مرضى السرطان أبرز ضحاياها.. أزمة الدواء الوجه الآخر لعقوبات أميركا على إيران

إيران تعاني منذ سنوات من أزمة في توفير الأدوية النادرة (الفرنسية)

"ليست الصيدلية الأولى التي أغادرها دون العثور على حقنة واحدة من دواء "تريبتوريلين" (Triptorelin) المستخدم للحد من البلوغ المبكر"، هكذا عبر الشاب الإيراني محمود (38 عاما) عن معاناته خلال الأسابيع الماضية بحثا عن الدواء الذي قال إنه كان متوفرا بكثرة حتى قبل عام.

وأوضح محمود للجزيرة نت أنه جال منذ يومين على نحو 100 صيدلية في العاصمة طهران دون جدوى، مضيفا أنه عندما علم بمعاناة مرضى السرطان والكلى والسكري في الحصول على الأدوية الحيوية أيقن أن عدد الوفيات بسبب أزمة الدواء قد لا يقل كثيرا عن ضحايا جائحة كورونا، على حد قوله.

ذوو الأمراض المستعصية يعيشون قلقا جراء نفاد الأدوية (الفرنسية)

أزمة متفاقمة
وفي السياق، أكد الصيدلاني المناوب في صيدلية 13 آبان وسط العاصمة طهران أن أزمة الدواء في تفاقم ولا تقتصر على العاصمة طهران، وأنهم يعانون نقصا شديدا في العديد من الأدوية المستوردة على مستوى البلاد، مضيفا أن النموذج الإيراني للعديد من هذه الأدوية متوفر في الصيدليات لكن قد لا يكون له تأثير مماثل لنظيره الأجنبي.

وعلى الرغم من أن البلاد دخلت إغلاقا شاملا منذ السبت الماضي فإن الصيدليات المخصصة للأدوية النادرة تبدو مزدحمة كعادتها، ومن أمام صيدلية الدكتورة فاطمة جنابي في منطقة سعادت آباد شمالي طهران أكدت الشابة ساناز -التي كانت تبحث عن عقار "هرسبتين" (Herceptin) لوالدتها المصابة بالسرطان ولم تجده- أن العديد من الأدوية اليتيمة متوفرة بالفعل في السوق السوداء لكن بأسعار باهظة جدا.

وأضافت في حديثها للجزيرة نت أن أسعار الأدوية النادرة -ولا سيما تلك المستخدمة لعلاج الإشعاع الكيميائي والسرطان- في ارتفاع مستمر في سوق "ناصر خسرو" بذريعة ارتفاع سعر صرف الدولار في إيران، إلا أن الأسعار تضاعفت مؤخرا على الرغم من هبوط سعر العملة الصعبة عقب الإعلان عن فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، مما يعني أن السماسرة هم من يمتصون دماء ذوي المرضى، على حد تعبيرها.

الهلال الأحمر الإيراني يقول إنه يواجه صعوبات في استيراد الدواء بسبب العقوبات الأميركية (الفرنسية)

عقوبات أميركا
من جانبه، عزا حسن صفارية المسؤول عن توفير الأدوية النادرة في الهلال الأحمر الإيراني -في تصريح للتلفزيون الرسمي- سبب النقص الحاد في الأدوية النادرة إلى العقوبات الأميركية، مؤكدا أن الحظر الأميركي على التبادلات المالية عرقل استيراد الأدوية الخاصة، وتعهد بالعمل على توفير الأدوية الحيوية خلال الفترة القصيرة المقبلة.

وللحد من معاناة أزمة الدواء، أعلنت جمعية الهلال الأحمر في إيران أن أمينها العام كريم همتي تحدث عبر الاتصال المرئي مع نظيره النمساوي ميكائيل إبريسنغ، وأكد له معاناة الإيرانيين بسبب العقوبات الأميركية في الحصول على الأدوية الخاصة، ولا سيما تلك المستخدمة لعلاج مصابي كورونا.

في المقابل، اعتبر إبريسنغ أن العقوبات على الهلال الأحمر والصليب الأحمر تتعارض مع البرتوكولات الدولية المتفق عليها، مؤكدا أنهم في النمسا بذلوا جهودا حثيثة لإلغاء هذا الحظر لكن دون جدوى.

في غضون ذلك، اعتبر مستشار رئاسة البرلمان الإيراني منصور حقيقت بور الجهود الأوروبية لاحتواء تداعيات العقوبات الأميركية "شكلية" وخاضعة للإرادة الأميركية، على حد قوله.

وأكد أن بلاده لم تجن خيرا من قناة "إنستكس" الأوروبية للتبادل التجاري، ولا من القناة السويسرية المخصصة للأغراض الإنسانية، وذلك بسبب التهديدات الأميركية.

وكانت السفارة السويسرية لدى طهران أعلنت مطلع فبراير/شباط الماضي عن نجاح أول عملية نقل بضائع إنسانية تشمل مواد غذائية وأدوية بشكل تجريبي إلى إيران، لكن الإعلام الإيراني الناطق بالفارسية يتحدث عن تعطيل القناة منذ أكثر من 5 أشهر.

حقيقت بور (الصحافة الإيرانية)
حقيقت بور يتوعد بأن الضغوط الأميركية على بلاده لن تمر دون رد (الصحافة الإيرانية)

عرقلة الاستيراد
ورأى حقيقت بور في حديثه للجزيرة نت أن الضغوط الأميركية تهدف إلى إيجاد فجوة بين الشعب الإيراني وقيادته تمهيدا لتثويره على النظام الإسلامي، مؤكدا أن القطاع الطبي الإيراني يعمل ليل نهار على سد حاجة البلاد من الأدوية في الداخل على غرار التطور الذي حققه في قطاع الأسلحة.

وأوضح أن الولايات المتحدة لم تفرض حظرا مباشرا على الأدوية، لكن عقوباتها على المؤسسات المالية الإيرانية، وحرمانها من التعامل مع شبكة "سويفت" (SWIFT) للتحويلات المالية، والتهديد بفرض عقوبات على كل طرف يتعامل مع جهات إيرانية، كل ذلك خلّف تداعيات سلبيا على استيراد الأدوية النادرة إلى البلاد.

وشدد على أن الضغوط الأميركية على الشعب الإيراني لم ولن تمر من دون رد، مؤكدا أن الأميركيين يعرفون جيدا أين وكيف تلقوا الصفعات من الجمهورية الإسلامية خلال الفترة الماضية، وفق تعبيره.

وتوقع حقيقت بور أن تهزم إرادة الولايات المتحدة في العدوان على اليمن بعد هزيمتها في أفغانستان والعراق، مشيرا إلى أن هذه الهزائم نتيجة جرائمها بحق الإيرانيين، حسب قوله.

وخلص إلى أن المؤسسات الأميركية هي من ترسم السياسات العليا تجاه إيران وتطرحها على الرئيس، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، مستبعدا حصول تغيير حقيقي في التعاطي الأميركي مع الشعب الإيراني بمجيء الديمقراطي جو بايدن، مطالبا الأخير بالاعتراف أولا بفشل سياسة الضغوط وفرض العقوبات على الآخرين، ثم الاعتذار للإيرانيين قبل الحديث عن أي مفاوضات لحلحة القضايا العالقة بين الجانبين.

المصدر : الجزيرة