سعد الدين الشاذلي.. قائد الجيش الذي رحل قبل يوم من تنحي مبارك

خارج النص-مذكرات الشاذلي منعتها الأنظمة وكرمتها ثورة يناير
10 يناير/كانون الثاني 2011 كان بمثابة تكريم للشاذلي الذي عانى الغربة والسجن فضلا عن التنكر لدوره في انتصار أكتوبر (الجزيرة)

في قلب ميدان التحرير وبعد 17 يوما من التظاهر خلال ثورة 25 يناير 2011 وقف المصريون في شغف ينتظرون رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة، إلا أن الرحيل في هذا اليوم لم يكن من نصيب مبارك قائد سلاح الطيران في حرب أكتوبر 1973 بل كان من نصيب رئيس أركان الجيش المصري خلال تلك الحرب الفريق سعد الدين الشاذلي.

ففي هذا اليوم رحل الشاذلي عن الدنيا عن عمر يناهز 89 عاما، وكأن الله قدر له أن يلقى عند مماته ما يعوضه عما لقيه من تجاهل خلال سنوات عمره الأخيرة.

ففي مشهد مهيب صلى مئات الآلاف من المصريين صلاة الغائب على الشاذلي في قلب ميدان التحرير، وتناقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية المشهد باهتمام بالغ ليكون العاشر من فبراير/ شباط الثاني 2011 بمثابة تكريم للرجل الذي عانى الغربة والسجن، فضلا عن التنكر لدوره في انتصار أكتوبر 1973 على العدو الإسرائيلي.

المفارقة كانت أن مبارك نفسه رحل في اليوم التالي لوفاة الشاذلي، وسط فرحة عارمة بين المصريين، ومبارك هو الذي أزال الشاذلي ووضع نفسه مكانه في الصورة التاريخية التي تجمع الرئيس السادات بقادة الجيش أثناء متابعة سير معارك حرب أكتوبر.

قائد عسكري معارض
ولد الفريق سعد الدين الشاذلي في أبريل/نيسان 1922، وتدرج في المناصب العسكرية حتى وصل إلى رئاسة أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو/أيار 1971 وحتى 13 ديسمبر/كانون الأول 1973، ووصف بأنه صاحب خطة حرب أكتوبر التي حملت اسم "المآذن العالية".

أقاله السادات بعد الخلاف الشهير بشأن تطوير هجوم القوات المصرية إلى عمق سيناء، حيث رأى الشاذلي أن حجم القوات المصرية وإمكانياتها -خاصة غطاء الصواريخ- لن يسمح لها بالانتصار، في حين أصر السادات على رأيه، وهو ما أدى إلى ثغرة في صفوف القوات المصرية كادت أن تتغير مسار الحرب تماما، وهي الثغرة المشهورة باسم "ثغرة الدفرسوار".

تم تجاهله من قبل السادات في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر والتي سلمهم خلالها النياشين والأوسمة.

أراد السادات إبعاده عن القوات المسلحة بل وعن مصر كلها، فعينه سفيرا في بريطانيا (1974-1975)، ثم سفيرا في البرتغال (1975-1978)، قبل أن يعلن الشاذلي معارضته التامة للسادات إثر مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل التي اعتبرها الشاذلي تفريطا في حقوق مصر والعرب وإهدارا لانتصار أكتوبر.

انتقل الشاذلي إلى الجزائر، ونشر مذكراته في كتاب عن حرب أكتوبر كشف خلاله أسباب خلافه مع السادات، وأنهى الكتاب ببلاغ للنائب العام يتهم فيه السادات بإساءة استعمال سلطاته والإهمال الجسيم والكذب وتزييف التاريخ.

وقال في الخطاب "إذا لم يكن من الممكن محاكمة رئيس الجمهورية في ظل الدستور الحالي على تلك الجرائم فإن أقل ما يمكن عمله للمحافظة على هيبة الحكم هو محاكمتي لأنني تجرأت واتهمت رئيس الجمهورية بهذه التهم"، وهو ما أدى به بالفعل إلى محاكمته عسكريا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.

سجن وتكريم
بعد نحو 14 عاما عاد الشاذلي إلى مصر في عام 1992 ليقضي فترة العقوبة بتهمة نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه، وهي التهمة التي اعترف بها الشاذلي، لكنه رفض تهمة إفشاء أسرار عسكرية بدعوى أن ما ورد في الكتاب يخص الحكومة وليست أسرارا عسكرية.

بعد خروجه من السجن اختفى الشاذلي عن الأضواء، لكنه ظهر على شاشة قناة الجزيرة عام 1999 في برنامج شاهد على العصر ليثير الضجة مجددا بما كشفه من كواليس حرب أكتوبر وخلافه مع السادات.

اللافت أن الشاذلي أكد في مذكراته أنه لم يحصل على أي تكريم لدوره في حرب أكتوبر على الرغم من كونه صاحب خطة الحرب وقائد أركان الجيش وقتها، واستمر تجاهل تكريم الشاذلي حتى وفاته يوم 10 يناير/كانون الثاني 2011 ليكون تكريمه شعبيا في قلب ميدان التحرير.

اللافت أيضا أن التكريم الرسمي الأول للشاذلي كان على يد أول رئيس مدني منتخب وهو الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث منح مرسي الشاذلي قلادة النيل (أعلى وسام مصري) لدوره في حرب أكتوبر، وتسملت القلادة أرملته في حضور وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على مرسي في صيف 2013 وأصبح رئيسا للجمهورية في 2014، في حين يقبع مرسي في السجن.

لم يكن الشاذلي وحده
يذكر أن الشاذلي لم يكن القائد العسكري الأول أو الأخير الذي يتعرض للسجن أو التنكر لدوره، فقد سبقه اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية الذي عزله رفاقه عام 1954 ووضعوه رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته وحيدا عام 1984.

وتولى السلطة بعده عبد الناصر الذي عاد وعزل صديقه المشير عبد الحكيم عامر بعد نكسة 1967 ومات عبد الحكيم منتحرا، في حين تقول عائلته إنه قتل.

والعام الماضي أمرت النيابة العسكرية بحبس قائد أركان الجيش المصري إبان ثورة يناير الفريق سامي عنان بتهمة مخالفة اللوائح العسكرية، وذلك بعد إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية أمام السيسي، وهو ما يرفضه مؤيدو عنان، ويقولون إن الاتهامات سياسية لإفساح الطريق أمام استمرار السيسي في الحكم.

المصدر : الجزيرة