سد النهضة وحرب التيغراي.. ما هي رسائل مصر والسودان من "نسور النيل"؟

مناورة "نسور النيل" نشرها المتحدث العسكري المصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

بعد سنوات من ترك السودان ضحية لتدخلات إقليمية ودولية دفعته في النهاية إلى توقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، أعلنت القاهرة انطلاق مناورات عسكرية مع الخرطوم، لا تستبعد رسائلها مواجهة النفوذ الإقليمي المتزايد في العمق الجنوبي الإستراتيجي لمصر والقرن الأفريقي، كما تحمل "رسائل ردع على المدى البعيد" لإثيوبيا التي تشهد حربا أهلية، وفق خبراء.

وانطلقت المناورات العسكرية التي تعد الأولى من نوعها السبت الماضي، وتستمر حتى الـ26 من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، تحت مسمى "نسور النيل1″، في قاعدة جوية بمنطقة مروي (شمالي السودان)، وتشمل التخطيط للعمليات القتالية وإدارتها، إضافة إلى قيام مجموعات كوماندوز بمهام البحث والإنقاذ، في حين ظهرت لأول مرة مقاتلات "Mig-29M" المصرية المجهزة بصواريخ قتال جوي.

وتأتي المناورات بعد أقل من شهر على استدعاء الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب "الحل العسكري" لأزمة سد النهضة بالنسبة لمصر، وبالتزامن مع إعلان إدارته رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد إقدام الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

وفي سياق ذلك تشهد مفاوضات سد النهضة الإثيوبي تأزما وجمودا منذ انطلاقها في السنوات الأخيرة، في وقت تخشى فيه مصر من تداعيات سلبية محتملة للسد على حصتها من مياه النيل.

كما تعاني إثيوبيا حربا أهلية بين الحكومة المركزية في أديس أبابا وإقليم تيغراي الذي يتهم قادته الإمارات (حليف النظام المصري) بدعم حكومة آبي أحمد بالطائرات المسيرة التي تستهدف الإقليم.

ومع فرار آلاف الإثيوبيين إلى السودان، زادت الإشارات إلى تدخل إقليمي في النزاع الأهلي، مع انخراط دول الإقليم في الأزمة، في حين تقف الإمارات على مسافة قريبة من دعم أديس أبابا، بعد سنوات من الدعم المالي السخي الذي استغلته الحكومة الإثيوبية في بناء السد الذي تعاني منه مصر.

وتباينت رؤى الخبراء بشأن رسائل "نسور النيل1″، غير أنهم اتفقوا على ترجيح تواصل النشاط الدبلوماسي المصري السوداني إزاء أزمة السد، على أن يكون "استخدام القوة" أمرا واردا على المدى البعيد حال فشل المفاوضات في النهاية.

اتهامات إثيوبية

وفي حين لم تصدر أية تصريحات مصرية بشأن الحرب الأهلية الدائرة في إثيوبيا، أكد السودان على لسان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان -أمس الثلاثاء- دعم بلاده الحكومة الإثيوبية لدى لقائه مع مبعوث لرئيس وزراء إثيوبيا بالخرطوم.

وسبق أن وجهت إثيوبيا أواخر 2016 اتهامات للقاهرة بـ"دعم جماعات مسلحة وتدريب عناصر إرهابية على خلفية أحداث عنف شهدها إقليم أوروميا"، وهو ما نفته الخارجية المصرية آنذاك.

وقبل أشهر تراجع الترويج الإعلامي بمصر للخيار العسكري في التعامل مع سد النهضة، على خلفية إعلان إثيوبيا أواخر يوليو/تموز الماضي بداية الملء الأول للسد، حيث انتقد السيسي آنذاك الترويج للخيار العسكري باعتباره مضرّا بالسياسة المصرية.

 

تهديدات وتعاون مشترك

الخبير العسكري المصري اللواء المتقاعد طلعت مسلم أكد بدوره عدم انشغال بلاده بتوجيه الرسائل العسكرية إلى دول حوض النيل، مشددا أن المناورات المشتركة التي يجريها الجيش المصري في الآونة الأخيرة تعد وسيلة للتدريب والتأكد من الاستعداد القتالي لمواجهة التهديدات في أي نزاع محتمل.

وفيما يتعلق بمناورات "نسور النيل1" مع الجانب السوداني، فقد عزاها الخبير العسكري المصري إلى كونها خطوة نحو مزيد من التعاون العسكري المشترك مع السودان في مواجهة التهديدات، مشيرا إلى أن تلك المناورات من الممكن أن تكون خطوة نحو استعادة معاهدة الدفاع المشترك بين البلدين من جديد.

وأواخر ثمانينيات القرن الماضي ألغى السودان معاهدة دفاع مشترك مع مصر جرى توقيعها عام 1976، لأسباب من بينها أن التعاون العسكري بين البلدين لم يعد بفوائد على الجانب السوداني.

وشدد الخبير العسكري المصري مسلم على أن "المناورات لا تستهدف إثيوبيا، ولكنها تهدف إلى تأكيد قدرة مصر على الدفاع عن مصالحها ومصالح السودان في مواجهة أية تهديدات بما فيها التهديدات الإثيوبية".

وأضاف "في الوقت الحالي لا توجد أية إجراءات أو علامات مصرية تشير إلى الاستعداد لعمل عسكري يستهدف سد النهضة، لكن ذلك لا يمنع جاهزية القوات المصرية لمواجهة أية تطورات في هذا الشأن".

واستبعد مسلم أي دور مخابراتي لمصر في تأجيج الحرب الأهلية الدائرة بين الحكومة الإثيوبية وإقليم التيغراي، قائلا إن "مصر لم تتعود على أداء هذا الدور، لكنها قطعا تدرس الأوضاع وما هو الأفضل بالنسبة لأمنها القومي، دون التورط العسكري في الوقت الحالي".

وعن الدور العربي عموما في أزمة سد النهضة والأوضاع في القرن الأفريقي، أكد مسلم أنه دور "لا يزال ضعيفا، وربما تقل فيه الإجراءات التي نعدها موفقة أو على قدر مناسب من التعاون، والعلاقات العسكرية العربية عمومًا ليست على المستوى المطلوب".

رسالة إلى إثيوبيا

بدوره، اعتبر وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد أن المناورات المشتركة "رسالة موجهة إلى إثيوبيا، بعد وصول مفاوضات السد إلى طريق مسدود".

وفي تصريحات صحفية، أكد رشاد أن " من حق مصر أن تلوح بالردع دون الدخول فيه"، مشيرًا إلى أن التوقيت مناسب في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها إثيوبيا".

خلافات لا عداء

أما الباحث السوداني والخبير في القانون الدولي، محمد علي فزاري، فقد رأى في المناورات العسكرية "رسالة إلى أعداء المنطقة كافة، حيث من المعلوم أن منطقة القرن الأفريقي تشهد كثيرا من  النزاعات وتدفقا للاجئين، وأصبحت منطقة خصبة لتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية".

وأشار فزاري إلى أن المناورات "رسالة أيضا بأن الجيشين سيقفان ضد أية تحديات أمنية قد تواجه المنطقة، خاصة أن جميع جيوش الشرق الأوسط تعرضت للعديد من الانتكاسات والنكبات، ولم يتبق سوى الجيش المصري والسوداني في المنطقة".

وأوضح أنه رغم أن المناورات الحالية قد تكون بروتوكولية، فإنها تتزامن هذه المرة مع أحداث إقليمية كبيرة، مستبعدا في الوقت ذاته أن تكون إثيوبيا أحد أهدافها.

وذكر أن القاهرة والخرطوم وأديس أبابا ليس بينها حالة عداء، بل هي خلافات فنية وقانونية مرتبطة بسد النهضة، وحتى الآن خيار القوة غير مطروح رغم التوترات المتعلقة بهذا الملف.

وزاد بالقول إنه من المبكر جدا والسابق لأوانه أن تكون هناك إرهاصات لعمليات عسكرية أو إرسال رسالة لأديس أبابا، حيث إن الدول الثلاث تتبنى الخيار السلمي والتفاوض للتوصل إلى حل للأزمة".

وعزا حديثه إلى أن مصر لم يصدر عنها ما يؤيد حديث الرئيس ترامب، واستدعاءه الحل العسكري لأزمة السد، مستدركا بالقول "لكن يبقى الخيار المصري بالحل العسكري بعيد المدى إذا فشلت كل الجهود السلمية وجهود الخبراء والاتحاد الأفريقي".

وفيما يتعلق بالأزمة الإثيوبية الراهنة، أوضح فزاري أن "مصر لم تحدد آلية للتدخل أو حتى الوساطة، ويظل الموقف المصري الأكثر غموضا، وربما أزمة السد تلقي بظلالها على ذلك الموقف على الأقل في الوقت الراهن".

الدور الإماراتي

وعن اتهامات جبهة تيغراي للإمارات بدعم الحكومة المركزية في أديس أبابا ومدّها بالطائرات المسيرة التي تستهدف الإقليم، قال فزاري إنها اتهامات خطيرة، مشيرا إلى أن الموقف العربي من أزمة القرن الأفريقي وسد النهضة يظل ضعيفا ويكاد يكون غير موجود.

وأضاف أن على جبهة تيغراي إثبات اتهاماتها بتدخل إماراتي في المنطقة والنزاع الإقليمي، موضحا أن "الإمارات تتدخل في منطقة البحر الأحمر وكثير من المناطق، وهي ترعى مصالحها بهذا التدخل، وإن ثبت تدخلها في أزمة التيغراي فإن ذلك سيضر بسمعتها في الداخل والخارج".

المصدر : الجزيرة