القدس في اجتماعات المجلس الوطني

القدس في اجتماع المجلس الوطني
تحت عنوان "القدس وحماية الشرعية الفلسطينية"، افتتحت الدورة الثالثة والعشرون للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي يعتبر برلمان الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده داخل الضفة وغزة والقدس ومناطق 48 والخارج ومخيمات اللجوء.

انعقد المجلس الوطني بعد جدل كبير دار في الشارع الفلسطيني، وبعد أشهر قليلة من اجتماع المجلس المركزي وهو الهيئة المنبثقة من المجلس الوطني، فقد اجتمع المركزي بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وقبل الحديث عن عنوان المقال "القدس وحضورها في اجتماعات المجلس الوطني"، لا بد من الحديث عن الظروف التي صاحبت وسبقت هذا اللقاء لفهم الصورة وقراءة المشهد وتحليل الخطاب.

قد تكون هذه المرحلة أو الفترة من أسوأ الفترات التي تمر بها القضية الفلسطينية على جميع الأصعدة، الخارجية والداخلية، فالاحتلال استغل حالة الضعف العربي والإسلامي

حالة سوداوية
قد تكون هذه المرحلة أو الفترة من أسوأ الفترات التي تمر بها القضية الفلسطينية على جميع الأصعدة الخارجية والداخلية، فالاحتلال استغل حالة الضعف العربي والإسلامي بعد إجهاض الربيع العربي، واستغل ضعف الحركات الإسلامية والوطنية التي كانت تدعم القضية الفلسطينية واستغل وصول العسكر، وبعض الزعامات التي تريد البقاء على الكرسي، وهذا لا يكون من دون موافقة أميركا التي وصل لسدة حكمها دونالد ترامب، الذي لا يخفي انحيازه الكامل للكيان الصهيوني.

المشهد الخارجي مشهد مساعد ومساند للاحتلال ليس بشكل خفي بل بشكل علني (غير مستغرب)، فنحن الفلسطينيين كنا نعرف تبعية هذه الأنظمة للكيان وكيف تحولت اليوم من الدعم الخفي للدعم العلني.

على الصعيد الداخلي الوضع أسوأ، فالانقسام الفلسطيني تحوّل من الانقسام العامودي إلى الأفقي، وضرب كل أمل في توحد الجبهة الداخلية الفلسطينية لمواجهة التحديات، التي تحيط بالقضية الفلسطينية، وباتت المصالحة التي حلم بها الجميع شيئا من المستحيل، في ظل حالة التراشق الحالية، وفي ظل العقوبات التي فرضت على قطاع غزة.

لم تقبل حركتا حماس والجهاد الإسلامي حضور اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني مطلع العام الحالي، والذي انعقد بعد الإعلان الأميركي عن القدس عاصمة للكيان، ولم يصدر عن المجلس المركزي سوى البيانات والكلام والتهديد. وبعد أكثر من أربعة شهور ونصف الشهر من الاجتماع لم يحدث شيء واقعي، فلم تستطع الدبلوماسية الفلسطينية القيام بشيء، ولم تتحرك وزارة الخارجية ولا سفراء فلسطين بالعالم ضد هذا القرار، وتم الاكتفاء بمؤتمرات عربية وجلسات لمجلس الأمن، كان يعرف الكل الفلسطيني أنها ستواجه بالفيتو الأميركي.

بعد هذه الحالة السوداوية والوضع المهترئ، وبدل تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام للتوحد، ومواجهة القرارات الأميركية، والإجراءات الإسرائيلية، مارست السلطة دورا سلبيا تجاه قطاع غزة، فأعلنت خطوات كثيرة ضد غزة الذي تحكمه حركة حماس، وبرز مصطلح التمكين والتسليم، وفرضت عقوبات جديدة على القطاع، وقطعت رواتب الموظفين، وزادت الهوة، واستخدمت حادثة تفجير موكب رئيس الوزراء بشكل سلبي.

في ظل هذا الوضع السوداوي والحالة المزرية التي تعيشها الحالة الفلسطينية، وبعد مسيرات الصمود في قطاع غزة التي خرجت للحدود قبل ذكرى النكبة ولأن كل الأضواء مركزة على القطاع، والنشاطات التي تقوم بها المجموعات الفلسطينية في الخارج، التي لم تتوقف عن عقد المؤتمرات والندوات وتنظيم الوقفات، كان قرار اجتماع المجلس المركزي.

الفكرة الرئيسية من هذا الاجتماع "تجديد الشرعية" ولا شك في أن فتح ومنظمة التحرير اليوم تواجه سؤالا كبيرا عنوانه "الشرعية"

البحث عن الشرعية
الفكرة الرئيسية من هذا الاجتماع "تجديد الشرعية"، ولا شك في أن حركة فتح ومنظمة التحرير اليوم تواجهان سؤالا كبيرا عنوانه "الشرعية"، فعن أي شرعية تتحدث السلطة في ظل عدم سيطرتها على شيء في الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الكاملة، وفي ظل عدم إجراء أي انتخابات رئاسية أو تشريعية منذ ثلاثة عشر عاما؟

هذه الشرعية لهذه المنظمة التي أصبحت "كالرجل العجوز"، الذي كان يحكم ويرسم ويسيطر وبهيبة، ونتيجة الكبر وتقدم العمر فقد الكثير من قوته وسيطرته، ولكنه ما زال يعيش الماضي الذي كان فيه يصول ويجول، ويرسم، ويحكم، ويقرر، ويرفض، وباتت أموره غير مقنعة لجموع الشارع الفلسطيني الذي يريد أن يرى إنجازات، يريد أن يرى مواقف، يريد أن يرى تصديا، مواجهة، ورفضا.

لم تفلح جهود فتح جميعها في (تجديد الشرعية) إذ كانت الضربة الأقوى، وجّهت من قبل الفصيل الثاني داخل هذه المنظمة الجبهة الشعبية التي أعلنت عدم المشاركة في هذه الاجتماعات، وعدم الاعتراف بأي من قراراتها، فأصيب (برلمان الشعب الفلسطيني) بحالة نقص الشرعية.

موقف حركتي حماس والجهاد الإسلامي واللتين تمثلان ثقلا جماهيريا وشعبيا كبيرا في الساحة، كان متوقعا ولا شك أنه أضعف الاجتماع، وسحب جزءا كبيرا من شرعيته، ومع ذلك أصر منظموه على عقده رغم كل هذه المقاطعة، فحركة فتح تعتبر نفسها هي المخول الوحيد للحديث عن الشعب، وهي من تمثله حتى لو كان الجميع ضد هذه الرؤية.

كان هذا سردا لا بد منه لفهم الطريقة التي انعقد بها هذا المجلس، ولم نتحدث عن انتقادات من لم يشارك، مثل طبيعة الحضور، والدعوات لمن وجّهت، وكبار العمر، وأنّ آخر اجتماع كان عام 1996، فهذا لا يقدم ولا يؤخر، فالمجلس اجتمع ووضع القدس عنوانا لاجتماعه.

هناك مفارقة.. أن آخر اجتماع كان للمجلس المركزي 1996 بحضور الرئيس الأميركي بل كلينتون الذي أعلن أمامه إلغاء الميثاق، وشطب بنود لها علاقة بالكفاح المسلح، وهذا الاجتماع عام 2018 كان أيضا ضد قرار الرئيس الأميركي ترامب، الذي أعلن القدس عاصمة للكيان، فأميركا بالمرتين حاضرة في اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني.

اسم القدس الذي وضع على المنصة، وكان عنوان هذا الاجتماع، بالإضافة للشرعية الفلسطينية، والتأكيد عليها، كان "شكليّا تزينيّا"

القدس بالمنصة
من وجهة نظري أن اسم القدس -الذي وضع على المنصة، وكان عنوان هذا الاجتماع، بالإضافة للشرعية الفلسطينية والتأكيد عليها- كان (شكليّا، تزينيّا) فقد سبق أن عقدت مؤتمرات واجتماعات، وحملت اسم الأسرى والعودة، وما شابه دون أن يكون لها أي صدى أو أثر، الذي يثبت ذلك خلو الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني من أي خطوات أو إجراءات عملية فعلية
.

فماذا قال الرئيس عن القدس؟ وكيف أعلن تعزيز صمودها؟ لم يكن أي خطوة عملية واحدة تشير لإجراء عملي، الخطابات النظرية والكلام العام لا يقدم ولا يؤخر، الشعب الذي يتابع الخطابات يعرف أن خطوات السلطة بمجلس الأمن قوبلت (بالفيتو)، والسلطة كانت تعلم أن الفيتو سيرفع، فلماذا الاستغراب؟! ولماذا تكرار الكلام؟! نحن نريد خطوات عملية تربك المشهد، وتجعل الاحتلال يفكر ألف مرة ومرة قبل أي خطوة.

قد يسأل سائل ماذا يمكن للسلطة أن تفعل؟ أقول للسلطة: الكثير من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها السلطة صاحبة مشروع المقاومة الشعبية، وهي التي لم تستطع عمل شيء على هذا الصعيد لتعلن السلطة بشكل واضح أنها ستذهب لهذا النوع من أنواع المقاومة، كما فعلت غزة التي استطاعت خلال ثلاث جُمع أن تقيم الدنيا ولا تقعدها، وتجعل الاحتلال يرتبك، ويدفع بأغلب قواته لمواجهة المقاومة المتصاعدة، ماذا فعلت السلطة؟ لا شيء.. المسيرات لم تدعم، والشارع لم يشارك لأنه بكل وضوح لا يثق في السلطة التي يتهمها بمعرفتها المسبقة بالقرار الأميركي.

الكلمات ذاتها.. تعزيز صمود الشعب المقدسي، الكلمات التي تتكرر كلما ذكرت القدس، وهذا غير مرئي على أرض الواقع، فكلنا يشاهد كيف يجبر الفلسطيني على هدم منزله بيده، فهل تظنون أن السلطة تقوم بتعويض هؤلاء؟!

القدس والشعب والشارع يريد أن يرى موقفا فعليّا، خطوات عملية، ولا يريد أن يرى اجتماعات لرجال كبار في السن، يرتدون البدلات الفارهة، وينامون في الفنادق.. ليس هذا شكل المقاوم والمناضل في الوعي الجمعي للشعوب.

تخيل معي يا رعاك الله، أن الشخصيات المقدسية المعروفة والتي تظهر كل يوم على الشاشات تتحدث عن القدس، وكل يوم تعتقل غير حاضرة في اجتماع عنوانه القدس، تخيل معي أن مرابطات القدس والتي شاهد الكل سحلهن، وضربهن، وبقين صامدات على أبواب القدس غير مدعوات في يوم القدس، فكيف لنا أن نلوم حماس والجهاد والشعبية لعدم الحضور، إذا كان أهل القدس ومن يمثلها غير حاضرين في مثل هذه المناسبة التي شبهتها بالعرس مع عدم حضور الرئيس؟

كنت أتوقع وأنا أستمع لخطاب السيد الرئيس التطرق لافتتاح السفارة الأميركية بالقدس، واحتمال حضور الرئيس ترامب الافتتاح

متابعات بالمئات الآلاف
إن مرابطات القدس صاحبات الأسماء المعروفة والوجوه المألوفة أصغرهن عمرا معروفة على مستوى العالم العربي والإسلامي، أكثر بكثير من أصحاب ألقاب ومسميات كبيرة، أدخلوا على صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وشاهدوا فقط عدد المتابعين بمئات الآلاف، أما أصحاب الألقاب الكبيرة فلا تكاد تعرف اسمه وإذا شاهدته تقول لنفسك هل هذا ما زال على قيد الحياة؟

تحليل الخطاب شيء، والخطوات العملية شيء آخر، وعدم حضور كل هذه القامات والأسماء والتنظيمات شيء منفصل يوجهنا إلى مشكلة الشرعية التي أضيفت للعنوان "غير المركزي" القدس.

كنت أتوقع وأنا أستمع لخطاب السيد الرئيس التطرق لافتتاح السفارة الأميركية بالقدس، واحتمال حضور الرئيس ترامب الافتتاح، وماذا ستفعل السلطة؟ وكيف ستواجه هذا الحدث إن حدث؟ وأن لا نتركه للساعات الأخيرة، وتحديدا أن الموعد المعلن 15 مايو/أيار وهو ذكرى احتلال فلسطين، وذكرى نكبة الشعب الفلسطيني.. ولكن هذا لم يحدث.

نحن لسنا بحاجة لمؤتمرات، ولا لتجديد شرعيات، ولا لحديث عن انضمامنا للمنظمات الدولية.. نحن بحاجة لإرادة سياسية نواجه من خلالها هذا الاحتلال، حتى لو عبر هذه المنظمات الدولية، نحن بحاجة لخطوات عملية يشارك فيها الكل الفلسطيني، فما يحاك بحق القدس كبير، والتصدي له بحاجة لبرنامج عملي قابل للتطبيق، وبحاجة لإجماع وتجميع، وليس بحاجة لإقصاء وفرض عقوبات، وإقصاء، هذا ما هو بحاجة له مدينة كالقدس.

مرة أخرى نحن بحاجة لبرنامج للخروج من الأزمة الحالية، نحن بحاجة لترتيب البيت الفلسطيني، نحن بحاجة لشراكة سياسية وليس لتمكين وتسليم واستلام، فما قيمة الشراكة والانتخابات إذا كان الهدف تمكين وإقصاء الآخر؟

لا أعوّل كثيرا على هذه الاجتماعات التي تفرق ولا تلم، والتي تزيد النسيج الاجتماعي تمزقا، بقدر ما أعوّل على مرابطات ومرابطي ورجال القدس الحاضرين دوما في الميدان

القدس البوصلة
نحن بحاجة إلى خطاب من نوع آخر تقدمه السلطة والمنظمة بعد عقدين عن آخر اجتماع جرى. نحن بحاجة لسلطة تتبع لمنظمة، وليس لفصيل يحكم سلطة ومنظمة.. نحن بحاجة أن تكون القدس ليس مجرد عنوان على لافتة، وأن تذكر ضمن بنود، نحن بحاجة أن تكون القدس البوصلة، والخطوات معروفة، والبرنامج جاهز لإنقاذ من يمكن إنقاذه من هذه المدينة التي باتت شبه مهوّدة
.

لا أعوّل كثيرا على هذه الاجتماعات التي تفرق ولا تلم، والتي تزيد النسيج الاجتماعي تمزقا، بقدر ما أعوّل على مرابطات ومرابطي ورجال القدس الحاضرين دوما في الميدان، والمتأهبين في كل لحظة للمواجهة، والاجتماع لديهم في باحات القدس ليس بحاجة لإعداد ودعوات ومؤتمرات وفنادق، فهم دوما حضور، وعلى وضوء، مستعدون لتقديم الأرواح، والسجن والإبعاد من أجل هذه المدينة.

وعلى أمل أن نرى شيئا عمليا، كانت هذه قراءة خاصة بي عن حضور القدس في اجتماع المجلس المركزي، القدس بحاجة لما هو أكبر من ذلك، ومن دون مشاركة الكل الفلسطيني لن يكون هناك شيء، وعن التكليف والتكلف الذي ختم به الرئيس الفلسطيني خطابه بذكره الآية الكريمة: (لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها).. بوسعنا فعل الكثير سيدي الرئيس، فشعبنا قادر على المواجهة، أبدع بغزة، فصنع الصاروخ، ويقاوم اليوم بغزة على الحدود لنأخذ تجربته الأخيرة، ونفعل ما هو شبيه بها، هنا ساعتها سيأتي الجميع إليك لكي يطلب التهدئة والحل.

وإلى أن يأتي ذلك اليوم.. التحية للقدس وأهلها الحصن الحصين، والسد المنيع، في وجه الاحتلال وأذنابه.. عشتم وطاب جهادكم ورباطكم وقراراتكم.

المصدر : الجزيرة