جدل جديد بشأن مقتل رئيس بولندا السابق
عادت نظريات المؤامرة بشأن مقتل الرئيس البولندي السابق ليخ كاتشنسكي في تحطم طائرة في روسيا عام 2010 إلى الظهور بقوة بسبب خبر نشرته صحيفة بولندية عن عثور المحققين على آثار لمواد متفجرة في حطام الطائرة التي قتل فيها أيضا عدد من المسؤولين البولنديين الكبار.
ورغم نفي المتحدث الرسمي للجيش البولندي تلك الأنباء وتراجع الصحيفة عن المعلومات التي نشرتها، فإن التفاعل الشعبي العارم مع الخبر وانعاكاساته على الرأي العام في الشارع البولندي، أجبرت رئيس الوزراء دونالد تاسك على الظهور على شاشات التلفزيون وإبداء استيائه من تبني وترويج نظرية المؤامرة بشأن مقتل الرئيس الراحل كاتشنسكي.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الجيش أن النتائج النهائية القاطعة لن تظهر قبل ستة أشهر وأكد على أن التحقيق يتم وفق أحدث الأساليب والتقنيات.
أما صحيفة يسبوتشبوليتا التي أوردت النبأ، فرغم سحبها للخبر بشكل جزئي، فإن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قالت إن التفاصيل التي وردت في الصحيفة البولندية قد ساهمت في زعزعة ثقة الجمهور البولندي بإجراءات التحقيق، حيث ورد في الخبر الأصلي قبل سحب جزء منه أن آثارا لمادتي تي إن تي ونيتروغليسيرين المتفجرتين وجدتا على حوالي ثلاثين مقعدا وعلى جزء من أحد أجنحة الطائرة التي سقطت في وسط روسيا عام 2010.
آثار سلبية
وتطرقت يسبوتشبوليتا إلى الآثار السلبية التي يسببها تأخير إعلان نتائج التحقيق، وقالت رغم أن المنطقة التي سقطت فيها طائرة الرئيس كانت مسرحا لعمليات عسكرية قتالية في الحرب العالمية الثانية، ويمكن أن يكون في تربتها رواسب لمواد متفجرة منذ تلك الحقبة، فإنه وفي ضوء تصاعد نظريات المؤامرة التي تتردد هنا وهناك فإن "التأخير وإحاطة (نتائج التحقيق) بجدار من السرية يبقى أمرا غير مفهوم".
وعلّقت نيويورك تايمز على تفاعلات الخبر في بولندا بالقول إنه زاحم أخبار الإعصار "ساندي" في نشرات الأخبار طوال يوم أمس، ونكأ جراحا تسبب بها مقتل الرئيس كاتشنسكي لم تكن قد اندملت بعد.
يذكر أن جناح الوطنيين البولنديين الذي كان الرئيس الراحل ينتمي إليه تملؤه الشكوك بشأن الحادث ولم يستبعد وجود ضلع لروسيا في الحادث أو حتى تورط الحكومة البولندية نفسها.
وقد أدت عودة حادث تحطم طائرة الرئيس الراحل إلى الواجهة إلى تفاعلات سياسية، حيث دعي ياروسواف كاتشنسكي الأخ التوأم للرئيس الراحل ورئيس حزب القانون والعدالة -أكبر أحزاب المعارضة في البلاد- إلى استقالة الحكومة البولندية الحالية.
وقد رد كاتشنسكي على نفي المتحدث الرسمي باسم الجيش البولندي لخبر يسبوتشبوليتا بالقول "الأمر برمته خدعة كبيرة".
وكانت الطائرة الرئاسية البولندية تحمل الرئيس وعددا من المسؤولين البولنديين في زيارة لروسيا في أبريل/نيسان عام 2010 عندما حاولت الهبوط في مطار سماليانك الروسي ولكنها ونظرا للضباب الشديد وتدني مدى الرؤية لامست الأرض قبل وصولها إلى المدرج بحوالي نصف ميل، الأمر الذي أدى إلى تحطمها.
أقوال متضاربة
ويدعي المسؤولون الروس أن قائد الطائرة لم يمتثل لأوامر المراقبين الجويين الذين نصحوه بعدم الهبوط، بينما يجادل البولنديون بأن برج المراقبة الجوي يجب عليه ألا يسمح للطيار بالاقتراب من المطار أصلا في ظل الظروف الجوية التي كانت سائدة وقت تحطم الطائرة.
وقد ظهرت نظريات المؤامرة بعد الحادث مباشرة، عندما قال حزب القانون والعدالة إن السلطات الروسية صادرت الكاميرات والهواتف المحمولة من كل من شهد الحادث.
وأضافت نيويورك تايمز أن الشكوك بشأن الحادث لم تتبدد أبدا، خاصة مع الحوادث الغريبة التي أحاطت بشهود العيان، حيث وجد أحد الشهود مشنوقا في شقته قبيل موعد مثوله أمام البرلمان في جلسة استماع.
من جهة أخرى، قال ريميغيوتش موس -مهندس الطيران البولندي الذي كان موجودا في المطار كأحد أفراد الطاقم الفني البولندي المخصص لاستقبال طائرة الرئيس- إن المراقبين الجويين الروس أعطوا الإذن لقائد الطائرة الرئاسية بالتحليق على علو منخفض استعدادا للهبوط، وهو ما يتناقض والمعلومات الواردة في التحقيق الروسي.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، حضر أحد المحققين في الحادث مؤتمرا صحفيا، ولكنه استأذن بشكل مفاجئ وأطلق على نفسه عيارا من مسدسه أصاب رأسه، ولكنه نجا من الموت بأعجوبة.
وفي ضوء اللغط الذي أثاره تقرير صحيفة يسبوتشبوليتا، نقلت الصحيفة عن مراقبين قولهم إن فشل الحكومة في التحدث بشكل واضح وصريح عن أسباب حادث تحطم طائرة الرئيس الراحل هو خطأ واضح، ويشكل خطرا على سمعة رئيس الوزراء تاسك وحزبه.
ونقلت الصحيفة عن ألكساندر سمالار -الذي وصفته بأنه عالم في السياسة- قوله في مقابلة إذاعية "إن تعدد الأوجه الغامضة وعدم اليقين وصمت دائرة المدعي العام والافتقار إلى الخطوات العملية المنتظمة ومن ثم اكتشافات مثل هذه، كل ذلك ساهم في تفاقم جو عدم الثقة الذي يحيط بأولئك المسؤولين عن التحقيق، وقد امتد جو عدم الثقة ليشمل الحكومة".