الدولة الفلسطينية وعقدة الاعتراف بيهودية "إسرائيل"

الدولة الفلسطينية وعقدة الاعتراف بيهودية "إسرائيل" نبيل السهلي

في الخطاب الإسرائيلي
قضية اللاجئين
فلسطينية أم يهودية؟

رغم التصريحات المتكررة من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ اتفاقات أوسلو الداعية بمجملها إلى ضرورة أن تفضي المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في نهاية المطاف إلى دولة فلسطينية، فإنها لم تتضمن إشارات واضحة إلى حدود تلك الدولة وسيادتها وعلاقاتها المستقبلية، فضلا عن عدم التلميح إلى ضمانات أميركية حقيقية لإقامتها.

واللافت أنه ومنذ إنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994 بقيت المفاوضات رغم استمرارها في فترات مختلفة أسيرة المواقف الإسرائيلية، مما يؤكد غياب أي ضغوط أميركية حقيقية على إسرائيل، بل على العكس من ذلك كانت الضغوط -التي ما زلنا نشهد فصولها بعد انطلاق جولة مفاوضات جديدة في يوليو/تموز 2013 تبعا للشروط الإسرائيلية- على الطرف الفلسطيني الذي يفتقد أوراق قوة حقيقية، وخاصة في ظل غياب حاضنة عربية وموحدة للتفاوض، ناهيك عن التشظيات في الساحة الفلسطينية من جهة، وعدم وضوح المرجعيات السياسية للتفاوض من جهة أخرى.‏

في الخطاب الإسرائيلي
يلحظ المتابع لخطاب المؤسسة الإسرائيلية بشأن الدولة الفلسطينية أنه يركز منذ انطلاقة مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991 على أهمية إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تأخذ بعين الاعتبار الهواجس الإسرائيلية الأمنية والديمغرافية، فضلا عن إبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في عمق الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، وبطبيعة الحال الجزء الشرقي المحتل من القدس في الخامس من يونيو/حزيران 1967 يبقى بدوره تحت السيادة الإسرائيلية أيضا.

منذ إنشاء السلطة الفلسطينية بقيت المفاوضات رغم استمرارها في فترات مختلفة أسيرة المواقف الإسرائيلية، مما يؤكد غياب أي ضغوط أميركية حقيقية على إسرائيل، وخلافا لذلك كانت الضغوط على الطرف الفلسطيني

وخلال العامين الأخيرين أعلنت إسرائيل مرارا أنها تؤيد فكرة قيام دولتين، دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمان وطمأنينة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على شبكة الإنترنت، وترى أن الحل الحقيقي يكون في قيام دولتين وطنيتين هما: دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني ودولة يهودية لليهود، ولا تطمح إسرائيل إلى السيطرة على الفلسطينيين، وتعتقد أن قيام دولة فلسطينية ديمقراطية حقا تربطها علاقات سليمة كاملة مع إسرائيل سيؤدي إلى أن الأمن والازدهار الطويل الأمد سيسودان إسرائيل كدولة يهودية.

وتؤكد وزارة الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل لا تقلق من فكرة إقامة دولة فلسطينية. وإنما يزعجها هو نوع الدولة الفلسطينية التي ستقوم، هل ستكون دولة ديمقراطية ودولة قانون ونظام تتجنب الإرهاب والعنف والتحريض، الأمر الذي سيمكن إسرائيل من العيش بسلام إلى جانبها؟ أم ستكون دولة فوضوية تستمر في سلوك مسلك العنف والإرهاب، وتعرض للخطر ليس إسرائيل وحدها بل المنطقة كلها؟

وتقول إسرائيل إنها لن تقبل بقيام دولة "إرهابية" على حدودها، ويجب أن تأخذ الجهود المبذولة لإقامة دولة فلسطينية في الاعتبار الحقوق والمصالح الحيوية الإسرائيلية، وبخاصة في ما يتعلق بالأمن. وهكذا سيسود السلام والاستقرار هذه المنطقة. وتهدف إسرائيل إلى أن تكون دولة يهودية ديمقراطية، تعيش بانسجام مع الدول المجاورة لها.‏

قضية اللاجئين
إن السجال الإسرائيلي المشار إليه سابقا حمل المؤسسة الإسرائيلية على تبني حل الدولتين، وتدرك إسرائيل أن مستقبل كل دول الشرق الأوسط المجاورة مرتبط بمستقبل الدول الأخرى، ولا يكتب النجاح لأي سلام لا يأخذ هذه الحقيقة بالحسبان.

وتشير وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها على الإنترنت إلى أن تأسيس إسرائيل كان بمثابة استجابة للطموحات الوطنية لأبناء الشعب اليهودي، ويجب أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية لنفس الغرض بالنسبة إلى الفلسطينيين، وعليها أن تلبي طموحات أبناء الشعب الفلسطيني جميعهم، ممن يسكنون في الضفة الغربية وقطاع غزة أو يعيشون في مخيمات اللاجئين في الدول العربية، أو يقيمون في أي مكان آخر في العالم، أي حل قضية اللاجئين في إطار جغرافية الدولة الفلسطينية. إن إقامة دولة فلسطينية ثابتة ومزدهرة وهادئة تعتبر مصلحة إسرائيلية، وكما أثبتت إسرائيل في خطة الانفصال عن غزة عام 2005، فإنها مستعدة لاتخاذ خطوات مؤلمة من أجل دفع هذا الغرض إلى الأمام، ولكن عليها أن تعرف أن شركاءها جاهزون للتوصل إلى مصالحة تاريخية ستجلب السلام الدائم.

إضافة إلى تصورات المؤسسة الإسرائيلية حول الدولة الفلسطينية، يمكن القول إن الاتجاه العام للرأي الإسرائيلي يعكس الصورة نفسها إزاء الدولة الفلسطينية، حيث هناك إجماع في الرأي العام الإسرائيلي يرفض بشدة العودة إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، ويتمسك بالاستيطان وبمساحات واسعة من الضفة الغربية.

ولهذا يمكن القول إن الدولة الفلسطينية، وفق التصورات والرؤى الإسرائيلية، يجب أن يتم إنشاؤها على جزء من المناطق الفلسطينية المحتلة، تقطع أوصالها المستوطنات (151 مستوطنة) يتركز فيها 350 ألف مستوطن يهودي، وجدار الفصل العنصري الذي سيلتهم أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية الكلية البالغة 5800 كيلومتر مربع، ويبقي السيطرة المطلقة على 80% من حجم المياه الفلسطينية.

الدولة الفلسطينية وفق التصورات الإسرائيلية، يجب أن تقام على جزء من المناطق الفلسطينية المحتلة، تقطع أوصالها 151مستوطنة وجدار فصل عنصري سيلتهم أكثر من 40% من الضفة الغربية

وهذا حل لما يطلق عليه الإسرائيليون المشكلة الديمغرافية، كي "تتخلص" إسرائيل من الكثافة السكانية المرتفعة للفلسطينيين في مراكز المدن في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه تحصرهم في معازل تطلق عليها دولة فلسطينية، مساحتها الإجمالية لا تتعدى نصف مساحة الضفة الفلسطينية، ليصبح أسهل عليها التحكم بالفلسطينيين والسيطرة عليهم، وذلك أفضل من إبقائهم تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر.

فلسطينية أم يهودية؟
يلاحظ المتابع للتوجهات الإسرائيلية السابقة بوضوح جلي عدم الإشارة إلى حدود الدولة الفلسطينية التي يجري الحديث عنها من قبل دوائر في إدارة أوباما والمؤسسة الإسرائيلية، وفي نفس الوقت لم يشر من قريب أو بعيد إلى مستقبل المصادر الطبيعية للدولة الفلسطينية وكذلك علاقاتها الخارجية وحدود تلك العلاقة، ولم يتم التطرق إلى مستقبل الاقتصاد الفلسطيني الذي تسيطر إسرائيل على أهم مفاتيحه مثل: التجارة الخارجية وأداء قوة العمل الفلسطينية.

ومقابل ذلك تم التركيز في التصورات الإسرائيلية حول الدولة الفلسطينية على ضرورة أن تكون تلك الدولة ديمقراطية تتحلى بعنصر الأمن وأن تكون دولة لكل الفلسطينيين، بمعنى أنها دولة لسكان الضفة والقطاع وكذلك للاجئين الفلسطينيين، وبذلك تجنبت إسرائيل الحديث عن عودة اللاجئين إلى قراهم داخل الأراضي العربية الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل في الخامس عشر من مايو/أيار 1948.

ولفرض التصورات الإسرائيلية حول الدولة الفلسطينية وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرارات الدولية وفي المقدمة منها القرار 194 الصادر في نهاية عام 1948، تنشط الدوائر الإسرائيلية المختلفة منذ سنوات عدة من أجل تعميم فكرة يهودية إسرائيل، جنبا إلى جنب مع تنشيط الاستيطان وتكثيفه في عمق مدن وقرى الضفة الغربية، وخاصة في قلب مدينة القدس التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة دولتهم المنشودة.

وتبقى الإشارة إلى أنه مع الرفض الدائم للمؤسسة الإسرائيلية لإنشاء دولة فلسطينية بالمعنى السيادي على الأرض والمصادر الطبيعية، يجب على الفلسطينيين تبني خيارات أخرى في المقدمة منها التأسيس لخطاب حقيقي للمطالبة بتحقيق دولة ثنائية القومية على أرض فلسطين التاريخية، حيث يخشى إستراتيجيون في اسرائيل مجرد الحديث عن التصور المذكور، نظرا لهواجسهم الديمغرافية والإستراتيجية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.