إقحام الدين في السياسة الأميركية

afp : Former Massachusetts Gov. Mitt Romney stands at the podium during a stage walk-through on day two of the Republican National Convention (RNC) at the Xcel Energy




على الرغم من أن دستور الولايات المتحدة ينص على فصل الدين عن الدولة مما يجعله وثيقة علمانية بامتياز، فإن الدين والسياسة باتا يشكلان جزءاً واحدا لا تنفصم عراه.


ولإضفاء حجة مفحمة على آرائهم، يعمد الطامحون لاعتلاء كرسي الرئاسة من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة إلى إقحام العامل الديني في السياسة.


ففي كلمة ألقاها أمام طلبة كلية سيتادل العسكرية بجنوب كاليفورنيا بوقت سابق من الشهر الجاري، قال ميت رومني –المرشح الأوفر حظا للظفر بترشيح الجمهوري لمنافسة الرئيس أوباما بالانتخابات القادمة- إن الله لم يخلق هذه الدولة (يقصد الولايات المتحدة) لتكون "أمة من التُبَّع" مضيفا أن "على أميركا أن تقود العالم".


وتساءل رومني "لماذا ينبغي أن تكون أميركا مختلفة عن عشرات الدول حول العالم؟" وجاءت إجابته لتعبر عن كُنه العقيدة الدينية السائدة لدى الكثيرين بالولايات المتحدة في الوقت الراهن، عندما قال "إنني أؤمن بأننا بلد استثنائي ذو قدر فريد ودور علينا أن نضطلع به في العالم".


وفي مقاله بجريدة لوس أنجلوس تايمز، يرى أندرو باسيفيتش –أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن الأميركية- أن ليس في الكتاب المقدس ولا في تعاليم المسيح عليه السلام وأحباره ما يدعم هذه الحجة.

العهد الثالث
غير أن الكاتب يشير إلى أمر خطير، وهو أن الإنجيل الأميركي يحتوي على ما يُسمى العهد الثالث، الذي يُضفي على حجة رومني الشرعية.


ما من أحد يتطلع لنيل ترشيح الحزب الجمهوري سيعترض على المواقف التي اختطها رومني لأنهم يشاطرونه القناعة بأن الله اختار أميركا لتكون خليفته في الأرض

المعروف أن الكتاب المقدس يتكون من قسمين رئيسيين هما العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد. غير أن كاتبا دانماركيا يُدعى مارتينوس تومسون (1890-1981) زعم أنه وجد طريقه إلى المعرفة الكلية عبر رؤيا شاهدها وهو بعد لم يتجاوز الثلاثين من عمره إلا قليلا فألف كتابا بعنوان العهد الثالث، وهو الكتاب الذي بات مصدر إلهام لبعض المسيحيين وخاصة بالولايات المتحدة.


ووصف رومني من يختلفون مع العهد الثالث بأنهم سُذَّج ممن يدعون إلى تقوقع البلاد في عزلة، وأن ترفع الراية البيضاء إذعانا إلى أن "زمن أميركا قد ولَّى". واعتبر رومني هذه المقولة بأنها "محض هُراء".


ويقول كاتب المقال إن من يصطفيه الله لا يتقيد بالأحكام التي يخضع لها الآخرون، ومنها أنه غير مضطر للاعتذار عن الخطأ. ولعل رومني كان يستحضر ذلك حين قال "إنني لن اعتذر قط عن شيء ارتكبته أميركا".


فالاعتذار يوحي بسوء تقدير أو أخطاء أو آثام، وهي صفات يعف العهد الثالث عن ذكرها عندما يتحدث عن أمة معصومة عن سوء الطوية أو الأفعال الدنيئة، برأي باسيفيتش.


ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة لا يتعين عليها الاعتذار حينما تنشد التفوق العسكري الدائم أو عند نزوعها إلى العنف. وهذه هي قناعة رومني، إذ قال "عندما تكون أميركا قوية يكون العالم آمنا".


ورومني عندما يقول ذلك إنما يستلهم ما ورد في العهد الثالث الذي يُعد التأكيد على أن قوة أميركا العسكرية تُفضي إلى السلام، أحد ثوابت العقيدة.


ويخلص كاتب المقال إلى أن ما من أحد يتطلع لنيل ترشيح الجمهوري سيعترض على المواقف التي اختطها رومني لأنهم يشاطرونه القناعة بأن الله اختار أميركا لتكون خليفته في الأرض.


أما المرشح الذي سيختاره الجمهوري لمنازلة أوباما بالانتخابات فسيعمد إلى الإيحاء بأن الرئيس الحالي لا يؤمن بأي من تلك الآراء، ومن ثم فهو لا يستحق ولاية رئاسية ثانية.


ومن جانبه، سيعمل أوباما على إظهار ولائه لمفهوم "المكانة الاستثنائية لأميركا" حتى يثبت عكس ما سيردده خصمه الجمهوري.

وبغض النظر عما ستكون النتيجة النهائية، فإن الفائز الحقيقي هو مفهوم "المكانة الاستثنائية" للولايات المتحدة. 

المصدر : لوس أنجلوس تايمز