خصوم اليوم أصدقاء الغد.. هل يتحالف المتظاهرون العراقيون مع أحزاب السلطة بالانتخابات؟

في ظل غياب أي حل سياسي.. احتجاجات العراق تدخل شهرها الثاني
مراقبون يرون أن توجه كتل شبابية للتحالف مع أحزاب السلطة خيانة لدماء قتلى الاحتجاجات (الجزيرة)

لم تعد مطالب المتظاهرين في العراق تقتصر على إسقاط الطبقة الحاكمة وتوفير فرص عمل ومكافحة الفساد، بل توسعت نحو تشكيل تكتلات سياسية جديدة استعداداً للمشاركة في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها منتصف العام المقبل. ويترافق ذلك مع توقعات بدخول هذه التكتلات في تحالفات مع بعض الأحزاب القابضة على السلطة منذ 17 عاماً، الأمر الذي يعتبره بعض المراقبين خيانة لدماء قتلى الاحتجاجات.

القره غولي يرى أن ضخ دماء شبابية جديدة في البرلمان والحكومة السبيل الوحيد لتغيير الأوضاع (الجزيرة)

تدوير نفايات

وسيكون الأمر أشبه بـ "تدوير نفايات" في حال قررت القوى الشبابية المنبثقة من ساحات التظاهر الدخول بمثل هذه التحالفات، كما يقول المحلل السياسي د. خالد القره غولي الذي يرى أن أي تغيير للأوضاع لن يتأتى إلا من خلال ضخ دماء ووجوه جديدة في السلطات التنفيذية، ومن أبرزها البرلمان والحكومة.

وعن قدرة أو عدم قدرة التجمعات الشبابية الجديدة على مواجهة الأحزاب التقليدية التي تملك المال والسلاح، يؤكد القره غولي أن الشباب قاد واحدة من أهم البطولات في العصر الحديث وأقصاها، وهي الاحتجاجات الجماهيرية ضد رؤوس الفساد، وله القدرة على مواجهة "طواغيت ما بعد 2003" بتطلع وآمال للوصول لحكم البلاد المرحلة المقبلة، معتبراً أن انتخابات 2021 تمثل الفرصة الأخيرة للعراقيين لإحداث تغيير جذري للخلاص من الفاسدين وقتلة المتظاهرين.

وعن أبرز سلبيات تحالف القوى الشبابية مع الأحزاب التقليدية بالانتخابات المقبلة، يشبّه القره غولي ذلك بالحمل الكاذب، عازيا ذلك إلى ديدن السياسة وما وصفها بالديمقراطية الكاذبة في العراق.

ويرى القره غولي أن الطبقة -التي جاءت على ظهر الدبابة الأميركية بعد 2003- عاجزة عن قيادة نفسها، فكيف بإمكانها قيادة البلاد بعد فشلها على مدار 17 سنة الماضية، معبراً عن أسفه لتحول السياسة في بلاد الرافدين الى "دكاكين ومقاولات" لسلب ونهب ميزانيات الدولة التي تُبنى بها دول كاملة.

المفرجي استبعد إمكانية وصول المتظاهرين الشباب إلى البرلمان بالعدد الذي يؤهلهم لإحداث التغيير المنشود (الجزيرة)

قطع الأمل

وستسعى القوى التقليدية لقطع الطريق على التكتلات الشبابية، سواء المنبثقة من ساحات التظاهر أو غيرها، ومنعها من الوصول الى البرلمان أو الحكم، لوجود اختلاف كبير في الرؤى والتوجه والمعرفة السياسية والعمل المؤسساتي بين الطرفين، كما يقول النائب عن تحالف القوى العراقية خالد المفرجي، مستبعداً تنازل الأحزاب الحالية عن مصالحها الشخصية من أجل بناء الدولة على عكس الشباب الطامحين لبناء دولة مدنية مؤسساتية.

وقَطع المفرجي الأمل بإمكانية وصول المتظاهرين الشباب إلى البرلمان بالعدد الذي يؤهلهم لإجراء التغييرات، متوقعاً نيلهم عددا محدودا جداً من المقاعد في حال نجحوا بالوصول الى قبّة البرلمان دون أن يكون لهم أي تأثير بالمشهد السياسي، مستذكراً في حديثه للجزيرة نت واقع التيارات الليبرالية والمدنية التي ظهرت بعد 2010 وبقيت عاجزة عن مواجهة القوى الإسلامية السياسية القابضة على السلطة منذ عام 2003.

وحدد مجموعة نقاط تؤكد استحالة الانخراط بتحالف بين الطرفين، أبرزها طبيعة قانون الانتخابات الجديد الذي يخدم الأحزاب الكبيرة لا الصغيرة، مع وجود إرادة سياسية حقيقية لمنع صعود الطبقة الشبابية لسدّة الحكم، والمظاهرات الأخيرة لأتباع التيار الصدري خير دليل على ذلك.

الركابي دعا ممثلي المتظاهرين إلى التنسيق مع القوى السياسية تحضيرا للانتخابات المبكرة (الجزيرة)

لا عدو مطلق

بدوره يقول عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان كاطع الركابي إنه لا يوجد عدوٍ مطلق في السياسة، فمن الممكن أن يتحوّل عدو اليوم إلى صديق حميم غدا، ونفس الحال أن يصبح صديق اليوم عدوا غدا، مضيفاً أن مجريات الأحداث تحدد طبيعة التحالفات والتشكيلات الانتخابية العام المقبل.

ويقترح الركابي اللجوء الى التنسيق بدلاً من التحالف بين القوى السياسية والشبابية، على أن تشكل الائتلافات بينهم بعد ظهور نتائج الانتخابات المقبلة لتشكيل البرلمان والحكومة.

ويشدد على ضرورة وجود الشباب في أي تحالف سياسي يشارك بالانتخابات المقبلة، ويرى في حديثه للجزيرة نت أنه من السابق لأوانه الحديث عن هذه البادرة الوقت الحالي وسط الأجواء المتشنجة التي يمرّ بها العراق في المرحلة الحالية.

الكرعاوي نفى وجود أي تجمع أو كيان سياسي رسمي منبثق عن ساحات الاحتجاج (الجزيرة)

ثأر.. نفي

ورغم أن العديد من التجمعات الشبابية الجديدة تدعي أنها انبثقت من ساحات التظاهر، فإن الناشط البارز في احتجاجات بغداد أحمد الكرعاوي ينفي أن يكون للمتظاهرين أي تجمع أو كيان سياسي رسمي منبثق عنهم.

ويتهم الكرعاوي التجمعات الشبابية الجديدة بتلقي دعم سياسي ومالي من أحزاب السلطة لتنفيذ أجندات خاصة بها ولمصلحتها، في محاولة منها لشراء ساحات التظاهر وإنهاء الغضب الشبابي الرافض للفساد والمُطالب بوطنٍ حر بعيداً عن الطبقة الحاكمة ما بعد 2003.

وقال أيضا "في حال ظهر تجمع صريح باسم الاحتجاجات سنكون نحن طرفا ثالثا مستقلين، ونرفض التحالف مع أي جهة أو طرف كان في السلطة أو مسانداً لها" معتبرا أن أي تحالف للكتل التي تدعي أنها من ساحات التظاهر مع القوى التقليدية خيانة لدماء الشهداء والجرحى والمعوقين الذين سقطوا في الاحتجاجات.

وختم الناشط حديثه للجزيرة قائلاً "بعد المجزرة الأخيرة، التي ارتكبت بحق متظاهري ساحة الحبوبي في الناصرية جنوب البلاد وراح ضحيتها أكثر من 16 قتيلاً و75 جريحاً أثناء محاولة قوات الشعب انتزاع الساحة من المتظاهرين، بات هناك ثأر بيننا وبين أحزاب السلطة، ولن نسكت أو نتراجع ما لم نأخذ ثأرنا بإزاحتهم من السلطة تماماً ولو كلفنا ذلك حياتنا".

المصدر : الجزيرة