مالبرونو: في البصرة.. غضب الشباب المحرومين من الثروة النفطية

Iraqi demonstrators block the entrance of Khor al-Zubair commodities port during the ongoing anti-government protests, near Basra, Iraq November 19, 2019. REUTERS/Essam al-Sudani
متظاهرون عراقيون يغلقون مدخل ميناء خور الزبير (رويترز)
انتقاما لقتلاهم، يحرق المحتجون الإطارات لإغلاق الطرق المؤدية إلى أم قصر، ميناء الاستيراد الوحيد وآبار النفط قرب البصرة، تلك المدينة التي تزود العراق بنحو 90% من صادرات النفط، وترمز في الوقت نفسه إلى فشله الذريع بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

بهذه الصورة، لخص موفد صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية جورج مالبرونو أول مشهد يلقاه على طريق أم قصر، مشيرا إلى أن المحتجين تمكنوا في السابق من إغلاق أم قصر لمدة أسبوعين، مما أثار انتقادات من قبيل الإضرار بالاقتصاد الوطني، تلتها حملة قمع شنتها الشرطة ضد عشرات الآلاف من المتظاهرين المطالبين بسقوط "الحكومة الفاسدة وغير الفعالة والمتحالفة مع إيران"، استقال على إثرها نائب البصرة مزاحمي التميمي.

ورغم أن مدينة الجنوب العراقي الكبرى التي كان يطلق عليها "فينيسيا العراق" سلمت من الحرب الأهلية بين عامي 2006 و2009، ومن ويلات "البربرية" بين عامي 2014 و2017، فإنها تبدو اليوم كأي مدينة من مدن العالم الثالث تعج شوارعها بالقمامة، ومياه المجاري تلوث مياهها لدرجة أن 120 ألف شخص دخلوا المستشفى صيف العام 2018، كما يصفها مالبرونو.

 
الميناء ليس للشعب
ورغم أن البصرة كان لها أن تشهد ازدهار "العراق الجديد" بقيادة طبقة سياسية من المعارضين الذين أتى بهم المحررون الأميركيون، فإنها -كغيرها من المناطق- أصيبت بوباء الفساد والبطالة المرتفعة وسيطرة المليشيات الشيعية الموالية لإيران، كما يقول مالبرونو وهو صحفي مخضرم احتجز رهينة في العراق لعدة أشهر خلال العام 2004.

ويقول أحد التجار لمالبرونو أثناء حديثه عن الرشاوى الباهظة التي يطلبها القادة إن "على أي شركة أجنبية أن تدفع 20 ألف دولار للمشاركة في مناقصات قطاع النفط، مع عدم اليقين من الفوز بالعقد". ويضيف أن "هناك مسؤولين لديهم عشرات الملايين من الدولارات مخبأة نقدا في مزارع تخضع لحراسة مشددة".

ويقول محتج يدعى "طالب" إن "كل حزب وكل مليشيا لديها رصيف في الميناء.. هناك واحد للعصائب وآخر لكتائب الشهداء وكذلك لسرايا السلام وبدر وخراسان وغيرها"، مضيفا أن الميناء ليس للشعب بل للمليشيات والأحزاب "الذين يعيدون توزيع جزء من دخلهم إلى الحكومة.. ويمكنهم إدخال ما يشاؤون".

ويقول الشاب أيمن إن وعود الحكومة بتوفير فرص العمل التي تعهدت بها بعد الاحتجاجات التي وقعت العام الماضي والتي قتل فيها قرابة 20 شابا، وأحرقت فيها القنصلية الإيرانية في البصرة، لم يتم الوفاء بها، "فلا شيء تغيّر".

ويعلق موفد الصحيفة الفرنسية بأن استقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي التي كانت أحد مطالب المحتجين لم توقف حراك المحتجين الذين يهتفون "كلنا في تمرد" و"سنكون صبورين"، وينقل عن مهندس النفط ليث قوله "لا نريد المزيد من الأحزاب التي تخلط بين المصالح الشخصية والسياسة والدين".

ويشير الكاتب إلى أن التحدي الذي يحاول المحتجون رفعه هائل، لأن السياسيين متشبثون بالسلطة وبامتيازاتهم، ويرفضون نسيان الماضي الذي يستغلونه بعرض صور لقتلى نظام صدام حسين قائلين "لا تنسوا أن من قتلوهم بعثيون".

غير أن الشباب -حسب الكاتب- لا يهتمون بماض قمعي لا يعرفونه، بل يناضلون من أجل إصلاح شامل للعراق، خاصة إنهاء الطائفية والنظام البرلماني، وإن بدت هذه المطالب بالنسبة للشاعر لؤي حمزة عباس "متطرفة".

دماء كثيرة

وكدليل على عزمهم مواجهة زعماء العشائر، أقدم الشباب مؤخرا على حرق "المضيف"، وهو المنزل التقليدي لرئيس الشؤون القبلية في مدينة الناصرية حيث كانت الحملة الأكثر دموية، وذلك بسبب قبوله لقاء رئيس الوزراء الذي "ليس لديه ما يقدمه سوى استقالته" حسب الشيخ حسين الخيون الذي رفض الدعوة.

وينقل مالبرونو عن الخيون قوله إن المحتجين لن يفاوضوا الحكومة لأنها فاقدة للشرعية بسبب ما تم سفكه من الدماء، والشباب سيفوزون عن طريق الإضراب العام والبقاء في الشوارع، مؤكدا في ديوانه "لقد حاولت الحكومة أن تشتريني ولكنني قاومت.. أريد أن أبقى مع الناس".

وقال هذا الزعيم العشائري إن الحكومة أصدرت أمر اعتقال بحقه، ولكن أحدهم اتصل به ليخبره بأن العقوبة يمكن أن تلغى إذا لم يساند المظاهرات، مضيفا أن "العشائر تتعرض لضغوط، وأن الحكومة تقدم لها المال، وأن بعضهم خائفون، خاصة من لديهم ملفات استخبارية".

وختم الكاتب بما قاله إبراهيم -سائق التاكسي المتعب بسبب قطع الشوارع، وهو يستريح على شط العرب عند التقاء نهري دجلة والفرات- "تعبت.. الشوارع قطعها الشباب، ولكنهم على حق في الاحتجاج.. انظر إلى كل هذه القمامة على الشاطئ.. ماذا فعل قادتنا بهذا البلد؟ ما هو مستقبل أطفالي؟".

المصدر : لوفيغارو