وذي درج متعدد ومرتفع.

ولعب السلم بتصميمه المميز دورا في قلب الموقف لصالح المعارضة، خلاف ما كان تخطط له السلطة، إذ أغرى تجمعات حركة "كفاية" مطلع العقد الماضي باتخاذه منصة للتجمع وإطلاق هتافات الحركة التي تشكلت ضد استمرار الرئيس الأسبق حسني مبارك في الحكم تحت شعار لا للتمديد لا للتوريث.

ولم تجد حركة كفاية وغيرها من حركات المعارضة أو الأفراد، فضاء للاحتجاج أفضل من سلم مبنى نقابة الصحفيين القريب من ميدان التحرير، والذي كان يوفر فرصة للاحتماء بالنقابة حال هجوم قوات الأمن.

سلم نقابة الصحفيين في مصر المصدر: الجزيرة
احتجاجات ومظاهرات عدة شهدها سلم نقابة الصحفيين (الجزيرة)

منبر للهتاف والاحتجاج

وسجلت الكاميرات قيام السلم بدور مهم خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011، إذ لجأ إليه المحتجون يوم 27 يناير/كانون الثاني، عقب اندلاع شرارة الثورة بيومين، ما جعله حاملا لمشعل الثورة في الفترة الفاصلة بين شرارة اندلاعها يوم 25 وذروة انفجارها في 28 من الشهر نفسه.

واستمر السلم منبرا للهتافات الاحتجاجية حتى أواخر عام 2017 حينما اعتقل صحفيون من فوق السلم أثناء الاحتجاج على قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية للقدس، وبعدها جرت احتجاجات مباغتة وقصيرة وصغيرة تخص قضايا صحفيين مفصولين.

ويرتبط تاريخ إنشاء مبنى نقابة الصحفيين بالسياسة منذ إنشائه عام 1942، ‏حيث كانت الأرض المقامة عليها النقابة حاليا معسكرا لقوات الاحتلال الإنجليزي.

‏وغامر‏ ‏وكيل‏ ‏النقابة ‏الراحل حافظ‏ ‏محمود‏ ‏بتوجيه‏ ‏إنذار‏ ‏إلى‏ ‏القيادة‏ ‏البريطانية‏ ‏بالقاهرة‏ ‏للجلاء‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏الأرض‏ "‏حيث‏ إنها‏ ‏آلت‏ ‏من‏ ‏الحكومة‏ ‏المصرية‏ ‏لنقابة‏ ‏الصحفيين‏ لإقامة ‏مبنى‏ ‏جديد‏ ‏عليها‏"، ‏وكانت‏ المفاجأة‏ ‏أن‏ ‏القيادة‏ ‏البريطانية ‏استجابت‏ ‏على‏ ‏الفور.

المصدر : الجزيرة